أحدث المشاركات
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 19 من 19

الموضوع: غير حقيقي اقصوصة طويلة حلقات

  1. #11
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف”؟
    قال بعضهم لمحبوبه: صادفت فيك جوهر نفسي، وشاكلتها في كل أحوالها، فانبعثت
    نفسي إليك وكأنما هويت نفسي.
    المشابهة هى علة الحب.. وأهم المتشابهات هى التماثل في الصفات الروحية
    حتى يحدث المزج التام بينهماـ سواء اتفقت رؤية الواقع الإجتماعي لها أو لم تتفق.
    فمن الذي يضع هذا في طريق ذاك ويجذب كل منهما للآخر
    هذه أمور قدرية لا يعلمها إلا الله.
    متابعة معك.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #12
    الصورة الرمزية علاء سعد حسن أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 468
    المواضيع : 50
    الردود : 468
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    (6)

    زواج أجانب!!

    هكذا يسمُّونه: (زواج أجانب).. حتى ولو كان العروسان أتباع دين واحد، وأبناء لُغة واحدة، وعِرق بشري واحد تقريبًا.. يظل بالنسبة للدوائر الرسمية والاجتماعية زواج أجانب!!

    سيكتشف عابد وصابرة لاحقًا أنَّهما يرجعان لأصل عرقيٍ واحد، فكلاهما ينتسب إلى أبناء قريش من المسلمين الأوائل الذين انساحوا في العالم مع الفتح الإسلامي!

    حتى هذا الاكتشاف اللاحق ما كان ليشفع لهما لتجنُّب عقد زواجهما في دائرة زواج الأجانب بدولة محايدة، غير موطن ذات العذوبة، وغير محل إقامة عابد، فعقد الزواج في كلا الدولتين كان شبه مستحيل أو على أقل تقدير مكبَّلا بالعديد من الإجراءات التعسفية الكفيلة بنسف المشروع من جذوره!


    متى اخترعوا الجنسية؟!

    يزفر عابد بضيق وهو يتساءل.. تبتسم ابتسامة باردة وهي لا تجد إجابة لسؤاله المعذَب..

    رغم أنَّه زواج شرعي وقانوني موثَّق في كافة الدوائر الحكومية هنا وهناك وهنالك.. إلا أنَّه -كزواج أجانب- يظل يصم العروسين بالخروج على المألوف!!
    ويلٌ للخارج عن مألوف المجتمع ولو كان صائبًا.. وويلٌ له كل الويل لو بدا أنَّه سعيد، أو على وشكِ السعادة!

    بعض الذين يحقدون عليك لسعادتك، لا يعنيهم أمرك أنت بالذات.. فأنت لا تمثِّل لهم تحديًا ما.. لكنَّ صراعهم الحقيقي مع الفكرة غير المألوفة، لمَ تسبقهم إليها، وقد كانوا أولى بالسبق منك؟! فشلك هو السبيل الوحيد لإعادة تقديرهم لذواتهم ولحكمتهم التي منعتهم من التورط فيما تورَّطت فيه من خَبَل!!

    ارجع عمَّا أتيت من خروجٍ عن المألوف، لا لينصلح حالك، فانصلاح حالك لا يعنيهم بتاتًا.. ولكن لتهدأ نفوسُهم الثائرة، وتسكن غيرتُهم من سعادة تطفر من محيَّاك!


    وعابد وذات العذوبة منذ نهارات خريف باريس الفائت التي التقيا فيها في قاعة المؤتمر، يلتقيان هذا النهار لأول مرة في صالات قدوم مطار الدولة المحايدة والمضيفة لزواجهما الميمون!
    لأول مرة يتواجهان، ولأول مرة يتناجيان في شأنٍ خاص، ولأول مرة يكون بينهما موضوع شخصي ولو على رؤوس أشهاد زوَّار صالات المطار، ومع ذلك فهما متفاهمان، كأنَّهما كانا معًا منذ الولادة!! ومن تفاهمهما ينبعث التناغُم، ومن التناغم تنشأ السعادة..

