أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: قلق كوروني (قصة قصيرة)

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي قلق كوروني (قصة قصيرة)

    (أدب العزلة في زمن الكورونا)



    قلق كُورُوني

    قصة قصيرة



    بقلم الروائي -محمد فتحي المقداد




    منذ الشّهر الفائت قالها صديقي الشّاعر: "قلق أنا". بعدها لا أدري ما الذي أصابني..!!؟. تفكير دائم استغرقني جلوسًا حبيسًا في قمقم. شارد الذّهن في لا شيء من الصعب تحديد ما هيّته، لم أتبيّن موقفي حقيقة هل من شيء يُنكّد عيشي أو خلافه.

    الواتساب يأتيني على مدار السّاعة بسيل جارف من الرّسائل التحذيريّة والوعظيّة والفكاهيّة والتحليليّة والتركيبيّة والتكعيبيّة والرمزيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والدينيّة. إضافة لمقاطع الفيديو وفيها ما فيها. جميعها سبّبت إرباكات في ذهني، وانخفاض مستوى استيعابي لحدّ الأدنى قريبًا الصّفر. وأغلقت مساحة التّفكير التي كانت تُمكّنني سابقًا من الإفلات هروبًا في ممثل هذه المعامع، رغم أنّي لستُ من خائضي داحس والغبراء.

    وكما يُقال: (الفاضي بيعمل قاضي) أو (قِلّة الشُّغل بتعلّم التّطريز)، ما زاد الطين بلّة كرم وسخاء شركات الاتّصالات بإعلاناتها العظيمة: (اشْحنْ خطّك، والدّفع لاحقًا).. كرمها الحاتميّ البارحة جاء مُتجلّيًا في عزّ أزمتي الماليّة والمعنويّة، أرسلوا لي مساعدة لتعزيز صمودي في عُزلة الحجر عشرين (جيجا)، رصيدي من حُزمتي الشهريّة على وشك النفاد. ومُشكلتي الكبيرة إذا انقضت باقي (الميجات) القليلة آخر الاشتراك.

    لا أدري كيف أسدي شُكري لهم، لا أعرف وسيلة لمكافأتهم على فطنتهم ودرايتهم في حاجاتي الأساسيّة. فكيف بي إذا انقطعت على العالم الخارجيّ، صمت جهاز هاتفي النقّال عن صفير الإشعارات.. ليس القلق وحده ساعتها ما يستوطنني.. بل ستتقاطر قافلة اليأس والإحباط وقلّة الحيلة، وعلى رأي سميرة توفيق:

    -(لا بُوكِلْ ولا بَشْرَب.. بسْ أطّلعْ بِعْيوني).

    اختلاطات في ذهني أمغصتني بشدّة في بطني. لم تألُ جُهدًا زوجتي بإسعافاتها الأوليّة لي، صنعت كوبًا ساخنًا من الزعتر البرّي، ومازال الألم مُستمّرًّا.. أتبعته بآخر من الميرميّة. الوضع تأزّم إلى حالة إسهال شديد لم ألحق نفسي بالتناوب على الحمّام كلّ دقيقة. لو لا التزاحم العائلي على هذا المرفق الهامّ الوحيد في البيت، لاتّخذتُ قرارًا سياديًّا بالإقامة فيه خلال هذه الأزمة الطارئة المتآمرة مع حصاري الإجباريّ المعلوم. المحالّ التجاريّة مُغلقة تحت طائلة المخالفة والغرامة والإغلاق. الصيدليّات بداية أغلقت أبوابها في الأيّام الأولى متوافقة مع حالتي الطّارئة؛ تنفيذًا لتعليمات الحظر المؤقّت.

    هواجس تحوطني من كلّ جانب تتقاطر تَتْرى مُستوطنة جميع ساحاتي، لتنسدّ كلّ المنافذ أمام عينيّ، أظلم الفضاء.. جُدران الغرفة ضاقت كالقبر ما عاد فيها مُتسّع لي. بحث شامل دؤوب عن حبّة مَنسيّة ضائعة في أسفل كيسٍ مهترئٍ يحتوي على عُلَب أدوية فارغة استخدمناها سابقًا. أوهمتنا برصيدنا القوميّ من الأدوية المُستدام وجودها في العادة كاحتياطيٍّ استراتيجيّ.

    لم تستسلم للوضع الرّاهن بضيقه، وقلّة الحيلة. تذكّرتْ أنّها نسيتْ أنّها كانت تُخبّئ حبّة موز للبنت الصّغيرة أثناء وجودها في المدرسة ذاك اليوم قبل أسبوع. وجدت الموزة كأنّها حبّة باذنجان، لبست سوادها حُزنًا على حالي. أطعمتني بيدها الحنونة في مثل هذه المواقف عند عجزي.

    ولمّا شعرت أنّ حبّة الموز الواحدة لا تكفي لإمساك مَعِدَتي، أغارت على المطبخ، لتأتيني بعد ذلك بكأس لبن مُثَوّم، شربته على مضض بعد إلحاحها الشديد بإكماله. نفسي تأبى قبول هذه الكميّة بشكل مُباشر. لم تنس سلق حبّات بطاطا، حسب قولها:

    -"هذا دواك وعلى الله شِفاك، عليك بالنّوم بعد تناول البطاطا؛ ليرتاح جسمك تهدأ أعصابك".

    استجابتي لأوامرها كانت سريعة هذه المرّة، على خلاف ما كان أيّام ما قبل حصار الكورونا، استغربتْ ما لمست فيَّ من مطاوعتي لها، يبدو أنّها لم تشعر بضعفي أمام خبرتها بتطبيبي..!!.

