بسم الله الرحمن الرحيم
قرآن جديد من نظْم عقْلٍ مُتَوَرِّم

في فيديو منشور على اليوتوب للمدعو محمد الحمامي ظهر فيه تجويد لما زُعم أنه مثل القرآن الكريم، فلقد ساق سورة سماها سورة الخلق يقرأها أحد القارئين وهي: ((وإذْ قرأتم في الكتاب أن الشمس تغرب في عين حمئة وكنتم تجهلون* ما لكم به من علم إن تتبعون إلا الظن ولكن لا تعلمون* إنما الأرض تجري حول شمسها ولكن لا تشعرون* ومنها نهاركم وليلكم وما تصبحون وما تمسون* ومن آياته خلق كونكم من انفجار عظيم*)).
لقد استمعت إلى ما زُعم أنه مثل القرآن، ولقد صدقوا لأن ما ذكر يأتي بنفس معاني القرآن مع بعض الإضافات، وهذا يعتبر شرحا لمعاني القرآن وإظهارا لها وهو شبيه بشرح القرآن بغير اللغة العربية، إذ يُظْهِر المعاني، ولكنه يظهر عدم التنسيق بين الجمل والفقرات، والإشكال الكبير أن القرآن الكريم حين تحدّى العالم والعالمين كان يقصد أن يأتي الإنسان باللفظ والمعنى مثل القرآن الكريم، ولكن الذي سيق في هذا الفيديو معاني للقرآن مع بعض الإضافات وهذا لا يدخل التحدي لأنه لا جديد فيه، أضف إلى ذلك عنصرا هاما جدا هو أن القرآن نظماً وتأليفاً لا يمتّ بصلة إلى ما ذُكر لأن أسلوب القرآن الكريم لا يقف في وجهه أحد ولن يأتي بمثله أحد وهذا يعرفه أهل البيان والفصاحة، فإذا نظمت كلاما تحاكي به القرآن لا يكون قد تحديت القرآن، بل تكون ببّغاء يردد ما يسمع.
اقرأ قوله: ((وإذْ قرأتم في الكتاب أن الشمس تغرب في عين حمئة وكنتم تجهلون* ما لكم به من علم إن تتبعون إلا الظن ولكن لا تعلمون* هذا الكلام يتحدث عن غروب الشمس في عين حمئة، وحُكْم غروب الشمس في العين الحمئة موجود في الكتاب، والكتاب ولو أن لفظه معرفا إلا أنه في السياق نكرة لأننا لا نعلم أيّ الكتاب قد بُثَّ فيه ذلك، أيّ الكتب قد ذُكر فيه غروب الشمس في عين حمئة، فلو قيل أن القرآن هو الذي ذكر ذلك نعترض على هذا القائل بأن ما سيق له سند يعتمد عليه والمفروض ألا يكون له سند حتى يستقل، والقرآن مسند إلى خالق الكون والإنسان والحياة، هذا أولا، ثانيا أن ما بعد هذا الكلام تشكيك في شيء لم يظهر أننا قد أنكرناه أو كنا نظنه واقعا وهو عدم غروب الشمس في عين حمئة حتى جاءنا العلم بأنها تغرب في عين حمئة فيكون اتباع الظن الذي جاء بهذه الجملة الأولى كلام ركيك لا معنى له لأنه يتحدث عن ماض، عن حكم سابق غير موجود وهو ظننا أنها تغرب في غير العين الحمئة، في البحر مثلا، غير أن غياب الشمس في البحر يظهر العين الحمئة، صحيح أن إظهار العين الحمئة يكون أكثر وضوحا حين الذهاب إلى القارة الأمريكية وملاحظة غروب الشمس في أمكنة مليئة بالحمم البركانية، هذا صحيح ولكننا من خلال محاولتنا فهم الكلام الوارد نجد انقطاعا بين الجمل الشيء الذي يسمح لنا بالقول أنه كلام سطحي غير مبني على علم، وغير مبني على فهم للغة العربية.
