نظرات فى الرق في الجاهلية والإسلام
الكتاب من تأليف إبراهيم محمد الحسن الجمل وهو من المعاصرين وقد استهل الجمل كتابه بمعنى الرقي ونشأته فقال:
"الرق في اللغة: العبودية، وسمى العبيد رقيقا، لأنهم يرقون لمالكهم، ويذلون ويخضعون، والرقيق هو المملوك وقيل: الرق في اللغة: الضعف ومنه رقة القلب وهو نظام اجتماعي معروف بين الشعوب القديمة، واستمر قائما حتى أخريات القرن التاسع عشر، وكان يعتبر بين تلك الشعوب نظاما مشروعا تحميه قوانين الدولة وعرف أيضا بأنه حرمان الشخص من حريته الطبيعية، وصيرورته ملكا لغيره ، وهذا ما كان مصطلحا عليه عند الأمم القديمة"
والرق كلمة لا علاقة لها بالإسلام فلم ترد فى كتاب الله هى أو مشتقاتها من الرقيق وقد غير الإسلام المصطلح إلى ملك اليمين أو ملك الأيمان إشارة إلى أن الرق ذل وهو ما غيره الله إلى اليمن وهو السعد
وفى الفقرة التالية بين الجمل مقولة تعتمد على نظرية غربية تخالف كلام الله وهى التطور من الرعى للزراعة ثم الصناعة وهى مقولة تخالف تعليم الله لآدم(ص) الأسماء كلها وأول ما يجب العمل به للحصول على الطعام هو العمل بالزراعة والعمل معها بما يصلخ الحياة من رعى الأنعام وصناعة الأدوات الضرورية للحياة وفى هذا قال :
"ولقد عرف الرق من قديم، وكانت الحرب بادئ الأمر عاملا على نشأة الرق وذلك أن القوي حينما كان يظهر بالضعيف يقتله، ولا يقبل بغير القتل بديلا، وكان الناس في ذلك الوقت يعملون لأنفسهم فكان الرجال يقومون بالصيد والحروب وكان النساء والأبناء يقومون بغير ذلك من الأعمال وحينما اتجه الإنسان إلى الزراعة، كان في حاجة إلى العناية بالأرض عناية تتكرر كل يوم، وإلى تنظيم العمل، كما أنه كان مع حاجة إلى من يساعده، وهذه المساعدة كانت تعتمد في النهاية على القوة والإرغام، وحدوث التعاون بين الناس، انتهى إلى استخدام الضعفاء بواسطة الأقوياء ثم فكر القوى الظافر في القتال أن الأسير الذي يقتله يمكن أن يبقيه حيا فيستخدمه في زراعة الأرض وبهذا قلت المجاور وقل أكل الناس لحوم بعضهم بعضا وحين أمتنع الإنسان المنتصر عن قتل المغلوب اعتبر هذا تقدما عظيما للإنسان من حيث الأخلاق، حين أقلع عن قتل زميله أو أكله واكتفى من أعدائه باسترقاقهم، وإعمالهم في الأرض وفي الزراعة ثم انتقل استرقاق الغير من الزراعة إلى الصناعة، حتى إذا زادت الثروة، ومال الأغنياء إلى الدعة والراحة، واستغلال الآخرين في ذلك جعل الناس ينظرون إليه كأنه نظام فطري لا غنى عنه وكانت الجماعات البدائية لا ترى فارقا بين الحر والعبد، ولا تجد رقا ولا طبقات، ولا تدرك من الفوارق بين الرئيس وتابعيه إلا قدرا ضئيلا وبالتدريج، أخذ تقسيم العمل وما يقتضيه الاختلاف بين الناس، يستبدل شيئا فشيئا المساواة بقليل من التحكم الذي زاد على مرور الأيام، ثم لما ازدادت الآلات والصناعات تعقدا، عمل ذلك على إخضاع الضعيف لمشيئة القوى، وكلما ظهر سلاح جديد في أيدي الأقوياء زاد من سلطانهم على الضعفاء واستغلالهم إياهم ثم عمل نظام التوريث على اتساع الهوة بأن أضاف إلى الامتياز في الفرص السانحة امتيازا في الأملاك وقسمت المجتمعات التي كانت يوما متجانسة إلى عدد لا يحصى من طبقات وأوساط، وأحس الأغنياء والفقراء بغناهم أو فقرهم إحساسا يؤدى إلى التشاحن، وأخذت حرب الطبقات تسرب خلال التاريخ حتى انتهت إلى وجود طبقة من الناس تستخدم وكأنها آلة تتحرك بغير إرادتها يحركها الغير، وكأنها دمية توجه حسب ما يريد لها سيدها"
