ما ورد في فضائل أهل اليمن
ورد في فضائل أهل اليمن . من المقصود على الصحيح ؟ ومن ذكر ذلك من العلماء ؟ وهل تعني سُكّان اليمن أيا كانوا من عرب أو عجم ؟ وهل تشمل القبائل القحطانية أينما كانوا ؟

الجواب :
اليمن إذا أُطلِق فهو أعمّ من اليمن المعروف اليوم بحدوده السياسية !
ولعل أوضح الحدود في العُرف الشرعي : قوله عليه الصلاة والسلام : وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ . رواه البخاري ومسلم .
فما وراء ميقات يلملم يُعتبر من اليمن في القديم .
وفي مُعجم البلدان : اليَمَن بالتحريك قال الشرقي : إنما سميت اليمن لتيامنهم إليها . قال ابن عباس : تفرقت العرب فمن تيامن منهم سُمِّيت اليمن . ويُقال : إن الناس كثروا بمكة فلم تحملهم فالْتَأمَتْ بنو يَمن إلى اليمن ، وهي أيمن الأرض ، فسميت بذلك ..
وقال الأصمعي : اليمن وما اشتمل عليه حدودها بين عمان إلى نجران ، ثم يلتوي على بحر العرب إلى عدن إلى الشَّحْر حتى يجتاز عُمان فينقطع من بينونة ، وبينونة بين عُمان والبحرين ، وليست بينونة من اليمن . وقيل : حَدّ اليمن مِن وراء تثليث وما سامتها إلى صنعاء ، وما قاربها إلى حضرموت والشَّحْر وعمان إلى عدن أبْيَن ، وما يلي ذلك من التهائم والنجود . واليمن تجمع ذلك كله . اهـ .
وكانت تهامة وما جاورها تعتبر أيضا من بلاد اليمن ، ولذلك يُقال لأبي هريرة رضي الله عنه : اليماني . كما في ترجمته .
وهو دوسيّ ومن بلاد دوس .
وقد يُطلَق على الحجاز عامة : اليمن . ألا تراهم يقولون : النبي اليماني ؟
ومما ورد في فضل أهل اليمن قوله عليه الصلاة والسلام : أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ ، هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً ، وَأَلْيَنُ قُلُوبًا ؛ الإِيمَانُ يَمَانٍ ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ . رواه البخاري ومسلم .

