يقول العلامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي:
إن الحق سبحانه وتعالى تكلم في سورة البقرة عن ثلاثة أصناف: صنف آمن، وقد عالجه في ثلاث آيات، وصنف كفر، وعالج أمره في آيتين، وبقي صنف ثالث هو تكملة التقسيم الطبيعي لمواجهة أية دعوة حق، فدعوة الحق دائمًا لا تنزل من السماء إلا عند شراسة الباطل.
وجاء الإسلام والباطل في منتهى الشراسة، لأن الباطل حين يشدو في الشراسة قد يُعتمد على بعض البيئة، ليعدل ميزان هذه الشراسة، بمعنى أن يوجد قوم مبطلون، ويوجد في نفس الوقت قوم يعدلون هؤلاء المبطلين إلى منهج الحق، وتلك مرتبة ثانية في علاج آفات المجتمعات.
والمجتمعات تنقسم إلى ثلاث أقسام: مجتمع يعصى فيه الفرد بنفسه الإمارة بالسوء، ثم تستيقظ نفسه المطمئنة لتلوم عليه تصرفه مع نفسه الإمارة بالسوء، وحينئذ يوجد في الإنسان لونان، لون أمار، ولون لوام.
وهذا المجتمع فيه خميرة الاطمئنان إلى استبقاء الخير في ذات الناس، ولكن قد يوجد نفوس غير لوامة، فيأتي القوم الآخرون من أصحاب النفوس اللوامة ليلوموا غيرهم على تصرفهم.
إذن فالقسم الأول: اللوم من النفس إلى النفس، تستيقظ النفس اللوامة على النفس الأمارة فتعدل مزاجها بدون تدخل من المجتمع الخارجي، لكن المجتمع الثاني تأتي فيه نفوس أمارة بالسوء دائمًا، فيأتي قوم يستبقيهم الله لاستبقاء عنصر الخير ليوجهوا الناس إلى الخير.
والقسم الثالث هو الطامة الكبرى في المجتمعات أن يعم الباطل كل الناس فلا تجد نفس لوامة ولا تجد إلا نفوسًا أمارة، حينئذ يتدخل منهج السماء، لأن البشر لم يستطيعوا أن يقيموا اعوجاج البشر.