    لقد كانت ذات العذوبة قوية كفاية لتحتمل القطيعة العائلية الجماعية التي واجهتها بها أُمُّها وأشقاؤها وحتى الأقارب من الدرجة التالية.. إبنتها اليافعة حاولت أن تبقى على الحياد.. الفتاة في قرارة نفسها تريد لمغامرة والدتها أن تنجح، وتنتظر للحُب الحالم غير المعقول أن ينتصر، وتأمل لقصص الروايات الرومانسية الصغيرة التي تقرأها بعناية أن تتحقَّق على أرض الواقع، حتى ولو كانت البطلة هي أُمُّها.. لكنها لن تقوى على مواجهة الجَدَّة والخالات والأخوال.. فلتلتزم الحياد إذن..

    والد ذات العذوبة كان نسيجًا وحده، أو هو كان من نفس نسيج إبنته صابرة، فبارَك الزواج، وبارَك سفر إبنته إلى من سيصبح زوجها، لكنه اشترط بحكمته عليهما شرطًا سيكون له أثر فيما بعد!

    هل أثَّر بُعدهما عن أبنائهما على شعورهما بالامتنان والسعادة؟!

    في المجمل قضيا أسبوعًا من السعادة الرائقة.. لم يكتشف عابد خلاله شيئًا جديدًا أو مختلفًا في صابرة.. ظلَّت بالنسبة له ذات العذوبة التي يعرفها حق المعرفة، ويحفظ أفعالها وردود أفعالها عن ظهر قلب، من زمن فائت لا يُدرك كُنهه، ولا يعرف كيف كان اللقاء وقتئذ.. لكنَّها كانت هي ذات العذوبة نفسها التي عايشها فظلَّت حاضرة في ذاكرته قبل أن يلتقي جسداهما! لم يفاجئه سخاء نفسها.. إنَّها سخيَّة كمن يعطي من ماله ومشاعره وعاطفته وذهنه وفكره عطاءً بلا حدود وبلا انقطاع!! كانت بالنسبة إليه دائمًا هي ذات العذوبة وصاحبة السخاء.. استقر هذا في وعيه كذلك قبل خريف باريس وقبل دراسة ورقات العمل البحثية المقدَّمة إلى المؤتمر، فلم يعد يفاجئه من جمال روحها شيء!!

    صابرة كانت تتحسَّس على مهل وبدقَّة، المعالم الخفية لشخصيته.. هل هو فعلا هذا الكتاب المفتوح الذي يدَّعيه. أمْ أنَّه يتظاهر بالصراحة المطلَقة ليخفي بين سطوره ما كان أعظم؟

    بدأ عابد يبدو لها بشريًا أكثر مما ينبغي، وأكثر مما أمِلَته فيه!! لم تُنْكر رقَّته ولا دفئه ولا تدفُّق مشاعره، ولا صدق نظرة عينيه التي تخترق كيانها كله، ولا عذب حديثه الذي يجعل له سلطانًا عجيبًا على مستمعيه.. ومع ذلك عاينت عن قرب ذلك العيب الخطير الذي سجَّله في صفحات كتابه.. فلم تُدرك خطورة أثره حتى عاينته بنفسها.. إنَّه يمتلك وجهًا فتَّانًا فاضحًا لا يخفي ولو أي قدرٍ من انفعالاته اللحظية الداخلية.. كما يتمتَّع بانفعالات طفولية أكثر بكثير مما ينبغي لرجلٍ في سنه وموضعه.. كُل دبلوماسيته ولباقة حديثه تَكشف زيفها ملامح وجهه ولُغة جسده!! امتعاضه سريع الظهور، وإنْ كان لا يلبث طويلا..
    بعض عيوب عابد بدت أزلية، وبعضها يمكن تداركه بالتدريب الشاق.. وهي تملك الصبر والإرادة لتدريبه طويلا، حتى يقترب من عابد الحقيقي الذي أحبَّته!
    مع الوقت ستكتشف أنَّ عابد لا يمكن أنْ يحقِّق النموذج المطلق!!

