السجائر
دخلت البوتيك الصغير ذي الواجهة الجذابة الذي تعودت اقتناء سجائري منه يوميا منذ أعوام من عند صاحبه الذي فاجأني هذه الصبيحة بمظهره الجديد...أطلق لحيته ؛قص شاربه و لبس قبعة بيضاء كتلك التي يتعممها المعتمرون عند عودتهم الى ديارهم.
في البداية كنت أشعر بالحرج الشديد و انا اشتري السجائر مِن مّن كان تلميذي...ورغم مرور الايام و الشهور بقي ذلك الحرج يرافقني كلما ناولني علبة السجائر...سلعته كانت جيدة و اسعارها مقبولة.
ما إن رآني على عتبة محله حتى بادرني يقول بحزم يُنِمُّ عن ثقته الشديدة بالقرار الذي اتخذه حديثا و هو يلوح بذراعه :" لقد توقفت عن بيع السجائر نهائيا و الى الأبد !." كان كلامه صادما وقع علي كالصاعقة..كان محرجا و حتى مخزيا.
تذكرته أيام كان طالبا أدرسه التاريخ،أيامها كنت احدثهم عن بطولات الامير عبد القادر ...ديدوش مراد ...عمر المختار و عن علمائنا :بن باديس...الشيخ العربي التبسي...مستعرضا سيرهم الذاتية لنستخلص ارادتهم و عزيمتهم الحديدية التي لم يقهرها العدو بكل ما جنده لها...و كنت اقول لهم هؤلاء ان قرروا شيئا فعلوه بدون تسويف ...ان قرروا استطاعوا ..اخلصوا العمل و العبادة فكان الله معهم...نعم اذكر كيف كنت اُلهِب مشاعرهم و اثير حماسهم...لدرجة ضلو يتمنون لو أن عمر الحصة يطول.
هذا الفتى قرر التخلي عن بيع التبغ بكل انواعه رغم ما يذره عليه من ارباح...و انا معلمه ما زلت أدخن رغم ما يجلبه لي من خسائر صحية و مادية....رغم كل هذا ذهبت الى متجر آخر مصرا على اقتناء علبة و الحرج و الاحباط قد أحنيا ظهري و اثقلا ركبتاي...
عند مدخل بوتيك تتلألأ أضواؤه المختلفة الألوان بجاذبية لا تقاوم مر من هناك ( البراح ) بصوته الجهوري يُعْلِم مرتادي الشوارع عن وفاة رجل و ان صلاة الجنازة بعد الظهر...قلت بيني بين نفسي "رحمة الله عليه" ثم استدركت بكل حزن "بل رحمة ربي علي و على أمثالي الكثر".....