نظرات فى كتاب نظرية الأنطاكي وفلسفته في الأنباض
المؤلف سلمان قطايه وقد ابتدأ بمعتقد النطلكى فى كون لذائذ الدنيا المأكل، والسماع، والنكاح، والملابس حيث قال :
"يعتقد الأنطاكي أن لذائذ الدنيا أربع: المأكل، والسماع، والنكاح، والملابس
وأن أفضلها الطعام، وأردأها النكاح، وأسلمها السماع فالطعام وإن كان حاجة ماسة للجسم لكن الإكثار منه جالب للأمراض، كذلك النكاح، أما السماع فلا ضرر منه فليكثر من شاء ما شاء منه"
وهو اعتقاد خاطىء يخالف ان اللذائذ هلا النساء والبنين والمال والقوة والطعام والشراب وهى التى ذكرها الله فى قوله :
"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا"
وتحدث قطايه عن أن الموسيقى العربية التى اخترعها الفارابى لها علاقة باعضاء الجسم فقال :
"ولقد ابتكرت الأمم قبل العرب أدوات موسيقية مختلفة، إلا أن الفارابي ابتكر الآلة المسماة بالعود والتي تعتبر أساساً في علم الموسيقى العربية والعود الذي ابتكره الفارابي معروف باسم السيج، ولقد جعل أوتاره على أوزان تفرع الشريان الأبهر من القلب حتى الأصابع
وعندما أسس العرب سلمهم الموسيقي جعلوه أيضاً فيزيولوجياً فاعتبروا أخشن صوت للرجل مساوياً لأغلظ وتر في العود وهو المسمى البم
وجعلوا رتبة الصياح مساوية لأرفع وتر في العود وهو المسمى الزير وبين الاثنين وتران: أحدهما المثنى والثاني المثلث
فالعود يحتوي على هذه الأوتار الأربعة ولكن من الناس من جعلهم ثمانية والنسب بين هذه الأوتار الأربعة هي كالتالي:
البم أغلظها ويعادل المثلث + 1/3 وإذا عادلناها بطاقات الحرير المصنوع منها وجدنا أنه مؤلف من 64 طاقة حرير
بينما المثلث يساوي المثنى + 1/3 ويعادل 48 طاقة حرير
والمثنى يساوي الزير مضافاً إليه ثلث أي 36 طاقة حرير
أما الزير فيحتوي على 27 طاقة حرير"
وتحدث قطاية عن أن سماع الإنسان للألحان يؤثر فى القلب وبالتالى النبض لأن العود مبنى على ترتيب شرايين القلب فقال :
"والواقع أنه عندما يسمع الإنسان الإيقاع والألحان فإن ذلك يؤثر في القلب ومن ثم يوجب تغير النبض، ولا عجب فإن ترتيب أوتار العود مأخوذ من ترتيب شرايين القلب وتفرعاته، والأوتار من حيث السلم الموسيقي معادلة تماماً لصوت الإنسان فالعلاقة بين العود وجسم الإنسان واضحة وتامة،"
والحق أن هذا كلام حتى ولو كتب فى كتاب الفاربى أو غيره فلا علاقة للعود بالجسم فعلا فما يؤثر فى فرد قد لا يؤثر فى أخر ومن ثم نجد قولة العامة الشهيرة إنسان بلا إحساس وإنسان عنده إحساس كما نجد الاعتقاد الشهير بأ، البعض يرقص عند سماع الموسيقى والبعض الأخر جثة هامدة لا يؤثر فيها شىء
وتحدث الرجل عن نظرية أخرى عن علاقة الموسيقى بالفصول المناخية فقال :
ولقد استطاع اسحق الموصلي (767-885م) أن يتعمق في هذه العلاقة حينما أشار إلى أن الألحان تتناسب مع الفصول الأربعة المعروفة، فإذا كان الوقت شتاء فمن المفضل العزف على البم المصنوع من النحاس في القانون، فإن انتشار اللحن يؤدي إلى جو يابس حار، وهو أنسب للطقس البارد شتاء