    عابد كامتداد لمشروع رومانسي يدمج بين الأصالة والمعاصرة.. وعبر كتاباته المتتالية، الاستشرافية، والمشرقة، والتي تُبشِّر في أوقات كثيرة بالسعادة الغائبة.. أصبح له قُرَّاء وقارئات، ومن بينهن بدأت ظاهرة المعجبات.. كان أغلبهن فتيات صغيرات في السن، حالمات، وبعضهن مخطوبات، تؤسسن لمرحلة جديدة تبحثن فيها عن الرومانسية الخلابة.. كان يمكن لعابد كأديب رومانسي أن يُلقَّب بعرَّاب المرحلة!! كانت الفتيات وقتها صغيرات، لكنه أيضًا لم يكن مُسنًا، لقد كنَّ في عمر شقيقاته الصغيرات -لو كان له أبدًا شقيقات- لكنه لم يكن يرتقي في السن إلى مرحلة أُبوَّة هاتيك الزهراوات.. كان يتعامل مع رسائلِهن المتعدِّدة بأَبوية شديدة، فيها حُنو، وفيها طيبة، يدعو الواحدة منهن بابنتي، لكنَّه كان صريحًا معهن أكثر ممَّا تتيحه عادةً علاقة كاتب بقارئة، يحكمه في ذلك اعتبارات شديدة الخصوصية بتكوينه النفسي، فما كان لمثله أنْ يتورَّط بعلاقة من أي نوع مع فتاة تصغره كثيرًا في العُمر، ومع ذلك ظلَّت إجاباته على الرسائل رخوة.. من وجهة نظر صابرة كامرأة -أعرَف ببنات جنسها-وموحية بالأمل مع مرور الوقت!!

    صارحته بدهشتها.. وواجهته -ربما لأول مرة-بغضبها الشديد.. احترم هذا الغضب ووضعه في خانةِ غيرةِ عاشقة، فسِعَد به في قرارة نفسه!! وتعلَّم منذ تلك الليلة تجاهُل رسائل المعجبات!! ستعرف إحداهن بعد بضع سنين كيف تستفزَّه وتُخرجه من عُزلته، بعدما تعمَّد تجاهُل رسائلها المتعدِّدة كالأخريات.. فترسل له تصفه بالنرجسية والتعالي على القُرَّاء، وهذا الكِبْر الذي أفقده جمهوره تدريجيًا.. وقتها فقط سيجيبها معتذرًا بأنَّه ممنوع من إجابة الرسائل بفرمان من ذات العذوبة!!

    مع هذا الاستسلام المطلق لفرماناتها، فقد كانت له أخطاءه، يصفها بالهفوات البشرية التي لا ينفك بشر من الإتيان بمثلها أو بعضها، أو ما شابهها من جنسها.. وهي تراها خطايا لا يمكن التسامح معها ولا احترام مقترفِها!!
    هل يبرد الحُب مع البُعد؟!
    العجيب أنَّ هذا الحُب ما نشأ إلا على ذاك البُعد!!
    هل تكفيني كلمة أحبك وأنا أقتات على حبك!روحي تحيا بحبك،قلبي يدق به، حياتي لحبك

  3. #13
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    لا أعرف لما أشعر بأن هذه القصة هى سيرة ذاتية
    ذكريات أحداث رسمت خطوطها في كتاب حياتك ، أو لشخص قريب منك جدا
    فما نقرأه هنا ليس مجرد نسج قصي بسرد سلس وأسلوب مشوق
    بقدر ما هو ذكريات حياتية مكتوبة بتلقائية في بناء يثير الدهشة والمتعة
    وتتطور فيه الأحداث بما يمنح النص عفوية وحلاوة ومصداقية.
    متابعة معك...
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #14
    الصورة الرمزية علاء سعد حسن أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 468
    المواضيع : 50
    الردود : 468
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناديه محمد الجابي مشاهدة المشاركة
    لا أعرف لما أشعر بأن هذه القصة هى سيرة ذاتية
    ذكريات أحداث رسمت خطوطها في كتاب حياتك ، أو لشخص قريب منك جدا
    فما نقرأه هنا ليس مجرد نسج قصي بسرد سلس وأسلوب مشوق
    بقدر ما هو ذكريات حياتية مكتوبة بتلقائية في بناء يثير الدهشة والمتعة
    وتتطور فيه الأحداث بما يمنح النص عفوية وحلاوة ومصداقية.
    متابعة معك...
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    أولا أشكر حضرتك كثيرا سيدتي على دوام متابعتك وجميل تشجيعك.. فلك كل الشكر والتقدير