هذه نظرية التطور المجنونة التى نست وحى الله وى أعرف كيف يقوم رجل يعلم الدين بتصديقها وقصة آدم(ص) فى الجنة تدل على تعليمه القراءة والكتابة وهو أمر يحتاج لأدوات القلم والسبورة فكيف يكون رجل عالم يقرأ ويكتب لا يعرف ما علمه الله تعالى من الأسماء ومعانيها وكيفية الاستفادة منها وزد على هذا أمره بالأكل من الأشجار عدا شجرة وإنزال اللباس وهو الملابس عليه عند انكشاف عورته هو وزوجته
الرجل عاش فى الجنة حيث الأسرة والفرش والوسائد والبطائن والنمارق وغير هذا من الضروريات المنزلية وهو ما يعنى أنه حتى لو لم يتعلم صناعة تلك الأمور فقد قلدها عندما نزل للأرض ومن ثم فالناس لم يمروا بمراحل التطور المجنونة حيث كانوا لا ينطقون ولا يعرفون كتابة ولا قراءة ولا زرع ولا قلع كما تزعم النظرية
وبين الجمل أن فلاسفة الأمم وهم جهال الأمم أقروا العبودية فى المجتمعات فقال :
"ولم يستطع الفلاسفة القدامى أن يغيروا شيئا من الواقع، وإنما زادوه تثبيتا، وكأنما هذا الصنف من الناس إنما خلق بغير إرادة ولا حول ولا قوة، فأفلاطون يقضي في جمهوريته الفاضلة بحرمان الرقيق حق المواطنة وإجبارهم على الطاعة والخضوع للأحرار من ساداتهم أو من السادة الغرباء، ومن تطاول منهم على سيد غريب أسلمته الدولة إليه ليقتص منه كما يريد ومذهب أرسطو في الرق أن فريقا من الناس مخلوقين للعبودية؛ لأنهم يعملون عمل الآلات التي يتصرف فيها الأحرار ذوو الفكر والمشيئة، فهم آلات حية تلحق في عملها بالآلات الجامدة ويحمد من السادة الذين يستخدمون تلك الآلات الحية أن يتوسموا فيها القدرة على الاستقلال والتمييز فيشجعوها ويرتقوا بها من منزلة الأداة المسخرة إلى منزلة الكائن العاقل الرشيد"
ثم تحدث عن وجود الرق قبل رسالة النبى الأخير (ص)والمفترض ألا يسمى العنوان كما سماه الرق قبل الإسلام لأن الإسلام موجود من أول البشرية وحتى نهايتها فليس هو شىء خاص بالنبى الأخير(ص) فبين ما حكاه القرآن عن استرقاق يوسف(ص) فى مصر وبين وجوده فى الأديان الكافرة فقال :
"الرق قبل الإسلام
كان الرق من دعائم المجتمع عند قدماء المصريين، وكانوا يتخذون الإماء للخدمة، وللزينة ولمظاهر الأبهة، فكانوا بقصور الملوك، وبيوت الكهان والأعيان، وهم إن كانوا يسيئون معاملة رقيق الخدمة، بحيث يعتبرونهم كآلة صماء، فإن رقيق الزينة على العكس فقد كانوا يلقون معاملة حسنة كما يدل على ذلك قول العزيز لامرأته في حق يوسف عليه السلام {وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا} (يوسف آية3 )ولقد أباح العبرانيون الرق، وذكر في التوراة في مواضع ، وكان الرق عندهم نوعين: استرقاق الأفراد لارتكاب خطيئة محظورة، واسترقاق غير اليهود في الحروب وكذلك أباحته المسيحية، وأمر