وأكثر أهل العِلْم على أن ذلك لا يشمل كل أهل اليمن ، وإنما هو خاص بِمن كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وما قارَبَه ممن نصروا الإسلام في أول الأمر .
قال النووي : قَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَوَاضِع هَذَا الْحَدِيث ، وَقَدْ جَمَعَهَا الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه ، وَنَقَّحَهَا مُخْتَصَرَة بَعْده الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلاح رَحِمَهُ اللَّه ، وَأَنَا أَحْكِي مَا ذَكَرَهُ . قَالَ : أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ نِسْبَة الإِيمَان إِلَى أَهْل الْيَمَن ، فَقَدْ صَرَفُوهُ عَنْ ظَاهِره مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَبْدَأ الإِيمَان مِنْ مَكَّة ثُمَّ مِنْ الْمَدِينَة حَرَسَهُمَا اللَّه تَعَالَى . فَحَكَى أَبُو عُبَيْد إِمَامُ الْغَرْب ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُ فِي ذَلِكَ أَقْوَالا
أَحَدُهَا : أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ مَكَّة فَإِنَّهُ يُقَال : إِنَّ مَكَّة مِنْ تِهَامَة ، وَتِهَامَة مِنْ أَرْض الْيَمَن .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْمُرَاد مَكَّة وَالْمَدِينَة ، فَإِنَّهُ يُرْوَى فِي الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا الْكَلام وَهُوَ بِتَبُوك ، وَمَكَّة وَالْمَدِينَة حِينَئِذٍ بَيْنه وَبَيْن الْيَمَن ، فَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَة الْيَمَن ، وَهُوَ يُرِيد مَكَّة وَالْمَدِينَة ، فَقَالَ : الإِيمَان يَمَان وَنَسَبهمَا إِلَى الْيَمَن لِكَوْنِهِمَا حِينَئِذٍ مِنْ نَاحِيَة الْيَمَن ، كَمَا قَالُوا الرُّكْن الْيَمَانِيُّ وَهُوَ بِمَكَّة لِكَوْنِهِ إِلَى نَاحِيَة الْيَمَن .
وَالثَّالِث : مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِير مِنْ النَّاس - وَهُوَ أَحْسَنُهَا عِنْد أَبِي عُبَيْد - أَنَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ الأَنْصَار ؛ لأَنَّهُمْ يَمَانُونَ فِي الأَصْل ، فَنَسَب الإِيمَان إِلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ أَنْصَاره .
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو رَحِمَهُ اللَّه : وَلَوْ جَمَعَ أَبُو عُبَيْد وَمَنْ سَلَكَ سَبِيله طُرُق الْحَدِيث بِأَلْفَاظِهِ كَمَا جَمَعَهَا مُسْلِم وَغَيْره ، وَتَأَمَّلُوهَا ، لَصَارُوا إِلَى غَيْر مَا ذَكَرُوهُ ، وَلَمَا تَرَكُوا الظَّاهِر ، وَلَقَضَوْا بِأَنَّ الْمُرَاد الْيَمَن ، وَأَهْل الْيَمَن عَلَى مَا هُوَ الْمَفْهُوم مِنْ إِطْلاق ذَلِكَ ؛ إِذْ مِنْ أَلْفَاظه أَتَاكُمْ أَهْل الْيَمَن وَالأَنْصَار مِنْ جُمْلَة الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ فَهُمْ إِذْن غَيْرهمْ . وَكَذَلِكَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " جَاءَ أَهْل الْيَمَن " ، وَإِنَّمَا جَاءَ حِينَئِذٍ غَيْر الأَنْصَار ، ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَهُمْ بِمَا يَقْضِي بِكَمَالِ إِيمَانِهِمْ ، وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الإِيمَان يَمَان ، فَكَانَ ذَلِكَ إِشَارَة لِلإِيمَانِ إِلَى مَنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْل الْيَمَن لا إِلَى مَكَّة وَالْمَدِينَة . وَلا مَانِع مِنْ إِجْرَاء الْكَلام عَلَى ظَاهِره ، وَحَمْله عَلَى أَهْل الْيَمَن حَقِيقَة ؛ لأَنَّ مَنْ اِتَّصَفَ بِشَيْءٍ وَقَوِيَ قِيَامه بِهِ ، وَتَأَكَّدَ اِطِّلاعه مِنْهُ ، يُنْسَب ذَلِكَ الشَّيْءُ إِلَيْهِ إِشْعَارًا بِتَمَيُّزِهِ بِهِ ، وَكَمَالِ حَاله فِيهِ ، وَهَكَذَا كَانَ حَال أَهْل الْيَمَن حِينَئِذٍ فِي الإِيمَان ، وَحَال الْوَافِدِينَ مِنْهُ فِي حَيَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِي أَعْقَاب مَوْته كَأُوَيْسِ الْقَرْنِيِّ ، وَأَبِي مُسْلِم الْخَوْلانِيِّ ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا ، وَشِبْههمَا مِمَّنْ سَلِمَ قَلْبُهُ ، وَقَوِيَ إِيمَانه فَكَانَتْ نِسْبَة الإِيمَان إِلَيْهِمْ لِذَلِكَ إِشْعَارًا بِكَمَالِ إِيمَانهمْ ، مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون فِي ذَلِكَ نَفْيٌ لَهُ عَنْ غَيْرهمْ ، فَلا مُنَافَاة بَيْنه وَبَيْن قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الإِيمَان فِي أَهْل الْحِجَاز " . ثُمَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ الْمَوْجُودُونَ مِنْهُمْ حِينَئِذٍ لا كُلّ أَهْل الْيَمَن فِي كُلّ زَمَان ، فَإِنَّ اللَّفْظ لا يَقْتَضِيه . هَذَا هُوَ الْحَقّ فِي ذَلِكَ وَنَشْكُر اللَّه تَعَالَى عَلَى هِدَايَتنَا لَهُ . وَاَللَّه أَعْلَم . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الرِّدة ، وفَتَحُوا الأمصار ؛ فَبِهم نَفَّّس الرحمن عن المؤمنين الكُرُبات . اهـ .
ومما يدلّ على ذلك ما رواه الإمام أحمد من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق مكة إذ قال : يطلع عليكم أهل اليمن ، كأنهم السَّحَاب ، هم خِيارُ مَن في الأرض ، فقال رجل مِن الأنصار : إلاَّ نحن يا رسول الله ؟ فَسَكَت . قال : إلاّ نحن يا رسول الله ، فَسَكَت . قال : إلاّ نحن يا رسول الله . فقال في الثالثة كلمة ضعيفة : إلاّ أنتم . رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني والبزّار وأبو يعلى .
وفي حديث عِمْرَان بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا بَنِي تَمِيمٍ أَبْشِرُوا . قَالُوا : بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ ، فَجَاءَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ فَقَالَ : يَا أَهْلَ الْيَمَنِ اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ . قَالُوا : قَبِلْنَا . جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ ، وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الأَمْرِ . رواه البخاري


قال ابن حجر : أي : اقْبَلُوا مِنِّي ما يقتضي أن تُبَشَّروا إذا أخذتم به بالجنة ، كالفِقْه في الدّين ومَل به . اهـ .

فهذا مما ختصّ به ذلك الجيل الحريص على التفقه في الدِّين ، لا أنها عامة في كل أهل اليمن . كما قال النووي .
ولا تشمل كل أهل اليمن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقد كان في اليمن يهود ونصارى ومشركون ، وكان فيه من ادّعى النبوة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل : الأسود العنسي .

وفي حديث ثوبان أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : إِنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ لأَهْلِ الْيَمَنِ أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ . رواه مسلم .

قال النووي : مَعْنَاهُ أَطْرُدُ النَّاس عَنْهُ غَيْر أَهْل الْيُمْن ، لِيَرْفَضَّ عَلَى أَهْل الْيُمْن ، وَهَذِهِ كَرَامَة لأَهْلِ الْيَمَن فِي تَقْدِيمهمْ فِي الشُّرْبِ مِنْهُ ، مُجَازَاة لَهُمْ بِحُسْنِ صَنِيعهمْ ، وَتَقَدُّمهمْ فِي الإِسْلام . وَالأَنْصَار مِنْ الْيَمَن ، فَيَدْفَعُ غَيْرهمْ حَتَّى يَشْرَبُوا كَمَا دَفَعُوا فِي الدُّنْيَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْدَاءَهُ وَالْمَكْرُوهَات . اهـ