    ثانيا: أعتذر عن عدم الرد عن كل اطراء لحضرتك فتقديرا لمتابعتك افضل المشاركة بالحلقة التالية

    ثالثا: لا شك أن كل كاتب ينقل جزء من معايشاته في قصصه ورواياته سيما إن كان من مدرسة الواقعية -مثلي- دون أن تكون بالضرورة مذكرات شخصية بحتة.. وكلما صدَّق القارئ الأريب القصة بتفاصيلها الدقيقة.. كلما صب ذلك في خانة نجاح ما للكاتب

  5. #15
    الصورة الرمزية علاء سعد حسن أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 468
    المواضيع : 50
    الردود : 468
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    ( 7 )

    هل يبرد الحُب مع البُعد؟!

    العجيب أنَّ هذا الحُب ما نشأ إلا على ذاك البُعد!!


    الزيارات الدولية عابرة الحدود – وأحيانا عابرة القارات- على تباعُدها، تؤجِّج الحُب الملتهب، وتؤجج معه الأشواق، فما كانت تلك الزيارات القصيرة تُطفئ ظمأ العاشقيْن، بقدر ما كانت تشعرهما بفداحة الحرمان عبر فترات الفِراق الطويلة!!

    تتعرَّض ذات العذوبة لحادثةِ سير وهي تقود سيارتها الصغيرة في وسط مدينتها الصاخبة.. المطلوب منها الكثير من الإجراءات مع عديد الجهات النظامية المختلفة كإدارة المرور، ومخفر الشرطة، والتأمينات، فضلا عن ورشة لصيانة السيارة المصدومة.. تتساءل صابرة في حِنق:

    - أين رجُلها ليقف معها في مثل هذا الموقف المعقَّد؟
    إنَّه يقيم بعيدًا عنها في قارة أخرى!!

    وها هي تضطر للاستعانة بشقيقها الذي قاطعها بسبب ارتباطها بذاك الرجل على وجه الخصوص.. الرجل الذي يحجز في حياتها مكانًا، ويظل المكان شاغرًا، فلا هو موجود في حياتها، ولا هو ترك لها فرصة مغايرة للاختيار.. حتى ودون أية بادرة للتوبيخ أو التأنيب يبديها شقيقها.. يكفي للدلالة على رجاحة رأيه وموقفه منذ البداية، مكالمتها الهاتفية المستنجِدة به دون سواه!!
    أي تقريع ذلك الذي تتلقَّاه عبر ظروف الحياة المختلفة، متضافرًا مع تقريع مجتمع يحارب المختلِف؟!..

    عابد يدرك خطورة الموقف مما سيضطره إلى خوض مغامرتين في مرتين متباعدتين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في قلب ذات العذوبة وفي موقفها العام أمام المجتمع!!

    أيْسَرْهما كانت الأولى إذ اضطر إلى ترك أبنائه في غربتهم، ودون الاستعانة بأي أحد لرعايتهم، وغادر إليها في رحلة مكوكية تستغرق أربعة أيام.. كانت الأيام والليالي الأربعة لا تُسمن ولا تُغني من جوع القلب، ولا عطش الروح.. كانت مُجرَّد محاولة للظهور في حياتها عبر المجتمع الذي تعيش فيه.. صابرة تدرك فروغ الزيارة المكوكية القصيرة من مضمون اجتماعي حقيقي، لكنها إلى أقصى حدٍ ممكن تُقدِّر التضحية، وجوهر المغامرة.. زيارة كهذه تحتاج إلى إجراءات معقَّدة طويلة وكثيرة، فضلا عن تكلفة مادية مُعتبرة، لا يُقدم عليها إلا مُحب يقدِّم قرابين العِشق إلى محبوبته!!