بولس مدعي الرسالة العبيد بطاعة سادتهم كما يطيعون السيد المسيح فقال في رسالته إلى أهل أفسس:"أيها العبيد! أطيعوا سادتكم حسب الجسد، بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح، ولا بخدمة العين كمن يرضى الناس، بل كعبيد المسيح عاملين مشيئة الله من القلب خادمين بنية صالحة كما للرب ليس للناس عالمين، أنه مهما عمل واحد من الخير فذلك يناله من الرب عبدا كان أم حرا"وأوصى مدعى الرسالة بطرس بمثل هذه الوصية، وأوصاها آباء الكنيسة، لأن الرق كفارة من ذنوب البشر يؤديها العبيد لما استحقوا من غضب السيد الأعظم ونص في الإنجيل على أن الناس كلهم إخوان، ولكنه لم ينص على منع الاسترقاق، لذلك أقرته جميع الكنائس على اختلاف أنواعها ولم تر فيه أقل حرج ولم ير من جاء من باباوات النصارى ولا قديسيهم حرجا من إقرار الرق حتى قال باسيليوس، في كتابه القواعد الأدبية، بعد أن أورد ما جاء في رسالة بولس إلى أهل افسس: " هذا يدل على أن العبد تجب عليه طاعة مواليه تعظيما لله عز وجل" إن الطبيعة (هكذا قول بولس) قضت على بعض الناس بأن يكونوا أرقاء، واستشهد على نظريته (كما يرى هو أي بولس) بالشريعة الطبيعية والشريعتين الوضعية والإلهية وقال القسيس المشهور بوسويت الفرنسي: "إن من حق المحارب المنتصر قتل المقهور فإن استعبده واسترقه فذلك منه منة وفضل ورحمة"وقد بقى الاسترقاق معتبرا من الأمور المشروعة لدى المسيحيين؛ فقد جاء في دائرة معارف لاروس أن رجال الدين الرسميين يقرون صحة الاسترقاق ويسلمون بشرعيته وإذا كانت الأديان التي سبقت الإسلام، قد أباحت الرق، فإن جميع الأمم المعروفة لنا في القديم قد أباحته كذلك ففي الهند قسمت الشرائع البرهمية القديمة الأشخاص الملزمين بالخدمة إلى قسمين وهما الخادمون والأرقاء، فالأعمال الطاهرة من خصائص الخادمين، والأعمال النجسة على عواتق الأرقاء
وكانت الشريعة الهندية تقضى على أن الرقيق لم يخلق إلا لخدمة البرهمي- وهم الطبقة المقدسة عندهم- فكانوا يتخذون الرقيق من إحدى طبقات المجتمع التي تعتبر صفة العبودية لازمة لها حتى لو تخل السيد عن عبده فإنه يبقى رقيقا لا يصلح أن يتمتع بحريته كغيره من الناس، وكانت القوانين عندهم تقضى بقتل العبد لأقل هفوة يرتكبها، أما التنكيل به والانتقام منه بسائر الوسائل الوحشية فحدث ولا حرج وكان الرق عند الفرس بدولتهم العظيمة التي امتدت في حدود آسيا المعروفة كثيرة، فكان الأرقاء الرعاة، والأرقاء المختصون بحاجات الزينة والثروة واليسار، ومنهم من خصص لعمل القبائح المنكرة التي قضت بها خرافات القوم قال هيرودت: "ولا يجوز لأي قاس أن يعاقب عبده على ذنب واحد اقترفه بعقاب بالغ في الشدة والصرامة لكن إذا عاد العبد لارتكاب هذا الذنب بعدما أصابه من العقاب فلمولاه حينئذ أن يعدمه الحياة أو أن يعاقبه بجميع ما يتصور من أنواع العذاب" ولعل الصين كانت في القديم من أكثر الدول اعتدالا في معاملة رقيقها، فكان يستخدم للمنفعة العامة، وكانوا يجلبون الرقيق من الخارج بواسطة الحروب والأسلاب، أو يأخذونهم من البلاد بسبب الفقر والحاجة، لأن الفقير كان يضطر لبيع نفسه أو لبيع أولاده، وكان الاسترقاق في تلك البلاد قليل الشدة والصعوبة؛ لأن الشرائع والعرف والأخلاق كانت تساعد على تلطيف حاله وقد ورد في أثارهم:
