حول الجدلية في الشعر


إن الشعرهو خلق لغة داخل لغة، وعوالم جديدة عن عوالمنا العادية المكبلة بأغلال المنطق، ذلك لأن كل عمل نثري يعتبر ماديًا حالمًا يقذف به العقل إلى الخارج ، وأما كل عمل شعري فيعتبر روحيًا حَتَّى في حالة توجدنه لأن الرؤيا هي بمثابة اكتشاف وخلق جديد للأشياء. ، ولماذا قيل هذا شعر وذلك نثر ذلك لأن الفرق ما بين الاثنين شاسع ولن يلتقيا. ، إن الأشياء الَّتِي هي من صنع العقل باستطاعتنا أن نقيمها بحجج ودلائل وبراهين، وأما الَّتِي هي من صنع النفس فليس بمقدورنا ونحن هنا لسنا ضد الوزن والقافية في الشِّعْرَ، أو التحرر من هيكل القصيدة التقليدية العمودية وبنائها، أو الإحتفاظ فقط بوحدة التفعيلة وقوة الإيقاع الداخلي، فالوزن والقافية في نظرنا نوعاً من أساسيات الشعر أوبعبارة أخرى هو نوع من المحسنات الإبداعية ، وهناك من َالشُّعَرَاء المجددين من أبدع في شعر التفعيلة بطريقة تداعي الوزن والقافية حسب تداعي الأفكار، وهذا محمود في الشِّعْرَ .وممن أبدع في شعر التفعيلة أديبنا الكبيرالراحل علي أحمد باكثيروهو أول مجدد في شعر التفعبلة في الشعرالحديث قبل بدر شاكر السياب ونازك الملائكة، وصلاح عبدالصبور وغيرهم من كبار َالشُّعَرَاء المجددين.
وهناك من شعراء ما قبل الإسلام من تخطى عصره في توظّيف الرمز والرؤيا في بعض
أشعاره كأمرىء القيس في معلقته الشهيرة :
وليل كموج البحر أرخى سدوله علي بأنواع الهموم ليبتل.
فقلت له لما تمطى بصلبه و أردف أعجازا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فيا لك من ليل كأن نجومه بأمراس كتان إلى صم جندل.
لقد أثارت هذه الأبيات ذات الرمز والرؤيا أصحاب البلاغة لما تشمله من عمق في الرؤيا عند الشاعر فقد ذكر الباحثون في " الموشح" أن الوليد بن عبد الملك تناقش مع أخيه مسلمة حول هذه الأبيات من شعر امرئ القيس والنابغة الذبياني في وصف الليل أيهما أجود .فأنشد الوليد قول النابغة .وأنشد مسلمة قول امرئ القيس، فضرب الوليد برجله ا فقال الشعبي بانت القضية. يعني أن قول امرئ القيس هو الأجود. هذه الرؤيا العميقة لصورة الليل عند امرئ القيس جعل النقاد والبلاغيين والباحثين يتحيرون في كشف أسرارها وخباياها فقد أيد أبو هلال العسكري في كتابه الصناعتين : الكتابة والشِّعْرَ ما رأه ابن طبا طبا في "عيار الشعر" حيث رأى أن البيت الأول يدخل في "تشبيه الشيء بالشيء لونا مع إضافته أن فيه معنى "الهول ".أما "ابن رشيق" فقد ذكر في كتابه العمدة أن "البيت الأول يغني عن الثاني .والثاني يغني عن الأول ومعناهما واحد." وعندما نتناول البيت التالي من معلقة امرىء القيس :

يتبع....