    مِن العُشَّاق من يُقدِّم وردة بلدية حمراء كهدية رمزية إلى محبوبته، ومنهم من يقدِّم خاتم زُمرد، أو معطف من فرو المنك.. امتنَّت ذات العذوبة لزيارة عابد الخاطفة، امتنان مُحبَّة تتقبَّل وردة بلدية تمثِّل عندها قيمة أعلى من الزُمرد والمنك.. لكنَّ المحيطين لا يقنعون، والضغوط لا تلين!!

    والفراغ الناشيء بمجرد انتهاء الزيارة لا يمتلئ.. تأتي مثل هذه الزيارات والمقابلات كاستثناء يؤكِّد القاعدة ويضغط عليها ويبرزها بشكلٍ ثقيل وصارم.. يمكنك أنْ تعتاد على الفِراق، أو البرودة.. لكنَّك عندما تجرِّب غمسة في النعيم، تتمرَّد على ما كنت اعتدت عليه قبلا.. وهذه اللقاءات العابرة كانت غمسة النعيم التي تُجرِّد ما قبلها من معناه، وتجعل ما يأتي بعدها عذابًا مُقيم..
    مُحقَّة صابرة إذ تطرح في النِقاشات عبر الشاشة الوامضة الأمر على هذا النحو.. فهل يحق لعابد أنْ يعتبر تلك اللقاءات بمثابة الصدمة الكهربائية التي يجريها إخصائيّو غُرف الإنعاش، لمساعدة قلب كاد أنْ يتوقَّف على العمل من جديد؟..

    - صقيعٌ متقطِّع ولو على فترات، خيرٌ من صقيعٍ دائم.

    يقول عابد.. تُجيبه صابرة:

    - الصقيعُ يظلَّ صقيعًا.. وأنا لا أُحبُّ البرد!

    هكذا عادةً.. وجهتي نظر لا تتطابقان، لكن يمكن التقائهما عند نقطةٍ ما.. هل تظل تلك النقطة تبعُد وتصغر مع مرور الوقت؟
    هل سيستحيل التماس بعد فترة من الزمن؟
    هل ستتحول وجهتا النظر إلى قضيبين متوازيين، لا يلتقيان حتى في محطة ما؟!

    هذه المرة ستُعلن ذات العذوبة وصولها لذلك الاقتناع.. لم تعد هناك فرصة للتقاطع، لا أمل في إدراك محطة للوصول، أو حتى للاستراحة.. الصقيع استزف كل طاقتها على التحدي.. إذ ذاك تُقرِّر غلق النوافذ.. صد كل تيارات الحياة الآتية خلال وسائل باردة وصمَّاء للتواصل عبر عدة آلاف من الأميال، تُرعش القلب وتُنعش الأمل، وتُضاف إلى رصيد وعود حالمة لا تتحقَّق أبدًا..

    إذ ذاك يلجأ عابد إلى مغامرته الثانية.. الظروف عندها في غاية القسوة.. سيغامر بالسفر الدولي ليواجه مجتمعًا بكامله رافضًا لوجوده.. ذات العذوبة التي كانت الملاذ والملجأ.. والتي كانت حصن دفاعه الأخير.. أعلنت تخليها عن النضال لصالح قضيته الحالمة التي تتكسَّر كل يوم، على صخور واقعٍ لا حُنو فيه على الحالمين.. ومع ذلك سيقبل المغامرة.. كان يدرك ما يمكن أن تؤول إليه النتائج.. لكنَّه ظلَّ مؤمنًا أكثر بها.. مراهنًا بكل شيء على حبٍ أقوى من الموجودات!!

    لم يكن شيء في شروط منحه تأشيرة دخول لدولتها ينطبق عليه.. بحيث يغدو الحصول على التأشيرة مستحيلا.. يستخدم الحيلة -لا أقول – التزوير.. إنْ كان استخدام خطاب تعريف قديم مرَّ عليه أكثر من عامين وصادرًا بصفة غير الصفة التي أصبح عليها عابد الآن، لا يُعدّ تزويرًا في أوراق رسمية، وعلى نطاق دولي!! كيف لن يفطن موظفي السفارة إلى تلك المقامرة؟ هل كان يراهن من جديد على شق قلب الليل؟!

