سيناريو العيش الآمن
في ظل استمرار وباء كورونا لمدة طويلة

إنه بالنظر إلى الخطأ الكبير الذي وقعت فيه دول كثيرة بسبب تعاطيها غير الرشيد مع فيروس كورونا والمتجلّي في عدم إبقاء المصابين في دورهم وإجراء الفحوصات الطبية عليهم في عين المكان بحيث تم نقلهم إلى المستشفيات الشيء الذي عمل على نشر العدوى وتوسيع رقعتها فاستُبْدلت أمكنة الحجر الصحي التي كان يجب أن تكون في البيوت ومنازل المصابين إلى أمكنة حجر صحي أخرى هي المستشفيات.
وبالنظر إلى تسفير مصابين من مدينة إلى أخرى وبلد إلى آخر الشيء الذي زاد من نشر العدوى. وبالنظر إلى تفشّي العدوى وعدم القدرة على احتوائها.
وبالنظر إلى تداعيات الحجر الصحي التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من مثل تعطيل حياة الناس وتجميد حركتهم خارج المنازل وغياب علاج ولقاح خاص بالفيروس.
وبالنظر إلى العجز الدولي في تعاطيه مع الجائحة.
وبالنظر إلى وجوب حماية المجتمعات من نتائج الحجر الصحي السلبية واحتمال أن يستمر الحال لأكثر من أربعة أشهر تبين لي ضرورة القيام بما يلي وسريانه على كل دولة تختاره:
أولا: تعميم إجراء الفحص الطبي لفيروس كورونا وتسريعه بحيث لا ينفلت منه شخص واحد ويؤشّر على نتيجة الفحص في بطاقة تعطى له وتشهد على فحصه وسلامته.
ثانيا: رفع الحجر الصحي عن جميع الناس الذين تم فحصهم وتبيّن أنهم غير مصابين أو لم يصابوا أصلا أو تمّ شفاؤهم من المرض ولكن شريطة أن يخلوا لهم المجتمع من أيّ مصاب بالعدوى، أَيْ يخلو لهم فضاء تحرُّكهم في المجتمعات حتى لا تقف الحياة وينهار الاقتصاد وتتعاظم المشاكل الاجتماعية.
ثالثا: يعزل المصابون بفيروس كورونا ويخصص لهم فضاء واسع مجهز بالأجهزة الطبية تحت إشراف الأكفاء من أسرة الصحة وأن يكون الفضاء عبارة عن مستشفيات خاصة بهم لا يوجد إلى جانبهم في الحجر الصحي أي قسم آخر إلا ما كان خاصا بالمصابين بفيروس كورونا مع تأمين الرعاية الصحّية لهم من التطبيب والدواء مجانا.
رابعا: تعبئة الطواقم الطبية وإمدادها بما يلزم من أجل فحص الناس في أماكن بيوتهم وتحويل البيوت إلى مستشفيات عند عدم الحصول في الفحص الطبي على حالات حرجة وهذا هو الحجر الصحي الصحيح لأنه يكون في نفس المكان الذي به مصاب لم يتم نقله إلى المستشفى حتى يحصر الوباء في مكانه فيُحْمل على أخذ موقع له في العدّ التنازلي قريب من الصفر إلى غاية القضاء عليه نهائيا.
خامسا: أن ينشأ في كل مدينة أو جهة مراكز للبحوث البيولوجية والفيروسية تشرف عليها وزارة الصحة بطاقم كفؤ من أسرة الصحة بميزانية سخية للتجهيز والبحوث حتى يبدع المغاربة ويبدع مواطنو أي دولة تبنّت هذه الإجراءات فيكونوا سبّاقين في خدمة شعبهم وأمتهم والبشرية جمعاء.
سادسا: رفع الحجر الصحي عن جميع المدن والقرى والبوادي شرط أن تكون الساكنة جميعها قد خضعت للفحص الطبي وخلا منها الوباء وتحمل بطاقة الإِشْهاد على ذلك.
سابعا: منع أيّ مسافر خارجٍ من المغرب أو أيّ دولة أخرى تتخذ هذه الإجراءات إلى أيّ جهة دون أن تكون معه بطاقة الإشهاد على خُلُوِّه من وباء كورونا وسلامته من العدوى.
ثامنا: منع أيّ مسافرٍ من دخول المغرب ودخول أي دولة تتبنّى هذه الإجراءات دون أن يدلي ببطاقة الإشهاد على خُلُوِّه من وباء كورونا وسلامته من العدوى، وعند عدم الوثوق أو لمجرد قطع الطريق على الشكوك يفحص القادمون ولو أدلوا ببطاقات الإشهاد على سلامتهم.
تاسعا: لا سبيل إلى تعطيل الحياة العامة ولا ضرورة لذلك بسبب جائحة كورونا، وعليه فالفرز لأفراد المجتمع بحثا عن المصابين والمعافين يقسمه إلى قسمين فيجعل من المجتمع قسما سالما معافى به تتحرك عجلة الحياة في الاقتصاد والتعليم والقضاء وغيره، ويجعل من القسم المتبقّي مصابين ومعافين، اُلمعافون حفظهم الله من الأطباء والممرضين يقومون على أمر المصابين بعدوى فيروس كورونا وهم في الحجر الصحي حتى يأذن الله تعالى بشفائهم.