وعلى هذا فقد وجد أن:
البم يعادل العنصر: الأرض
والمثلث يعادل: الماء
والمثنى يعادل: الهواء
والزير يعادل: النار
وعندئذ، من العناصر نصل إلى الأخلاط الأربعة وهي: الدم، والبلغم، والسوداء، والصفراء
وإلى الأمزجة الأربعة: الحار، الرطب، اليابس، الجاف"
وهذا كلام وهم لا حقيقة له فلا علاقة للموسيقى بالمناخات المختلفة
وتحدث عن نظرية الأمزجة أو الأخلاط الأربعة فقال :
"ونحن نعلم حسب النظرية البقراطية أن توازن هذه الأمزجة وتعادلها يؤديان إلى حال الصحة، التعادل crasie وأن اضطرابها يؤدي إلى سوء المزاج dyscrasie وهو حال المرض"
وجرنا قطاية لأوهام أخرى وهى تعلق مواليد الشهور كل برج بنوع من الموسيقى فقال :
"معنى هذا أن لكل مزاج وطبع ألحاناً مناسبة حسب صاحب المزاج إلا أن المزاج هذا ذو علاقة مباشرة مع البرج الذي ينتمي إليه صاحبه
فهكذا نجد أن الألحان التي تترنم بالشجاعة والحروب تناسب أصحاب برج المريخ
وأن ألحان العشق والغزل ولطف الشمائل: تناسب أبراج الزهرة وعطارد
أما ألحان الزهد والدين فهي للمشتري
وألحان السلطنة وعلو الهمة: للشمس
والرياض والسياحة: لزحل
أما التغني بالحان المآكل والنكاح: فهي لأهل الحضيض من السليقات"
وبالقطع لا علاقة للأبراج بالموسيقى فكل شىء متعلق كما قال تعالى :
" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
أى بإرادة الفرد
وأكمل نظريته إياها بأن المطرب يستطيع أن يطرب واحد عند معرفته ولكنه لا يقدر على إطراب الكل لاختلاف ابراجهم فقال :
وقد يكون هذا الأمر سهلاً بالنسبة لصاحب الصناعة (أي المغني أو الفنان العازف) عندما يكون جليسه شخصاً واحداً يعرفه تمام المعرفة
أما إذا كان في مجلس فيه خلق كثيرون، صعب عليه الأمر لصعوبة جمع ألحان أبراج متعددة ولكن عليه هنا، حسب براعته، تأليف نسب صالحة بين الألحان تناسب الجميع فإن عجز فعليه أن يتخذ طبع رئيس الجلسة ويأخذ بعين الاعتبار أيضاً طالع الوقت
كل هذه تخدمه في عدة أمور: إما بسط قوم أو رفع تشاجر أو دفع هم أو معرفة مرض ولكن هذه الاستطبابات إذا صح القول لا علاقة لها، ظاهرياً، بالسماع الذي يقصده الناس للمتعة والترويح عن النفس"
وهذا الكلام يكذبه أننا لو جمعنا عينى من سامعى مطرب ما فى العالم فسنجدهم مختلفى الأبراج ومع هذا يطربون لسماعه
وتحدث عن اختلاف الموسيقى العربية والغربية فقال :
"ولكن الواقع بالنسبة للموسيقى العربية مغاير تماماً
كل من حضر منا حفلة موسيقية غربية (كونسيرت) يرى أن الناس يجلسون صامتين وهم يحبسون أنفاسهم، ويركزون انتباههم على ما يسمعون وكأنهم لا ينصتون بقلوبهم بل بعقولهم
والواقع أن الانفعال الإنساني تجاه الموسيقى معقد إذ تتداخل فيه عناصر كثيرة ولكن الغالب في الموسيقى الأوروبية (المسماة خطأ عالمية، وهي ليست عالمية إلا لأن الأوروبيين فرضوها على العالم فأسموها عالمية)، هو العنصر العقلاني