" إن الإنسان هو أفضل وأشرف المخلوقات التي في السماء والتي على الأرض، فمن قتل رقيقه فليس له من سبيل في إخفاء جرمه، ومن أخذت به الجرأة فكوى رقيقه بالنار، حوكم على ذلك بمقتضى الشريعة، ومن كواه سيده بالنار دخل في عدد الوطنيين الأحرار"وإذا تركنا آسيا وانتقلنا إلى أوربا لم يكن حال الرقيق بأحسن مما كان عليه الحال في بلاد فارس أو الهند فلقد كان المجتمع اليوناني المقسم إلى سادة وعبيد يبالغ في احتقار العبيد على الرغم من استخدامهم في سائر المرافق، وكانوا يعتقدون أن الأرقاء إنما خلقوا لخدمة السادة والأمراء، وكانوا يعتبرونهم جزءا من الأرض يباعون ويشترون، وكان المورد الأساسي للعبيد عندهم الأسر في الحروب، وأهل البلاد المغلوبة التي يعملون فيها، وكانت القرصنة هي المورد الثاني للعبيد وعندما نشطت تجارة الرقيق في أثينا لم تقف مطامع النخاسين عند حد، وصار القراصنة اليونانيون يخطفون المسافرين، والسكان الآمنين في الشواطئ الأفريقية والأوربية ويبيعونهم للناس في الأسواق من غير خجل ولا تكبر وكان حق المولى على عبده أنه جزء من أملاكه وأمتعته، فله رهنه أو بيعه، والتصرف فيه كما يشتهى لا يمنعه مانع ولم يكن الحال عند الرومان بأقل مما كان عليه غيرهم من حيث استخدامهم في الأعمال الجسمانية، ومساواتهم بالأمتعة والفرش، فكانوا يباعون بالمزاد وكانوا يوقفون على مكان عال بحيث يتيسر لكل واحد أن يراهم ويمسهم بيده، ولو لم يكن له نية في شرائه أحيانا كانوا يشاهدون كيوم ولدتهم أمهاتهم، وكان الرق في نظرهم نتيجة الأسر والسبي، أو الميلاد، أو الدين أو الفرار من الجيش ومن العجيب أن الدولة كانت تسترق بعض الأفراد بسلطة القانون مثل أن يمتنع الشخص من أداء الضريبة، أو بعيب عندما يطلب منه الحضور، فيمتنع فيصبح حينئذ في عداد الأرقاء وكذلك كان المجرمون والثوار يسترقون للدولة، أما الملحدون في الدين فكانوا يسترقون للمعاد وكان الإسبرطيون يكرون العبيد لمن يرغب في ذلك، ويشغلونهم في الحروب والقتال زيادة في الخدمة، وفلاحة الأراضي وحراستها وغير ذلك من أنواع العمل الشاق وكانت القرون الوسطى مسرحا للاسترقاق وتكاد كلها تتشابه مع الرومان ويعتبر الرقيق كجزء من متاع البيت فهو بمنزلة الفرس والثور، وغيرهما من الحيوانات المستخدمة الأهلية، فكان المولى في شرعهم يتصرف بعبده كما يتصرف بما عنده من الأشياء ذات القيمة، وكان لا يجوز له قتله لأنه شيء من الأشياء التي تملكها يمينه، ولم يختلف الاسترقاق عن سابقه عند الغاليين وهم السكان المعروفون في فرنسا وأمام جبال الألب في إيطاليا الشمالية وأقاليم الغاليا في الجزر البريطانية وإسبانيا وكذلك سكان جرمانيا- ألمانيا- فكانوا يحتكمونهم بطريقة الشراء أو الميراث، وكانوا يكلفون بخدمة المنازل، وكان الولي يفرض عليه مقدارا من القمح أو الماشية أو الملابس كأنه من مؤاجريه، وكان سكان نهر الرين الأسفل إذا