ثالثا قوله هذا: ((إنما الأرض تجري حول شمسها ولكن لا تشعرون* ومنها نهاركم وليلكم وما تصبحون وما تمسون* ومن آياته خلق كونكم من انفجار عظيم*)) يدل على جهل، ذلك أن الأرض لا تجري حول الشمس بل تدور وتسبح والدوران والسباحة غير الجريان، انظر إلى الشمس فهي تجري، انظر إلى الحصان فهو يجري، انظر إلى ذوات الأربع فهي تجري والجريان لا يكون إلا إذا كان هناك ارتفاع وانخفاض في الأرجل التي تجري ويمكنني تشبهه بجريان التيار المتردد في موصل كهربائي في علم الكهرباء، فالتيار المتردد يُحدث عند تدفقه موجات، وهذه الموجات هي عينها الجريان إذ تكون في الموجب وفي السالب لأن موجة الضوء كذلك خلاف التيار المستمر الذي يأخذ لنفسه تدفقا في اتجاه واحد فقط، هذا من حيث الدقة الشيء الذي يظهر فساد نظم القائل وعيب تأليفه، وقوله من الشمس نهاركم وليلكم يدل على جهل أيضا، فالنهار من الشمس، بينما اليل من غير الشمس، من غياب الشمس مثلا، فالشمس كوكب ملتهب جميع أقطاره ليس فيها ليل؛ إذ كلها نهار، أي كلها ضوء وضياء وهذا أيضا يدل علي جهل مع خفة، أما كون منها ما نصبح وما نمسي فهذا كلام أقل ما يقال فيه أنه جهل مركب، وهو شبيه ببعض الخزعبلات الواردة على لسان الشيعة الاثني عشرية حول الزيادة في القرآن والإنقاص منه، أضافوا إليه وحذفوا منه فكانت الإضافة والحذق سخرية وفضح كبير لهم خصوصا في باب إتقان اللغة العربية، فقد وضعوا كلمات لتأييد مذهبهم ولكنهم لم يدركوا الخراب الذي أحدثوه في نظم القرآن وتأليفه وأنّى لهم إدراك ذلك وهم ليسوا أهل لغة.
القرآن الكريم نَظْمٌ وتَأْليفٌ تفرَّد بأسلوب يستحيل على الناس أن يأتوا بمثله، وفي اللغة العربية أن الأسلوب هو الشخصية، هو الإنسان، فإذا أراد أحد أن يقلد أسلوب أحد فله ذلك ولكنه لن يختفي في ذلك الأسلوب كلية إذ سينفضح أمره لمن يعرف اللغة العربية وطُرق نظمها وتأليفها للمعاني، وعليه فالإنسان يستحيل على الإنسان أن يقلده ويأتي بمثل أسلوبه لأن الأسلوب أسلوب يمثل البصمة الوراثية للنَّظْم والتَّأْليف، فإذا تطوّر الأسلوب بأن ارتقى لصاحبه فإن ما كان أوله لا بد أن يشبه آخره، فكيف بالقرآن الكريم الذي أتى بمعاني غير لغوية، أتى بمعاني إنسانية؟ كيف بمُتَحَدٍّ أن يتحدى أسلوب القرآن والقرآن الكريم نظْمٌ وتأْليفٌ انتهى إلى أسلوب قام كاشفا للكلام الذي صدر عن صاحبه وهو الله تعالى فاستقل بأسلوب متميز متفرد يتحدى به الإنس والجن، فهل يقوى الإنسان على الإتيان بمثل أسلوب غيره من البشر؟ اللهم لا، فكيف بكلام الله تعالى؟
كفى سطحية، وكفى محاولات مضحكة، فمن يعمد إلى ذلك يعرض نفسه للسخرية، وكيف لا واللبيب يدرك أن النظم والتأليف ينتهي إلى أسلوب يُقيم شخصية الإنسان فيجعلها تتميز بأسلوب لا يشاركه فيه أحد، أفلا يكون ذلك كافيا لإدراك فشل محاولة الإتيان بمثل ما أتى الإنسان الآخر في مجال النظم والتأليف؟ وإذا كان كذلك، فهل يعمد العاقل إلى الإتيان بما يُعَرِّضه للسخرية؟
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
محمد محمد البقاش

طنجة بتاريخ: 16 فبراير 2020م
mohammed.bakkach@gmail.com
GSM / 0671046100