ألفليلية كتاب: نهاية أسطورة البخاري

مؤلف كتاب: نهاية أسطورة البخاري يسلك مسلك الذين لا عقل لهم من المفترين الشيعة الاثني عشرية في افترائه وتدليسه، والشيعة ألفليليون (نسبة إلى كتاب ألف ليلة وليلة الذي لم يعرف له صاحب) مدلِّسون كذّابون كالكُليْني والقُمّي والطَّوسي..، ويسلك مسلك الباحث عن الشهرة مثل الحداثيين العرب الذين سبوا الله ورسوله والإسلام أمثال الماغوط وبوجدرة وأدونيس، والشهرة للمفكر والباحث الرصين تأتيه وهي صاغرة، أما إذا رامها وقصد التدثُّر بدِثارها والتجلُّل بجلالها أذلَّته وانتقمت منه، وأُشفق عليه لأنه قد كان من جماعة العدل والإحسان، وجماعة العدل والإحسان لم يسدّوا بعدُ باب الخرافة ولذلك نفّروه من دينه بسلوكهم غير الشرعي وغير العقلاني في كثير من المسائل، فالاعتماد على رؤيا من رأى شيئا في منامه خصوصا إذا كان مرشد الجماعة قد فتحت بابا واسعا للتخريف ومهدت للابتعاد عن الواقع والاستدلال عليه بالعقل والنقل.
أولا: إنك يا "رشيد أيلال" تخوض في علم الدراية ولا تخوض في علم الرواية، وكتابك يُفْترض فيك أن تتناول عند الحديث عن صحيح البخاري؛ يُفْترض فيك أن تتناول علم الرواية قبل علم الدراية، وهذا كاف لإدراك أنك جاهل، إذ كيف تصادر كتابا بمجرد أن خضت في علم الدراية فلم يعجبك شيئا منه فصادرته بالهوى والتشهّي، فهل هذا هو طريق البحّاثة الرصين؟ لم لم تتهم نفسك بالقصور في فهم مضمون الحديث ومعانيه؟ لم تتسرع لمجرد أن لم يوافق هواك شيء مما ورد في الحديث؟
ثانيا: إنك تتناول تاريخا مجيدا للمسلمين ولكنك لم تسلك الطريق الصحيح، فما هو الطريق الصحيح لإثبات أيّ شيء من التاريخ؟
الماضي والتاريخ لا يمكن أن يُعرف إلا بطرق ثلاث لا رابع لها وهي:
ــ 1 ــ طريق الآثار.
ــ 2 ــ طريق الكتاب.
ــ 3 ــ طريق الرواية.
هذه هي الطرق الوحيدة لمعرفة التاريخ أيَّ تاريخ ومن التاريخ التوراة والإنجيل والقرآن والسنة وواقع الماضي وحوادث الدهر.
فإذا تناولت الطريق الأول طريق الآثار ستجد أنك قد تناولت شيئا يؤدي بك إلى معرفة الحقيقة ولكنها لا تكشف لك كل الحقيقة لأنها ستدلك على بعض الحقائق وهي مهمة جدا، أي أنها تدلك على جزء من الحقيقة.
والطريق الثاني هو طريق الكتاب، فإن الكتاب قد سُطِّرت فيه وقائع وحوادث، ووُضِعت فيه أقوال وسُجِّلت فيه أفعال، والكتاب إما أن يكون قد كتب بطريق الرواية، وإما أن يكون قد كتب اعتمادا على كتاب آخر قبله، فإذا كان الكتاب قد كتب بطريق الرواية فالبحث يجب أن ينصب على الرواة، أي يجب أن يتم تناول علم الرواية، وإذا كان الكتاب قد كتب اعتمادا على كتاب قبله فالأوْلى أن يتم الذهاب إلى الكتاب القَبْلي.
والطريق الثالث هو الرواية، والرواية هي أصح الطرق لمعرفة التاريخ، هي أصح الطرق لمعرفة الحوادث والوقائع والأقوال والأفعال، ومن هنا وجب الذهاب إلى الرواية، وحين نذهب إلى الرواية يجب أن نكتفي بها حتى نكون موضوعيين، والموضوعية هي أن نخوض في موضوع واحد ولا نحيد عنه حتى نتمَّه، لا أن نبدأ في الخوض في علم الدراية، أي معرفة المضمون قبل علم الرواية، أي قبل معرفة المصداقية في الثبوت.