تزوج أحد الأهالي برقيقة أجنبية وقع في الرق والاستعباد وكذلك المرأة الحرة التي تتزوج برقيق تفقد حريتها، وينالها العقاب وكان عند القوط أن المرأة الحرة إذا تزوجت برقيقها، كانت عقوبتها أن تحرق هي وإياه وهما على قيد الحياة، وإذا كانت لا تمتلك العبد يفسخ النكاح، ويجلد كل منهما بالسياط، ولكن التصرف في العبد بالموت، كان يلجأ السيد إلى القاضي، ليحكم حكمه، ثم يسلمه لسيده ليفعل به ما يريد، وكانت قبائل الويز يغوط تشدد النكير في مسألة تزواج الأحرار بالأرقاء، حتى نص القانون على أن المرأة الحرة إذا تزوجت بعبدها فعقابها أن تحرق هي وهو حيين، وكذلك كانت قبائل الاستورغوط، فقد كانوا يقتلون المرأة التي تتزوج بعبد وكان الأنجلو ساكسون يقسمون الرقيق إلى نوعين هما الرقيق المشبهون بالمنقولات والمشبهون بالعقارات، فالصنف الأول يجوز بيعهم أما الآخرون فكانوا لا ينفكون عن الأرض يقومون بحراثتها وزراعتها من هذا يتبين أن الأرقاء لم يكن لهم أي تصرف في أنفسهم، ولا أمل لهم في حياة إنسانية أو شبه إنسانية وكانت تجارة الرقيق نشطة في أسواق أوربا، ومواني جنوة والبندقية وليفورن في إيطاليا، تعج بالمراكب التي تحمل أبناء السود من الجنسين المخطوفين من إفريقيا، وبعض دول آسيا، وكان أكثر القائمين على هذه التجارة من اليهود ولم يكن الحال في أمريكا بأقل منه في الدنيا القديمة، فلقد كانت بواخرها تنتقل بين شاطئ أفريقية وبين أمريكا حاملة الألوف من أهل إفريقية للاتجار، وللزراعة، وكانت حالتهم شبيهة بحال إخوانهم في الدنيا القديمة، فهم بين العمل، والاحتقار، والمهانة فكان على غاية الشدة والقسوة، وكان مقتضى القانون الأسود أن الحر إذا تزوج بأمة صار غير جدير بأن يشغل وظيفة في المستعمرات وكانت القوانين تصرح بأن للسيد كل حق على عبده حتى حق الاستحياء والإماته وكان يجوز للمالك رهن عبده، وإجارته، والمغامرة عليه وبيعه، كأنه بهيمة وكان لا حق للأسود أن يخرج من الغيط، ويطوف بشوارع المدن إلا بتصريح قانوني، ولكن إذا اتفق واجتمع في شارع واحد أكثر من سبعة من الأرقاء ولو بتصريح قانوني، كان لكل أبيض إلقاء القبض عليهم وجلدهم، وقد صرح قانونهم على أن ليس للعبد روح ولا عقل وأن حياتهم محصورة في أذرعهم ولقد بدأ إلغاء الرق في أمريكا في منتصف القرن الثامن عشر، وفي سنة 1857 نشبت الحروب بين الولايات الشمالية والجنوبية من أجل إعلان حرية العبيد، ولم يتحقق إلا سنة 1865م بعد انتصار الشماليين على الجنوبيين وقد ظلت التفرقة العنصرية شائعة سنوات عديدة، ولم يكن من الممكن أن يدخل العبيد في الأماكن التي فيها الأسياد ولا أن يركبوا مراكبهم، وكثيرا ما كان البيض يثورون ضدهم، ويشبعونهم ضربا وتقتيلا، وكان القانون دائما في صف البيض