وإذا انتقلنا إلى الجو الشرقي وجدنا الأمر على العكس تماماً، فالناس في انفعال وهياج، ويتلاعب الفنان المغني بهذه العواطف فإذا كان من النوع الجيد والقديم ذي الجمهور المعتاد لأعماله وفنه، استطاع أن يتلاعب بعواطف الجمهور كما يريد تقريباً
وليس الأمر في رأينا عائداً إلى كون العرب عاطفيين، أو لأنهم أقل انضباطاً وانتظاماً من غيرهم فقط
بل إن الأمر عائد إلى طبيعة الموسيقى العربية نفسها لأنها فيزيولوجية محضة ذات مباشرة بجسد الإنسان، لذا فهي تحرك المستمع بدءاً من الفيزيولوجيا حتى النفس"
وبالقطع ما قاله قطايه وهم فسماع أى نوع من الموسيقى ليس عملية تعود ومن تعود على شىء أصبح التأثير فيه واحد ومن ثم يصعب التخلى عن العادة وتغييرها
وعاد لنظرية النبض عن الأنطاكى وارتباطها بالألحان فقال :
"فإذا كانت الألحان تؤثر في القلب ثم في النبض فلنر كيف يحدث ذلك
إن الألحان مؤلفة إما:
من نقرات منفصلة يفرقها سكون تنقرات الأوتار، وسرعتها مثلاً تتناسب مع سرعة ضربات القلب tachycardie المصادفة في الحميات مثلاً
-أو أنها نغمات متصلة كالمزامير، وتغير نغماتها ينجسم مع تغير النبض إذ يصبح نبضاً موحياً
والغناء مؤلف من ثلاثة عناصر:
السبب: وهو عبارة عن نقرة يليها سكون
وهو جزء من النبضة ولنقل نصف النبضة لأنها كما سبق أن قلنا: سكونان وحركة
والوتد: وهو سكون بعد نقرتين
والفاصلة: وهو سكون بعد ثلاث نقرات أي أن لدينا هنا وحدة للغناء مؤلفة من أربعة عناصر تماماً كالنبضة الواحدة فإذا انسجم النغم والغناء وإيقاعهما مع النبض غيّرا بالتالي دورة الدم، ومعنى هذا أن كل الوظائف أيضاً تغيرت لأن كل استقلاباتها متعلقة بالدم من حيث سرعته، وكمية الأوكسجين فيه إلى آخره وبالتالي فإن الحال النفساني أيضاً يتغير، ويعود هذا فيؤثر في الفيزيولوجيا وتؤثر هذه في النفس وهكذا تباعاً حتى يصبح الإنسان جميعاً طوع النغم واللحن
وحتى الأنباض المرضية ذات علاقة بالموسيقى والألحان
والواقع أن النبض كما يقول الأنطاكي "هو حركة مكانية من أوعية الروح مؤلفة من انقباض وانبساط للتدبير بالنسيم"
إذ كان القدماء يعتقدون أن غاية النبض ترويح الدم بالهواء عبر الجلد وأن هذه الحركة مثل حركة الدم أي "على حد مد المياه وجزرها الحاصلين من قبل الأشعة" إذ إن فكرة دوران الدم لم تكن موجودة في ذلك الزمان
واختلف القدماء فمنهم من قال إن حركة الشرايين مستقلة عن القلب كأهل التجربة وهي إحدى المدارس اليونانية واتفق معظمهم أنها جزء من حركة القلب وأن حركته مؤلفة من انقباض وانبساط، وأن حركة الشرايين هي ارتفاع وانخفاض
وقال ابن سينا: "إن كل نبضة مؤلفة من حركتين وسكونين لأن كل نبض مركب من: انبساط وانقباض، ولا بد من تخلل السكون بين كل حركتين متضادتين" ويقول أيضاً: "أربعة أجزاء: حركتان، وسكونان حركة انبساط وسكون بينه وبين الانقباض وحركة انقباض وسكون بينه وبين الانبساط"
أي أن كل نبضة مؤلفة من:
سكون- انبساط- سكون- انقباض
ويؤكد ابن سينا أن إدراك زمن الانقباض قصير جداً حتى إنه من الصعب إدراكه