عاشرا: النجاة من فيروس كورونا له طريق وأسلوب، الأسلوب نشترك فيه مع البشرية جمعاء، والطريق لنا وحدنا إذ هو من خصوصياتنا كمسلمين ولكنه مُيَسَّر لمن يرغب في أن يتخذه لنفسه طريقا ويستبدل به غيره مما يملك.
الأسلوب هو أسلوب التعاطي مع الفيروس، هذا الأسلوب لا نختلف به عن غيرنا إلا في أمور وفرت علينا التعب والنصب في التوصل إليه بحيث وصلنا جاهزا على يد طبيب العقول والقلوب والأبدان الله جل جلاله، فالرحيم بنا وبالناس جميعا بعث إلينا رسولا منا وجعله للناس كافة، هذا الرسول لا ينطق عن الهوى وقد أرشدنا للتعامل مع الطاعون، والطاعون وباء، وكل عدوى بَلِيَّة كالكوليرا مثلا، أرشدنا إلى ذلك الأسلوب، فمن أراد أن يتبناه كان به، ومن لم يرد خالفناه، وهذا الأسلوب متعلق بالحجر الصحي في مكان الإصابة، ويتجلّى في قوله النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن أسامة بن زيد: ((إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا))، هذا هو الذي نختلف فيه مع غيرنا إذا لم يوافقونا عليه، أما إذا وافقونا فنحن وإياهم سواء في التعاطي مع جائحة كورونا.
وأما الطريق الذي لا نشترك فيه مع أحد فهو موقفنا من مآل العدوى ونتيجتها، فالنتيجة إما الشفاء وإما الموت، والشفاء مطلب البشرية جمعاء ونحن منها، وأما الموت فليس مطلب أحد ولكنه في حقنا يقع عند مُعْتَقَد عقد القلب عليه وهو أن الموت لا يحصل إلا بانتهاء الأجل، وأن ما يصيبنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وعليه فالموت إذا حصل لنا بالعدوى لم يُنْقِص من أعمارنا ثانية واحدة إلا أنه من جهة أخرى جعله الله رحمة لنا وشهادة، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَنِي ((أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِراً مُحْتَسِباً يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ)).
وقال تعالى: ((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41))) الروم.
وخلاصة القول في كيفية التعاطي مع داهية كورونا نركِّز على الاعتبار بها عمليا وليس نظريا، عمليا من جهة الإسراع في العودة إلى الله والتوبة إليه، من جهة التوقف عن ظلم الناس، من جهة تطبيق شرع الله وسيادة أنظمته في الاقتصاد والتعليم والاجتماع والداخلية والخارجية والعقوبات وغير ذلك من أنظمة الإسلام وطرح الأنظمة الوضعية حتى ينعم المسلمون بسيادة العدل على الجميع ويصطفّوا سواسية مع الملك والرئيس والأمير والوزير أمام القانون دون أن يوجد بينهم أيّ تفاضل، ودون أن يعلو أحد على أحد إذ الجميع أمام القانون سواسية، ثم يعملوا على نقل تجربتهم الإسلامية إلى غيرهم من الشعوب والأمم التي تصطلي بنيران المجرمين الأمريكان والروس والصينيين والأوروبيين وعملائهم، ولسائل أن يسأل قائلا: من كان سببا في شقاء البشرية هل يستحق قيادة العالم؟ كلاّ وربي، لا يستحقون قيادة البهائم ورعايتها فكيف بالبشر؟
من قصف الناس بالقنابل النووية واليورانيوم المُنَضَّب والقنابل الحارقة (النابالم)؟ من قصف مخيم اليرموك بالقنابل العنقودية والصواريخ الحارقة؟ من قصف الناس بالبراميل المتفجرة؟ من استعبد القبائل الإفريقية بوحشية لا نظير لها وأخضعها للتجارب البيولوجية والكيماوية؟ من أباد المسلمين الهنود الحمر في أمريكا؟ من تفنّن في قتل المسلمين الإغور ونكّل بهم؟ من قتل المسلمين الروهينجيا في أراكان وبورما؟ من قتل المسلمين في آسيا الوسطى والبلقان والشام؟ من أجرم في حق الهنود وسحقهم بالدبابات وهم عزّل يتظاهرون ضد الاستعمار الإنجليزي؟ فمن ومن؟ وأخيرا من أجرم في حق البشرية؟ أليس أنا؟
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
محمد محمد البقاش
أديب ومفكر مغربي من طنجة
طنجة بتاريخ: 30 مارس 2020م على الساعة: الثانية بعد الزوال بتوقيت غرينتش
www.tanjaljazira.com
mohammed.bakkach@gmail.com
GSM : +212671046100
0671046100