ومع مرور الأيام بدأ يخف هذا النمط من المعاملة حتى أخذ العبيد أو السود كما يسمونهم شيئا من المشاركة في الحياة العامة ولقد بقي الرق على شرعيته عند غير المسلمين إلى أن قررت الثورة الفرنسية إلغاءه سنة 1779 م ومع ذلك فإن عامة البلاد الأوربية والأمريكية ظلت تمارسه إلى نهاية القرن التاسع عشر؛ أي بعد الثورة الفرنسية التي أعلنت مبادئ الحرية والمساواة بين الناس بما يزيد على قرن كامل من الزمن وكان الرق في الجزيرة العربية لا يختلف كثيرا عما كان عليه في الأمم الأخرى وكانت الحروب الدعامة الكبرى للرق، فعندما تقوم الحرب ويأسر الغالب المغلوب يأخذه أسيرا عنده وأيضا كان الرق نتيجة للثراء بعد أن يخطف الرقيق؛ فلقد خطف زيد بن حارثة وهو صغير في أثناء لعبه بعيدا عن أمه وهو عند أخواله، ثم بيع في إحدى الأسواق القريبة من مكة واشتراه حكيم بن حزام ابن أخي السيدة خديجة بنت خويلد، ثم أهداه حكيم إلى عمته ولما رأت رضى الله عنها رغبة زوجها الأمين محمد بن عبد الله قبل البعثة أن يلازمه فيقوم بخدمته، قدمته إليه هدية فلزم الرسول (ص)قبل الرسالة وبعدها وكانت تجارة الرقيق من أهم موارد الثروة عند أهل مكة في الجاهلية ومن أشهر تجار الرقيق عبد الله بن جدعان وكان ذا تجارة واسعة في الرقيق
ولقد حرم الأرقاء في الجاهلية من كافة الحقوق المدنية، ومن التصرف في شئونهم الخاصة وغالبا ما كنوا يطلقون كلمة السبايا على النساء خاصة وفي ذلك يقول الشاعر:
فعادوا بالغنائم حافلات وعدنا بالأسارى والسبايا
وكان العبد أحيانا ينال حريته؛ وذلك إذا أظهر شجاعة فائقة في الحروب والقتال ضد من يعتدي على سيده وعلى قبيلته، ويحفظ لنا التاريخ قصة عنترة المشهورة وعتق وليه وأبوه له، وجعله حرا يتصرف تصرف الأحرار بعد أن كان عبدا يرعى الغنم، وأيضا فقد يكون الإخلاص الشديد سببا في العتق ومهما يكنا من وجود طريق إلى حرية الرقيق فقد كانت قليلة بل نادرة، وكانت معاملة الرقيق لا تضرج عما كان متبعا في الدول الأخرى"
الرجل هنا ذكر بعض ما ورد فى كتب التاريخ والأديان عن الرق والرقيق مرجعا السبب الرئيسى إلى الحروب وبشكل أقل عمليات الخطف وهو ما ذكره من نصوص فى بعض الأديان كالهندوسية يجعل السبب الرئيسى عندهم هو الدين كما أن بعض الأديان ممثلة فى القوانين أو التقاليد أو العادات أباحت طرقا أخرى كالبيع والشراء كما فى قوله تعالى فى شريعة لأهل مصر فى عهد يوسف(ص) "وشروه بثمن بخس دراهم معدودة"
ثم تحدث عما حدث فى عهد البعثة النبوية فقال:
"الرق في الإسلام
جاء الإسلام والعالم تتحكم فيه قوتان كبيرتان هما الفرس في أسيا والروم في أوربا، والفوارق الطبقية بلغت مداها، وما يزال الرق منتشرا، والرقيق يعاملون وكأنهم جزء من المتاع لا يملكون من أنفسهم شيئا
جاء الرسول الأعظم محمد بن عبد الله (ص)في الجزيرة العربية بشريعة رب العالمين، فيها سعادة البشر في الدنيا والآخرة، ولم تكن دعوته لقوم دون قوم، أو لطائفة وحدها وإنما هي دعوة لجميع البشر، في أنحاء المعمورة لا تتقيد بمكان أو زمان إلى يوم القيامة: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا} (سورة سبأ 8)