أما تصنيف هذه الأنباض فهو تابع للنظرية البقراطية وهي كما هو معلوم تقول إن ثمة أربعة عناصر وأربعة أمزجة وأربعة أخلاط:
عناصر: نار أرض هواء ماء
أخلاط: دم سوداء صفراء بلغم
أمزجة: حار يابس رطب بارد
فإذا ما مزجت بعضها ببعض حصلنا على تسعة نماذج مركبة هي: سوداء-جاف بلغم-رطب حار-دم سوداء-بارد رطب-صفراء دم-جاف بارد-بلغم صفراء-حار ثم: المعتدل
وهكذا فبالنسبة للأنباض لدينا تسعة أنباض وهي:
الطويل المعتدل القصير
العريض المعتدل الضيق
المنخفض المعتدل المشرف
وهي أنباض بسيطة
وتوجد أخرى مركبة هي:
الزائد: طولاً وعرضاً وعمقاً وهو: النبض العظيم
والناقص: طولاً وعرضاً وعمقاً وهو: النبض الصغير وبينهما المعتدل
والزائد: عرضاً، وشهوقاً وهو: النبض الغليظ
والناقص: عرضاً، وشهوقاً وهو: النبض الدقيق وبينهما المعتدل
المستوي: وهو الذي تساوت أجزاؤه
والمختلف: وهو الذي اختلفت أجزاؤه وبينهما المعتدل
إلا أن هذه التصانيف لا تهمنا في بحثنا لأنها لا تتعلق بالنغم والإيقاع بل العرض والطول والشهوق
فبالنسبة للنغم والإيقاع نستطيع القول إنهما يكونان كما يلي:
حركة- سكون
استواء- اختلاف
نظم طبيعي- غير طبيعي أو بلا نظم إطلاقاً
ثقل- خفة
وهذا تصنيف الأنباض الإيقاعية البسيطة وهي كما نرى تسعة أيضاً حسب النظرية البقراطية"
وخلص قطاية إلى النبض أربعة أنواع كالألحان العربية أربعة فقال :
"فإذا طرحنا النبض الذي لا نظم له وجدنا أن الإيقاع على أربعة أنواع، لكل نوع شكلان شديد وضعيف
والواقع أن الألحان العربية تخضع هي أيضاً إلى أربعة أجناس:
الأول: المسمى العمود الأول أو الخفيف المطلق وهو متألف من نقرة يعقبها ويسبقها سكون، وكلها متساوية
والواقع أن هذا الإيقاع هو إيقاع النبض المتواتر أو الخفيف
الثاني: العمود الثاني أو الخفيف الثاني: وهو نقرة يتبعها سكون، وفي النبض يقابله المتفاوت أو المختلف
والثالث: الثقيل الأول: مؤلف من نقرة وسكونين تاليين ويقابله النبض الثقيل
والرابع: الثقيل الثاني: وهو مؤلف من نقرة وثلاثة أزمنة سكونية ويقابله في النبض ذو النظم غير الطبيعي ولنقل إنه نوع من أنواع النبض البطيء
ولدينا أيضاً أنباض مركبة هي أيضاً تسعة:
1-المسلّي: وشبه بالمسلة وهي آلة الخياطة لأن بدايته ضعيف ثم يقوى ثم يضعف
2-المائل: وهو عكسه
3-الموجي: وهو المختلف في الأجزاء تدريجياً، ويظهر اختلافه عرضاً خشبة بالأمواج
4-الدودي: وهو موجي ضعيف
5-النملي: سمي بذلك لدقته وضعف حركته
6-المنشاري: وهو ما اختلفت أجزاؤه تواتراً وسرعة وصلابة
7-المرتعد: ويدل على الرعشة
8-المتشنج
والتاسع: هو كالعادة: المعتدل فيما بينها رغم أن هذا لا معنى له
وتبقى الأنباض التي ليس لها نظام فمنها:
-الغزالي: فهو كالغزال يطفو على الأرض ويسكن في الجو ثم ينزل مسرعاً ويدل، كما يقول الضرير: على ضعف القلب واختلال حركاته
-ذو الفترة: وهو الساكن حيث تطلب الحركة
-الواقع في الوسط: وهو عكس السابق
-المطرقي: سمي بذلك لسرعة ارتفاعه وهبوطه كالمطرقة
-ذنب الفأر: وهو نبض يدق تدريجياً إلى حد ثم يعود فيغلظ من حيث دق ويتدرج رجوعاً
