سيناريو ضرب إدلب

إن أهم ما يجب البدء به هو قولنا أن الشام وجميع البلاد العربية والإسلامية تخصنا نحن المسلمين ولا تخص غيرنا؛ الشيء الذي يفرض علينا رفض أيّ تدخل فيها مهما كان، فلا حقّ لأيّ حاكم عربي أو في أيّ بلد إسلامي أن يستعين بالكفار ويستعديهم على الرافضين له ولوجوده في بلادنا، فمشاكلنا لا يحق لأيّ كان أن يتدخّل فيها، فلو قيل أن لدينا إرهابا فجوابنا هو أنه يخصنا ولا دخل لأحد فيه، فنحن أولى بالتعامل معه من غيرنا، هذا عند إقرارنا بأن لنا إرهابا والحقيقة أن لا إرهاب لنا ولا إرهاب في بلادنا لأن الإرهاب بمفهوم الغرب والشرق هو صفة كل من يرفض التبعية والعمالة وبيع البلاد وتسليم مقاليد العباد لأعداء الإسلام.
إن الإرهاب دعاية مقيتة وبروبكندة تخديرية للسكوت عن جرائم المجرمين الكبار أمثال أمريكا وروسيا وغيرهما، فقد وصل الحال ببعض الدول العربية أن افتعلت تفجيرات في بلادها ونسبتها إلى الإرهاب من أجل الابتزاز وقد حصل تقليدا لحادث سقوط برجي التجارة العالمية أيام بوش الابن من أجل إيجاد مبرر للتدخل في البلاد العربية والسيطرة على منابع النقط وقد حصل، من أجل تحسين صورة الدولة عند الأعداء وأخد شهادة تقديرية في إخلاص العمالة وقد حصل.
إنه بعد صراع دموي مرير في سوريا وسقوط قتلى مدنيين وتشريد الملايين منهم وتهجيرهم قسرا، وبعد اتفاقيات وقف التصعيد والتي هي اتفاقيات مشبوهة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، بعد كل ذلك تعمل قوى الكفر وقوى النفاق وقوى العمالة على تفكيك عرى التواصل بين المقاتلين والمجاهدين والمسلحين في سوريا.
لقد استطاعت أمريكا عن طريق عملائها الخليجيين وإيران وتركيا وخديمها الرخيص بوتين أن تدفع بالمقاتلين الذين لا يقبلون السير وفق أجندتها والتي منها الإبقاء على الأسد إلى حيث تريد جمعهم ريثما تدبر أمر تفكيك المعارضة المسلحة والقضاء عليها ثم بعد ذلك تنظر في شأن من يخلفه، بعد كل ذلك استطاعت أمريكا بضغط روسي وكردي وعربي وتركي وإيراني أن تدفع بالمعارضة إلى التجمع في أمكنة معلومة، وقد نشرنا سابقا مقالة سياسية تحليلية نذكر فيها أن تجميع المقالتين في مكان ما ما هو إلا حصارهم في منطقة معينة لجعلها مقبرة جماعية لدفنهم فيها، وقد حصل في عدة أمكنة قبل خروج المقاتلين منها مرة أخرى إلى أمكنة غيرها إلى انتهى الأمر بهم إلى إدلب، فاليوم إدلب ترتدي كفنها، اليوم يستعد العالم للقضاء على الثورة السورية يعينهم على ذلك عرب من السعودية عن طريق مسلحين يأتمرون بأمرها في سوريا وغيرها، وكذلك العجم؛ تركيا وإيران، والغاية الأسمى هي القضاء على المعارضة المسلحة خصوصا تلك التي تستهدف التحرر على أساس الإسلام وحضارة الإسلام وشريعة الإسلام، فهذا ممنوع عربيا وتركيا وإيرانيا ودوليا، وأمريكا تسعى جاهدة للتسوية العسكرية قبل أن تخوض في التسوية السياسية، ومن هنا كانت إدلب معركة فاصلة للغرب وروسيا والعرب وتركيا وإيران وكلهم متلهفون للقضاء على دعوات التحرير على أساس الإسلام، ويعلم الله تعالى ما ستكون النتيجة، غير أن القرائن تؤكد أن الخوف مسيطر على الجميع من خوض القتال على الأرض، ولذلك يأملون في تهجير الناس وذلك بقصف أماكن تجمعاتهم وتسوية إدلب بالأرض التي سيتعرى المقاتلون فيها ولا يبقى لهم حصن يتحصنون به إلا حصن الله تعالى، ثم بعد ذلك يأخذون منهم أرضهم بقليل القتال وبسيط التكلفة، هذا هو سيناريو إدلب في رأس الأعداء، ولكن الله تعالى قد أثبت في كتابه العزيز وفي سنة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم أن النصر هو بيده، ومن كان بيده النصر فهو الذي يصنع أسبابه، صحيح أن السبب أولا وأخيرا هو من الله تعالى ولكن لا بد له من أمور تهييئية، فإذا لم تكن إدلب سببا للنصر بغياب الإخلاص لله عز وجل عند البعض، واستهداف غير الدار الآخرة فلا يعني ذلك أن المسلمين نائمون على آذانهم، بل هم متطلعون دائما وأبدا إلى تحكيم شرع الله وسيادة الإسلام وبروز حضارته، فالأيام دُولٌ يوم لك ويوم عليك.