    عندما يأتيها صوته على الهاتف من أسفل منزلها في قلب مدينتها الصاخبة، ليقول لها:

    - أنتظرك أسفل المنزل.. أنا موجود هنا من أجلك.. وأي قرار ستنتهين إليه.. أنا معك فيه..

    لن يخامرها شك أنَّه مجنون.. تدرك بكل خلية في كيانها أنَّه عاشق حقيقي.. سيفاجئها عندما تمر بجواره بسيارتها لتقلَّه إلى الفندق الذي حجز للإقامة فيه بقوله:

    - أنت تؤذين نفسك.. وأنا لن أسمح لك أن تكرري إيذاء نفسك مرة أخرى.. سأحميك حتى من نفسك!!

    ربما تكون هذه الجملة المفتاحية التي تمتلك قلبها وروحها.. يقولون، أو تقلن:

    - سَحَرك والله عابد!!

    يظل رغم كل شيء هو السحر الحلال.. سحر يتم بإرادة المسحور، وليس رغم أنفه!!
    ستتساءل صابرة طويلا فيما بعد، وفي حيرة:

    - هل كان صادقًا حين نطق بها.. هل كان يعي معناها الحقيقي؟

    لقد استقرَّت في وجدانها، وهي توقن أنَّه لا يخاطبها بلسانه، وإنما كيان العاشق هو الذي ينطق.. لم تسمح لنفسها من قبل أن تكون بلهاء.. ولا سِحر الدنيا كله كان قادرًا على إحالتها إلى امرأةٍ بلهاء.. لكنَّ الوعود لا تتحقَّق أبدًا..

    - أين هو عابد الآن ليحميها من ثورات نفسها المتمرِّدة؟!

    عابد كان صادقًا.. وهو قصد كل حرف نطق به.. لكنَّه فقط غير مستطيع.. لم يكن بقوة عنترة بن شداد إذ ينجو من الرمال المتحرِّكة في الرُبع الخالي، ولا وهو ينازل ملوك مملكة الحيرة ليسوق النوق الحُمر كمهرٍ لعبلة.. العالم الآن لا يُدار على طريقة عنترة بن شداد.. نواميس الكون غلابة.. الحدود المرسومة والأسلاك الشائكة وجوازات السفر، وتأشيرات العبور.. معوِّقات حديثة أقوى مائة مرة من الرمال المتحرِّكة ومن الرُبع الخالي كله.. السُلطة الفاتكة المسيطرة على كل شبر في كل مكان على الأرض.. لن تسمح لعنترة أن يصل إلى عبلة، ولا إلى مهر عبلة!!

    ناديني أشق قلب الليل وأكون فارس لأحلامك
    وإن تاهت في ليلي الخيل حجيلك حتى في منامك

    أين أنت يا فارس الأحلام؟ أي قلب معتم ومصمت لليل لم تستطع شقَّه؟ ولماذا تخلو منك أحلامي؟!



    - جَدُّك كان درويشًا الى حدٍ ما..
    تقول أُمُّه.. وتُصدِّقها عمته في بعض ما تقول.. الرجل كان صاحب تجارة وكانت له أملاك، لكنَّه ما كان يمسك من المال كثيرًا ولا قليل!
    يترك تجارته وحانوته من أجل أن يمضي في خدمة شخص استعان به في مسألة لا تخصه ولا يقدر على حلها.. فقط يدور معه من باب المؤانسة! هل ستكتشف ذات العذوبة أنَّ عابد ورث شيئًا من خبل؟ -أو سمها إن شئت- دروشة عن جده؟!

    لماذا يخاصم عابد مقوِّمات الحياة، وهو القادر على حيازة الكثير منها؟! يتمتع بموهبة فطرية، إضافة إلى جلد في العمل ومثابرة يشهد بها كل من تعامل معه.. أين مكمن الخلل في شخصيته؟ أهي دروَشة ورثها عن جده؟ أم لوثة مسَّته كما مسَّت شمس التبريزي من قبل؟!