ويستمر الأنطاكي في الوصف والتصنيف إلى أن يقول: "فهذه مائتان وستة عشر (نبضاً) فإذا ضربتها في أقسام الحركة بلغت ستماية وثمانية وأربعين، وهكذا المجموع في باقي الأجناس""
المهم بعد عرض تلك النظرية الوهمية للأنطاكى انتهى قطاية إلى تعارضها مع الطب السريرى فقال :
"والواقع أن هذه الأرقام من الناحية الطبية السريرية لا حقيقة لها ولكنها من الناحية الموسيقية النظرية قد يكون لها ضرب في الصحة"
ومع أنه فى الفقرة السابقة أنهى على النظرية إلا أن قطاية لا زال مصرا على ارتباط الموسيقى العربية بالجسم فقال :
"1-من كل ما تقدم نستطيع القول بأن الموسيقى العربية موسيقى مبنية على إيقاع الجسم الإنساني وفيزيولوجيته
2 وهذا ما يجعلها أكثر فاعلية وتأثيراً
فإن المستمع الشرقي بالعادة والخبرة والتجربة يستطيع أن يجعل إيقاع جسمه كله ابتداء من القلب والنبض والتنفس حتى أعمق الاستقلابات، منسجماً مع إيقاعها الموسيقي والألحان والغناء العربية من هنا نجد المستمع العربي يدخل في حالة أكثر من "النشوة" العادية أو الطرب، إنها حالة (السلطنة)
ولنذكر أن بعض الطرق الصوفية تعمد إلى الموسيقى حتى يصل المرء إلى حالة "الحال3" فيستطيع إلى حد ما التمكن من أحاسيس جسده فيبطل منها ما يريد ويزيد في غيرها فيقوم بما يبدو كالمعجزات وكثيراً ما ترد في الكتب العربية القديمة4 أثناء الحفلات الموسيقية أن أحد الحاضرين أخذ يبكي، ويمزق ثيابه، ويحثو التراب على رأسه، ويقوم بأفعال غير طبيعية
وما ذكرناه يؤكد القصة التي تروى عن الفارابي والتي قد تبدو بادئ الأمر ضرباً من المبالغة، أو حتى الخرافة وفحواها أن المعلم الثاني دخل على بلاط سيف الدولة فأخرج آلة موسيقية فضرب على عيدانها فضحك كل من كان في المجلس، ثم ضرب عليها مرة أخرى فبكوا، ومرة ثالثة فناموا فتركهم ومضى"
والحكاية فيما لو صحت لا تعود للموسيقى فالموسيقى لا تضحك ولا تبكى ولا تنيم وإنما ما يفعله الموسيقى من حركات بالإضافة إلى أنم من فى تلك البلاطات كانوا للأسف الشديد مجموعة من مدمنى الخمور والمخدرات وغيرها ومن ثم يسهل التأثير عليهم
وكل ما يحدث من تأثيرات من الموسيقا قد يعود لحالة السكر أو لحالة نفسية يكون فيه السامع يوافق كلام الغناء ما هو فيه
وتحدث عن الاستفاد من ذلك فى العلاج النفسى فقال :
ولقد استفاد العرب من هذه النظريات ومن هذه الدراسات، فطبقوها في مجال التطبيب النفساني
"فقد اعترف العالم للعرب بأنهم أول من اعتنى بالمصابين بالأمراض العقلية على حين ظل المداوون في أوروبا يضربون بالسياط، ويربطون بالسلاسل الحديدية، ويلقون في الأقبية والمغارات ولم تتحسن أحوالهم حتى زمان الطبيب فيليب بينل (1745-1826م) الذي حرر المجانين، وفك إسارهم، وذلك في القرن الثامن عشر
وعندما كنت طالباً في جامعة باريس أرتاد مستشفى السالبتريبر، كان في صدر قاعة المحاضرات لوحة ضخمة جداً تمثل المجانين راقدين في السلاسل والطبيب بينل يحررهم وإحدى المريضات جاثية على قدميها تقبل يديه اعترافاً بالجميل"