وحين التعمق في التاريخ بتناولنا التوراة والإنجيل مثلا نجد أنهما كتابان لم يكتبا بطريق الرواية، فلا سند لهما إلى نبي الله موسى ونبي الله عيسى على نبينا وعليهما الصلاة والسلام أضف إلى ذلك أنهما قد كتبا بعد قرون من وفاة من أوحي إليهما، وهذا كاف لإدراك عدم مصداقيتهما في الثبوت والنسبة إلى نَبِيَّيْ الله موسى وعيسى.
وحين الذهاب إلى صحيح البخاري نجد أنه كتاب قد وصلنا عن طريق أصح الطرق وهي طريق الرواية، والقرآن الكريم أيضا وصلنا عن طريق الرواية، وعلم الرواية يُقسّم إلى عدة أقسام منها رواية الآحاد للحديث النبوي الشريف كالحسن والقُدُسي والمرسل، والرواية المتواترة كالمتواتر اللفظي والمعنوي، وحين نأخذ صحيح البخاري نجد رواية الآحاد هي الغالبة عليه ولا نجد الغلبة للرواية المتواترة وكذلك الكتب الأخرى للحديث الشريف، والنتيجة أن الرواية المتواترة تنتهي بنا إلى الاعتقاد، بينما رواية الآحاد تنتهي بنا إلى الصحة وغلبة الظن، ولا تصل بنا إلى مستوى اليقين، هذا من حيث الثبوت، ومع ذلك لن تجد أصحّ منها، فهل نعتمد عليها في سلوكنا وتشريعنا أم نضربها عرض الحائط؟ العاقل من الناس ونحن منهم بإذن الله هو ذلك الذي يعتمد لمعرفة التاريخ؛ أصح الطريق وهي طريق الرواية سواء كانت متواترة أم رواية آحاد، وأروني أمة غير أمة الإسلام لها هذا العلم؟ لا وجود لها.
والنقطة الأخرى التي غفل عنها هذا المدلِّس الخفيف العقل هي الحفظ.
إن العرب قبل ظهور الإسلام بمائة وخمسين عاما أو يزيد قليلا كانوا أمة حفظ، كانت لهم ملكة لم يملكها غيرهم في التاريخ الإنساني، ولن يملكها غيرهم بعدهم، فحين كانوا مهتمين بالشعر وكان الشعر قمة القمم في النشاط الذهني للعرب كانوا يحفظونه بشكل عجيب، وكان شعرهم يحمل قيمهم ومثُلهم، يحمل حضارتهم، وحين بُعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعث في نفس العرب الذين امتازوا بملكة الحفظ، وحين جاء من بعدهم كانوا امتدادا لهم وظل الأمر كذلك، أجيال تخلف أجيالا وتحمل نفس ملكة الحفظ بشكل مثير جدا إلى أن بدأ الانحسار بتفرقهم في الأمصار واختلاطهم بالأمم الأخرى في الفتوحات.
حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم وجد العرب قد طوّروا لغتهم وأوصلوها إلى القمة فأوحى إليه الله تعالى بالقرآن وكان عربيا بلسان واضح فصيح فهموه واستعظموه، ومن تنكّر له تنكّر حتى لا تضيع مصالحه، ولكنهم جميعا انبهروا به، وحين حاولوا الإتيان بمثله عجزوا، وهذا القرآن قد تم حفظه من طرف النبي الذي أنزل عليه، ثم نقله إلى غيره من الصحابة تلقيناً بتلَقٍّ يحْفُر في القلوب لفظه وينقش في الأفئدة معناه فحفظوه وظل محفوظا في الصدور تتناقله الأجيال واستمر كذلك وطغى إلى درجة أن وجدنا الحفظ أوْلى من التدوين، وللإشارة فتلك الطريقة لا تزال موجودة إلى يومنا هذا في القرن الحادي والعشرين ولو أنها قد انحسرت كثيرا عما كانت عليه في الماضي، فلا يزال القرآن يُتلقّى تلقِّيا من أفواه الفقهاء في الكتاتيب ومدارس تعليم التجويد، والتدوين كان موجودا منذ بداية التنزيل إلا أنه كان قليلا، فبعض من المسلمين، من الصحابة أولا كانوا يكتبون القرآن الكريم، وكانوا يكتبون الحديث أيضا وهذا ثابت في التاريخ ويذكره نفس صحيح البخاري، ويعترض عليه هذا المدلِّس حين رأى بادي الرأي أنها متناقضة بسبب جهله بأصول الفقه، فقول النبي ((لا تكتبوا عني غير القرآن)) يتضمن إباحة كتابة القرآن وقد كُتب كمصحف علي بن أبي طالب الذي كتبه مسايرا التنزيل فجاء مرتبا بحسب التنزيل، وكُتب شيء منه أيضا