وأول ما دعا إليه الإسلام حفظ كرامة المسلم، وتحريره من كل القيود لا فرق بين أسود وأبيض أو غني وفقير أو حاكم ومحكوم، الكل أمام الله سواء{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (سورة الحجرات ) ومما يروى في سبب نزول هذه الآية: ما روي أنها نزلت في أبي هند، أمر رسول الله (ص)بني بياضة أن يزوجوه امرأة منهم، فقالوا يا رسول الله ونزوج بناتنا موالينا فنزلت الآية ويقول الرسول (ص): "لا فضل لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود إلا بتقوى الله"ولقد عامل الإسلام في أول عهده الرقيق الذين أسلموا- وما يزالون قريبين من العهد الجاهلي- أحسن معاملة، ولم يلغ ما سبق في الجاهلية حتى لا تفسد أمور الناس، وينشغلوا عن أصل الرسالة بأمور جانبية"
الخطأ فى الفقرة السابقة هو أن الاية نزلت فى تزويج ألو عند المولى امرأة أنصارية والآية ليس فيها ذكر للزواج وإنما ذكر للأمر الذى يتفاضل به الناس وهو التقوى وكون سبب خلقهم التعارف وهو تعلم الدين للتعامل مع بعضهم البعض كما أن القول المنسوب للنبى(ص) فى الرواية "لا فضل لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود إلا بتقوى الله"لا علاقة له بتساوى الأحرار والعبيد لأنه ذكر اللغة وذكر اللون فقط
ثم بين أن الإسلام جاء بطرق بتخليص الرقيق من رقهم فذكر شراء المسامين الأغنياء العبيد لعتقهم كما حدث مع بلال فقال :
"لقد عاملهم معاملة حسنة، وكان إسلامهم طريقا إلى التخلص من الرق بطريق مشروع؛ كأن يشترى العبد المسلم من سيده ويعتق، كما حصل للعبد بلال بن رباح، فقد أسلم، ولكنه ما يزال عبدا لسيده أمية بن خلف الذي أذاق بلالا كل أصناف التعذيب، فكان يتركه في حرارة الشمس القاتلة ساعات الظهيرة كي يرجع عن إسلامه، ولكنه كان قوي الإيمان فتحمل العذاب الأليم إلى أن جاء أبو بكر الصديق واشتراه وأعتقه"
ثم ذكر أن الإسلام لم يفرق بين الموالى أو العتقاء والأحرار فى قيادة الجيوش فجعل بعض قادة من العتقاء لسبقهم للإسلام فقال :
"ولقد وجد الرقيق في الإسلام عزا وكرامة، ووجدوا في أخوة الإسلام ما جعلهم يعيشون أحرارا، يرتقون بهذه الأخوة إلى أسمى الرتب ولنضرب لذلك مثلا بزيد بن حارثة وابنه أسامة الذي ولى قيادة جيش المسلمين، ولما يناهز الثامنة عشرة وقد ولاه الرسول (ص)في آخر حياته، ونفذه كبار الصحابة بعد وفاته، ومشى أبو بكر الخليفة رضي الله عنه وهو راكبـ، وكان تحت قيادته الصحابة من أمثال عمر وعلى وغيرهما رضي الله عنهم أجمعين ولقد افتخر المسلمون بأن رابع الذين أسلموا كان زيد بن حارثة، فقد أسلم بعد السيدة خديجة زوج الرسول (ص)وأبى بكر وعلى "
ثم طرح الجمل السؤال التالى هل في الإسلام رق؟
ثم أجاب أنه حرم الاسترقاق نهائيا فقال :
"الإسلام لا يبيح أن يسترق مسلم مسلما مهما كانت الدوافع العدائية بينهما، فالمسلم المولود من أبوين حرين لا يجوز استرقاقه في أي حال من الأحوال، فالاسترقاق لا يجوز بين أهل الدين الواحد, بل لقد جاء في القرآن الكريم النهي عن مقاتلة المسلمين بعضهم بعضا
يقول المولى سبحانه وتعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين}