وتحدث عن المشافى الخاصة بالمجانين فقال :
"لقد تميز الطب العربي بإنسانيته فهو أول من اعتنى بالمجانين، ونظر إليهم نظره إلى المرضى، لا إلى أناس قد تقمصتهم الشياطين والأبالسة
بل قد بنيت لهم مشافٍ خاصة للاعتناء بهم من قبل أطباء تميزوا بالخبرة والعلم والرحمة
ومن جملة المعالجات كانت المعالجة بالموسيقى
وبالطبع فإن الأمر بالنسبة للأوروبي يبدو غريباً: فكيف يعالج مجنون بموسيقى عقلانية كالموسيقى الأوروبية المسماة خطأ عالمية؟
والواقع أن الموسيقى العربية كما شرحنا مختلفة تماماً"
والحق أن فى الإسلام لا وجود لمشافى المجانين فالمجانين يتواجدون فى البيوت ويذهبون للمشافى ساعة أو ساعتين فقط للعلاج ولذا قال تعالى :
"وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو أبائهن أو أباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهم أو اخوانهن أو بنى اخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال"
والمجانين هم أولى ألأربة من الرجال لأن النساء المجنونات بطبيعتهم فى البيوت
وتحدث عن تأثير الموسيقى مرة أخرى فقال :
"وأذكر القصة التالية للمثل وليس للحصر وهي مذكورة في كتاب محمد بن أحمد التميمي المقدسي "مادة البقاء، في دفع ضرر الهواء، والتحرز من الوباء"
يقول: "ومن عجيب ما بلغني من أفعال النغم وحسن تأثيرها في النفوس، ومزاولتها لعظيم الأعمال، ومعاونة الطباع على نفسها، وإزالتها عن النفوس والأجساد أنه كان في جوار يعقوب ابن اسحق الكندي، رجل من كبار التجار، موسع عليه في تجارته، وكان له ابن قد كفاه أمر بيعه وشرابه، وضبط دخله وخرجه وقد كان ذلك التاجر كثير الإزراء على الكندي، والطعن عليه، مدمناً لتكفيره والإغراء به فعرض لابنه سكتة فجأة، فورد عليه من ذلك ما أذهله، وأقطعه، وبقي حائراً لا يدري ما الذي له في أيدي الناس، وما لهم عليه، مع ما دخله من الجزع على ابنه، ولم يدع بمدينة السلام طبيباً إلا ركب إليه، لينظر إليه ويشير عليه في أمره بعلاج، فلم يجبه كثير من الأطباء لكبر العلة وخطرها، فلم يجد عنده كبير غنى
فقيل له: أنت في جوار فيلسوف زمانه، وأعلم الناس بعلاج مثل هذه العلة، فلو قصدته لوجدت عنده ما ترغب فدعته الضرورة إلى أن يحمل على الكندي من إخوانه بمن يثقل عليه فأجابه وصار معه إلى منزله فلما رأى ابنه محبته أمر بأن يحضر إليه من تلاميذه في علم الموسيقى ممن قد أنعم الحذق بضرب العود، وعرف الطرائق المحزنة والمفرحة، والمقوية للقلوب والنفوس، فحضر إليه منهم أربعة، فأمرهم أن يديموا الضرب عند رأسه، وأن يأخذوا في طرائق وقفهم عليها وأراهم مواقع النغم بها من وضعهم أصابعهم على الدساتير ونقلها
فلم يزالوا يضربون في تلك الطرائق والكندي آخذ محبة الغلام، وهو في ذلك يمتد نفسه ويقوى نبضه وترجع إليه نفسه شيئاً بعد شيء إلى أن تحرك وجلس وتكلم وأولئك يضربون في تلك الطريقة دائماً لا يفترون"
وبالطبع ليس كل ما يقال يصدق وإن كان الأمر ممكنا