    لم تتوقّف قاطرات الأحلام تدفّقًا أغرقتني عميقًا في نوم على جانب واحد لم أتزحزح عنه، شعوري بالخدر الشديد.. أسراب نملٍ تسري من ساعدي حتّى خنصر قدمي. كأشواك الصّبار تملأ جسدي أثناء سَطْوِنا الشقيّ على بيت جيراننا لاقتناص حبّات تتلألأ استواء بلونها الذهبيّ. مخاطرة محفوفة بنخز الأشواك على مدار أيّام، صحوتُ مُعتدِلًا في جلستي، يدٌ حانية ناولتني كأس ماء، لم أستطع رفعها بيدي، بلهفة متسائلة:

    -"ما بك يا حبيبي.. بماذا تشعر؟"

    -"لا شيء سوى أنّ جنبي مُتيبّس كحطبة، ونَمْل يسري تحت جلدي".

    لمسات ناعمة تُدلّكني بحنان، زيت الزيتون سهّل مهمّة انزلاقها على ساعدي، النبت الصّغيرة تصرخ في الغرفة الأخرى، تنادى على أختها الأكبر المستغرقة أمام أفلام الكرتون على التلفزيون. يستمرّ الصّراخ، ويدها لا تتعب من تمسيجي بهمّة.

    انقضت هذه المرحلة، وجاءتني بكأس شاي ثقّلتها لمؤازرة الموز والبطاطا، وإعطاء نتيجة مُرضية شعرت بتحّسن.. دبّت الحرارة في جسدي مُجدّدًا.. تناولتُ الهاتف لم أصبر على فراقه طويلًا.



    عمّان – الأردنّ

    30 \ 3 \ 2020








  2. #2
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,113
    المواضيع : 317
    الردود : 21113
    المعدل اليومي : 4.95

    افتراضي

    إن الشعور بالعزلة والفراغ،وطول المكوث في البيت، والضغوطات النفسية
    الناتجة عن القلق والتوتر الذي ساهم في وجوده تلك الرسائل التحذيرية، والوعظيةو... ألخ
    طوال الوقت قد تكون لها أفدح العواقب
    فالكثير من الأمراض الجسدية قد تصيب الشخص بناء على حالته النفسية..
    وهذا ما حدث بالظبط لصاحبنا هنا.. تحول قلقه واختلاطات تعتمل في ذهنه إلى مغص في بطنه
    تطور إلى إسهال شديد ليغرق في بحر من حنان زوجنه التي فعلت ما في جهدها لإسعافه.
    لوحة من إبداع، وصور منتقاه بإحكام من مسرح الحياة الذي يتمثل الآن في جدران بيتك
    لتنسج لنا قصصا تسجيلية بإبداع شعوري، وخيال، بلغة جميلة ومعنى عميق.
    تحية تليق بروعتك.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناديه محمد الجابي مشاهدة المشاركة
    إن الشعور بالعزلة والفراغ،وطول المكوث في البيت، والضغوطات النفسية
    الناتجة عن القلق والتوتر الذي ساهم في وجوده تلك الرسائل التحذيرية، والوعظيةو... ألخ
    طوال الوقت قد تكون لها أفدح العواقب
    فالكثير من الأمراض الجسدية قد تصيب الشخص بناء على حالته النفسية..
    وهذا ما حدث بالظبط لصاحبنا هنا.. تحول قلقه واختلاطات تعتمل في ذهنه إلى مغص في بطنه
    تطور إلى إسهال شديد ليغرق في بحر من حنان زوجنه التي فعلت ما في جهدها لإسعافه.
    لوحة من إبداع، وصور منتقاه بإحكام من مسرح الحياة الذي يتمثل الآن في جدران بيتك
    لتنسج لنا قصصا تسجيلية بإبداع شعوري، وخيال، بلغة جميلة ومعنى عميق.
    تحية تليق بروعتك.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    أستاذة نادية
    أسعدك الله ورعاك
    رغم أنها عزلة ربما نضيق ذرعا بها
    وبما تؤدي له من ضيق معاشي.. وتقاطع
    من التزاور والاجتماعات مع الناس بشكل
    عام..
    لكن الإيجابيت التي ذكرت طرفا منها في
    كثيرة يجب أن ننظر بعين الرضا والسعادة بها
    تحياتي وتقديري لكي سيدتي
    الراقية

  4. #4
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Nov 2019
    المشاركات : 3,447
    المواضيع : 235
    الردود : 3447
    المعدل اليومي : 2.15

    افتراضي

    بحرفيتك المعهودة، وبألققك القصصي استطعت صياغة مشهدا صورت فيه
    حالة القلق الناتجة العزلة ـ وما ينتج عنه من توابع مرضية في نص رائع.
    أحييك ـ ودام إبداعك.

  5. #5
    الصورة الرمزية محمد فتحي المقداد أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 995
    المواضيع : 180
    الردود : 995
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أسيل أحمد مشاهدة المشاركة
    بحرفيتك المعهودة، وبألققك القصصي استطعت صياغة مشهدا صورت فيه
    حالة القلق الناتجة العزلة ـ وما ينتج عنه من توابع مرضية في نص رائع.
    أحييك ـ ودام إبداعك.
    يسعد اوقاتك استاذة اسيل
    يسعدني رأيك في النص..
    الكتابة عبء الفكرة.. وايصال
    الرسالة.
    دمت بخير وألق سيدتي