هذا هو سيناريو إدلب وهو سيناريو يصب في التسوية السياسية في سوريا ولكن بعد التسوية العسكرية، ولذلك تؤجل أمريكا التسوية السياسية رغم سيرها الكاذب فيها دوليا حتى ينجز النظام وروسيا ما طلبا منهما مع مساع حثيثة ومساعدات من هنا وهناك من أجل تصفية المعارضة المسلحة خصوصا تلك التي لا تأتمر بأمرهم كتلك التي يسمونها بالجماعات الإرهابية.
إن إرهاب الجماعات التي تنعت بالإرهابية بالنسبة لكل ذي لُبّ يتعلق برفضها الائتمار بأمر أمريكا وعملائها في سوريا، وترقبوا خروج وكيلها روسيا من أي دور في سوريا بعد استعمالها للقضاء على المعارضة المسلحة، وروسيا تدرك ذلك وتسعى إلى إيجاد موطئ قدم في الحل ولكن أمريكا لا تريد لها ذلك لأن الشام كله من المجال الحيوي لأمريكا وليس لروسيا فيه دور إلا بضوء أخضر من أمريكا، وأهم ما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن روسيا لا تخسر في سوريا بشرا، صحيح أنها تخسر أموالا من خلال استعمال السلاح وتسيير دوريات في مناطق معينة ولكن كل ذلك ليس بالأمر الجلَل لأنها مستأجرة بمقابل مالي وسياسي، إنها مستأجرة للقيام بذلك الدور القذر في قتل المسلمين لحساب المخططات الأمريكية والسؤال هو: لماذا تفعل ذلك روسيا إن لم يكن لها طمع في إيجاد نفوذ بسوريا؟ والجواب على ذلك أن روسيا متفاهمة مع أمريكا على الرغم من وجود حرب تجارية تمارسها أمريكا ضد روسيا من خلال العقوبات الاقتصادية التي تمارسها عليها ولكن أهم شيء في الموضوع هو أن أمريكا ترامب قد وقفت موقفا هاما بالنسبة للسياسة الروسية في جزيرة القرم بحيث أعلن ترامب في قمة السبعة الكبار أنها جزء من روسيا لأن سكانها أغلبهم ينطقون اللغة الروسية وفيه ما فيه من خروج على اللحمة الغربية الأوروبية الأمريكية بشأن جزيرة القرم التي احتلتها روسيا سنة: 2014 والتي بسببها فرضت عقوبات اقتصادية أمريكية وأوروبية عليها، والتي بسببها طردت روسيا من الدول الثمان الكبرى، وهذا جزاء ومكافأة أمريكية على الدور الذي تقوم به روسيا نيابة عن أمريكا في الشام، فروسيا تأمل ان لا تضيّق أمريكا عليها الخناق بشأن أكرانيا في موضوع جزيرة القرم، ولا يهم إن كانت أوروبا تعتبر ضم الجزيرة خطرا على حدودها من جهة الشرق.
إن المقاتلين في إدلب اليوم قد شكلوا قيادة موحدة لمواجهة الآلة العسكرية الروسية والأسدية وفي هذا الموقف خطر كبير، يبقى إن لم يكن ممكنا ضربه؛ إفشاله، وإفشاله أن تسوّى إدلب بالأرض ولا يهم قتل المدنيين لأن القتل هدف لأمريكا وروسيا والنظام الأسدي وبعد ذلك يسهل طرد من تبقى منهم خارج إدلب كما حصل مع الدولة الإسلامية في العراق، ولكن هل يكون هذا هو الحل؟ كلا، بل الحل هو اليقظة العملية من أجل منع أي حركة تستهدف تحرير أمة الإسلام والعودة إلى شريعته وسيادة مبدئه أينما كان، فهل هذا أمر نهائي؟ كلا، فالإسلام قادم والانتقام من الظَّلَمَة والقَتَلَة للمسلمين لا مفرّ منه وإن غداً لناظره قريب.
قال تعالى: ((وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) سورة الأنعام.
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
محمد محمد البقاش
أديب ومفكر مغربي من طنجة
طنجة في: 16 ــ 09 ــ 2018م