    هل لعبتْ لُعبة السُلم والثعبان التي كنا نلعبها ونحن أطفال؟.. هل جرَّبت أن ترمي الزهر فتربح النقاط تلو الأخرى، حتى تصعد إلى المربع رقم ثمانية وتسعين، ويتبقى لك نقطتين لتصل إلى نهاية الدور وتصبح فائزًا، بينما منافسك يقبع في منتصف الرُقعة؟ هل جرَّبت أن يُخرج لك النرد (الزهر) نقطة واحدة ليهوي بك رأس ثُعبانٌ بشع وطويل عند المربع رقم تسعة وتسعون إلى المربع رقم واحد لتخسر اللُعبة بجدارة؟!

    لا بد أنَّك ضربت الطاولة بقبضة يدك.. وأرجعت الهزيمة الساحقة الى حظِك العاثر ليس إلا..

    الثعابين التي تُطل برؤوسها قبل أن يصل عابد الى القمة بخطوة واحدة في كل مرة، لا يمكن عزوها الى سوء الحظ.. عابد نفسه لا يعزوها الى ذلك..
    ذات مرة نصحه عمُّه الحكيم قائلا:

    - لا تتفوَّق أكثر من اللازم في عملك فتضع نفسك تحت الأضواء الكاشفة.. كُن جيدًا.. هذا يكفي..

    بعد عدَّة سنوات سيقول له صديق قديم:

    لا تُشرق أكثر من اللازم.. لا تُشعِر صاحب العمل أنَّك عقلٌ ممتاز، يمكنك أنْ تُدير أفضل منه، رغم أنَّ ذلك يصب لصالح رصيده المصرفي، لكنَّه عندما يلاحظ تفوقك سيحذر منك.. ثم.. يحظرك!!


    لا عابد ولا صابرة سيقتنعان بشيءٍ من هاتيك المبررات.. لا الحظ، ولا سرعة الوصول إلى أعتاب الأبواب المغلقة.. ولا خوف المنافسين من سطوة صدارته.. هذه تظل أسباب خارجية، يمكن تدوينها في خانة المبررات -حقًا كانت أو خداعًا- لكنَّ الأسباب الجوهرية الأهم، تظل هي الأسباب الداخلية.. لا هزيمة تصيب النفس من الخارج.. كل الهزائم لا تصيب إلا نفوسًا مهزومة، أو على استعداد لتلقي هزيمة.. الأقوياء من الداخل لا ينهزمون، كالأشجار تموت واقفة!


    لن تؤمن ذات العذوبة بمسألة الوراثة عن الجَد.. إنَّ مسألة الوراثة تبرِّئ عابد من المسؤولية عن السقوط المتكرِّر قبل خُطوة من القمة.. لا بد أنَّ عابد يعاني من خللٍ ما.. لا بد أنَّ في تركيبته ناحية ضعف ما هي التي جعلت استمرار الرهان عليه نوعًا من إدمان الوهم.. عابد كان مشروع عاشق من طراز فريد، غير أنَّ فيه شيء غير حقيقي..

    كتبت ذات العذوبة في صفحتها الأخيرة من كتاب "عابد"

    كنتُ أتمايل على نغمك.... تهدهدني كلماتك......
    فجعلت من حدود ذراعيك... دفئي.
    كانت كل دروب الحُزن تختفي وأنا أتدحرج في طياتها، أصبحتْ قناديلها الحزينة شموع دافئة.... جعلت ظلي عملاقًا يتوارى بين أجنحة الليل....
    كان حصار الغسق آسرًا بحُمرَته الهَفهافة وهو يصبغ حدود ذراعيك، لتستحيل لكل مدافئ الوجود، لتجعلني أُمسك بنَجمة بطرف سَبابتي وأضعها بين حاجبي، فيسري نورها ليملأ جوانح العقل والنفس.....
    كنتُ......
    أغمضتُ عيني .... ورسمتُ حدودَ ذراعيك، وجعلتها عالمي المضيء بكل نجوم الكون، واكتفيت بأن أكون امرأة بين ذراعيك.....
    أغمضتُ عيني.... وصدري يمتلأ بنسائم أنفاسك، وابتسامتي لا تفارقني ومسامعي لا تلتقط إلا حفيف أوراقك..
    أغمضتُ عيني.... وارتميتُ في أحضانك.. لكني اصطدمتُ بأرضٍ صخرية.. لأنَّكَ أنتَ كنتَ غير حقيقي!!