مع نقصان وزيادة إذ لم تتم كتابته كاملا، وأول من كتبه عن طريق الكتَبَة هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أما الحديث فقد كُتب هو أيضا ولكنه لم يكتب مثل القرآن الكريم، فالقرآن الكريم كُتب كله على يد الرسول صلى الله عليه وسلم، وحين تم جمعه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم جُمع كل ما كُتب في حضرة النبي وكان محفوظا في بيوته ثم تم نسخه بشهود وهو الذي وصلنا كاملا مكتملا غير منقوص منه حرف واحد ولا زائد فيه حرف واحد، أما الحديث فقد وجد من لم يكتبه وكانوا أكثرية، وهذا لا يعني أن الحديث لم يكتب، بل كُتب ولكن بعضه، كُتب ما وصل إلى من كان يكتبه كعبد الله بن عمرو بن العاص، أما قول النبي له بشأن الحديث: ((اكتب فوالذي بعثني بالحق لا يخرج من فمي إلا حق))، فلا تناقض فيه عند الرجوع إلى دراسة التعارض الذي لا وجود له بين النصوص، لا تناقض فيه مع قوله ((لا تكتبوا عني غير القرآن))، وعليه فالحفظ لكتاب الله، والحفظ لسنة النبي صلى الله عليه وسلم قد كان هو السائد، وحين جاء عصر البخاري ومسلم وابن ماجة وابن حنبل والترمذي وقبلهم جميعا الإمام مالك شرع الحديث يُدَوَّن علما بأن بعض الصحابة وبعض التابعين قد كانت لهم مسانيد تم الاعتماد عليها هي أيضا، أي كانت لهم دواوين تحفظ ما كتبوه من حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن الإثبات الذي ظهر في الكتب المذكورة اعتمد الرواية والرواية فقط وهذه هي أصح الطرق لمعرفة التاريخ، لمعرفة الحديث، لوَصْلِ السند بالسند إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم، والأجمل ما في تلك الكتب أنها اختصت بحديث النبي فقط ولم تضم إليه غيره، انظر إلى موطأ الإمام مالك فليس فيه أحاديث النبي فقط، بل فيه أقوال للصحابة وأقوال للتابعين خلاف الكتب التي جاءت بعده والتي يطعن فيها الطاعنون جهلا بحمولتها المعرفية والحضارية، والسؤال هو: هل هناك في الدنيا وثائق تاريخية أصح من كتب الحديث؟ الجواب لا، فكيف يأتي مدَّعٍ خفيف العقل متورِّم الذهن ساقط العلم قبيح الطرح سفيه الحلم ويطعن في كتاب لم يدرك باستنارة طريقة وصوله إلينا؟
أما إذا كان الحديث عن علم الدراية فهذا بحث آخر، أي أنك إذا شرعت تبحث في مضمون الحديث فطريقك إلى ذلك هو علم الدراية وليس علم الرواية، أما علم الرواية فقد أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن صحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرهما من كتب السنة هي أصح الوثائق التاريخية، هي أصح الكتب في التاريخ الإنساني من حيث ثبوت ما ورد فيها بسند صحيح إلى من نسبت إليه وهو رسول الله صلى لله عليه وسلم ووصولها إلينا.
لقد استمعت إلى هذا المدلِّس فظهر لي أنه مطمور في الجهل المركَّب شأنه شأن "محمد الحمامي" ومن على شاكلتهما، فهو حين دعانا إلى التجربة وإلى مذهب الشك، إلى المذهب الديكارتي أظهر يقينا أنه رجل لا يفرق بين العلم التجريبي الذي يعتمد على الملاحظة والتجربة والاستنتاج كعلم الفيزياء والكيمياء والكهرباء، والعلم الآخر أي المعارف التي تعتمد على الملاحظة والاستنتاج كالتاريخ واللغة والفقه وأصول الفقه ومعارف النفس والاجتماع، يبدو أنه متسرع قد ركب جهله فطار به إلى الغرور وليته يعود إلى رشده حتى يتصف بصفة الباحث حقّا ويقينا شرّ زبالته.
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
محمد محمد البقاش

طنجة في: 17 فبراير 2020م
www.tanjaljazira.com
mohammed.bakkach@gmail.com
GSM : 0671046100
+2120671046100