  6. #16
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,131
    المواضيع : 318
    الردود : 21131
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    لأنَّكَ أنتَ كنتَ غير حقيقي!!
    فهل عابد فعلا غير حقيقي أو إن صابرة هى التي كانت تنظر إليه بمرآة
    تقلب الصورة لترسم له صورة غير حقيقية تنفي عنه هفوات الإنسان وبشريته
    عابد أحبها بصدق ، يرحل إليها عابرا للقارات في رحلة ماكوكية فقط ليكون إلى جوارها
    يقدم قرابين العشق إلى محبوبته.
    هو كان معها صادقا لكنه للأسف لم يستطع أن يحارب الإختلاف ـ فهل نلقي اللوم على
    الظروف التي جعلتهما من عالمين مختلفين لا يلتقيان.
    تألقت حروفك فكرة وسردا وتعبيرا فاستهوتني
    وبين قطوفها نلت قراءة ماتعة
    تحياتي وتقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


  7. #17
    الصورة الرمزية علاء سعد حسن أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 468
    المواضيع : 50
    الردود : 468
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    [QUOTE=ناديه محمد الجابي;1125033]
    لأنَّكَ أنتَ كنتَ غير حقيقي!!
    فهل عابد فعلا غير حقيقي أو إن صابرة هى التي كانت تنظر إليه بمرآة
    تقلب الصورة لترسم له صورة غير حقيقية تنفي عنه هفوات الإنسان وبشريته
    عابد أحبها بصدق ، يرحل إليها عابرا للقارات في رحلة ماكوكية فقط ليكون إلى جوارها
    يقدم قرابين العشق إلى محبوبته.
    هو كان معها صادقا لكنه للأسف لم يستطع أن يحارب الإختلاف ـ فهل نلقي اللوم على
    الظروف التي جعلتهما من عالمين مختلفين لا يلتقيان.
    تألقت حروفك فكرة وسردا وتعبيرا فاستهوتني
    وبين قطوفها نلت قراءة ماتعة
    تحياتي وتقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    [/QUOT

    أكرر شكري وامتناني الجزيلين لمتابعة حضرتك إلى نهاية الاقصوصة أو الرواية القصيرة
    وعلى محاولة تذوق ما فيها من عمل أسأل الله تعالى أن يكون مقبولا

    والحقيقة لا أدري هل وفق الكاتب في النهاية في توصيل نبض عمله ذاك.. الغريب أن الكاتب أراد أن ينحاز شيئا ما إلى ذات العذوبة ، ففي تقديره أنها كانت محقة بينما كان عابد أقل من الطموحات المعقودة عليه ولو كان صادقا في حبه وقرابينه..
    فهمت أن الرسالة وصلت حضرتك معكوسة وكأن العمل دافع أكثر عن عابد أو برر سلوكه بشكل أبرع مما برر به به حكم صابرة عليه!!
    دامت متابعتك وقراءاتك القيمة
    مع التقدير والاحترام

  8. #18
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Sep 2015
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 249
    المواضيع : 13
    الردود : 249
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    أستاذ علاء، جميل جدا ما كتبت.. صور شاعرية متواصلة من الأبداع الصادق...
    دمت والأبداع

  9. #19
    الصورة الرمزية علاء سعد حسن أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 468
    المواضيع : 50
    الردود : 468
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد العكيدي مشاهدة المشاركة
    أستاذ علاء، جميل جدا ما كتبت.. صور شاعرية متواصلة من الأبداع الصادق...
    دمت والأبداع
    شكرا سيدي أحمد .. قراءتك الزوينة هي ما تضيف للنص

    دام ودك

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12