وكذلك لا يبيح الإسلام للمسلمين استرقاق أهل الكتاب الذين يعيشون بينهم والذين أمنهم على أنفسهم وأهلهم وأموالهم وكذلك الذين ليس لهم كتاب كعبدة الأوثان، والذين لم نحاربهم فالصحيح أن استرقاقهم لا يجوز مطلقا ولقد أغلق الإسلام كل أبواب الرق التي كان السابقون يتخذونها ذريعة إلى الاستعباد والتحكم الأعمى في رقاب بني آدم الذين كرمهم الله وفضلهم على جميع المخلوقات وأحل لهم الطيبات وجعل فيها رزقهم: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} (الإسراء الآية 70)فلا أسر بدون حرب، ولا نهب للناس، ولا استعباد بالدين أو المراهنة أو القوة أو الاستحسان "
ورغم كون الرجل حرم استرقاق الإسلام الكل فى كل الأحوال فإنه عاد وناقض نفسه فذكر وجود استرقاق لأسرى الحرب فقال :
"ولقد حاول الإسلام جهده أن يلغي ذلك النظام ويحول دون انتشار الرق بشتى الوسائل فقد قال فقهاء الإسلام:
"إن كل من أسلم قبل الأسر في الحروب بين المسلمين وغير المسلمين عصم نفسه وماله وإن مجرد دخول العدو المحارب دار الإسلام أمان له من السبي وإذن فالرق الموجود في الإسلام إنما يكون في حالة واحدة هي الحرب التي شرعها الإسلام لحماية الدعوة والدفاع عن أنفس المسلمين كما جاء في قوله تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز, الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} فهذه الآيات تفيد ما يأتي:
أولا: أن تشريع القتال في الإسلام إنما كان لحماية الدعوة، وحماية المؤمنين المضطهدين فهو دفاع لا هجوم ووسيلة لغاية شريفة
ثانيا: أن القتال من هذا النوع هو من باب ما يقال (القتل أنفى للقتل) فالمراد به هو استقرار السلام وضمان الحريات العامة, فالحرب التي يقوم بها المسلمون لحماية دعوتهم تستوجب ظهور الإيمان ونصرة العقيدة، بدون إكراه لغيرهم، فلقد كانت بيوت العبادة لليهود وللنصارى قائمة بجانب المساجد وكانت هناك دائما حرية العبادة للجميع
ثالثا: أن الغاية من حرب الإسلام هي أن يتمكن المسلمون من إقامة شعائر الدين بكل حرية ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكرومعنى ذلك أن يتحقق وجود العالم الأفضل الذي أراده الله لعباده وتستأصل الرذائل والشرور من هذه الأرض
فإذا قامت الحرب واشتدت وتعرض الطرفان للقتل والأسر فماذا سيصنع الأعداء بأسرى المسلمين؟
لا شك في أنهم سيأخذونهم رقيقا عندهم فهل يطلق المسلمون الحرية لأسرى أعدائهم بينما المسلمون الأسرى هم عبيد لغيرهم يباعون ويشترون؟
لذلك نجد الإسلام جعل هذه الحالة ضرورة وقتية تزول بزوال أسبابها ودوافعها وجعل أيضا معاملة العدو بمثل معاملته، وحيث أنه لم تكن هناك قوانين عامة تحمي أسرى الحرب من الاسترقاق، فليس هناك وسيلة للضغط على العدو من أجل تحسين معاملة الأسرى الذين يقعون في يده ومحاولة استخلاصهم من الرق والإسلام لم يوجب هذا الاسترقاق الذي جاء عن طريق الحرب، بل أباح الخيار بين أن يقبل الفداء من أسرى العدو أو يمن عليهم بإطلاق سراحهم بدون فداء، وهذا ما صرحت به الآية الكريمة فقال تعالى: {حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها}"
ما ذكره من كون الأسر استرقاق هو ضرب من الخبل فالاسترقاق يوجب بقاءهم فى عهدة المسلمين حتى يموتوا ولكن الله شرط انتهاء الأسر بانتهاء الحرب
ثم ضرب الجمل أمثلة من التاريخ عن اطلاق سراح الأسرى فى بدر وفى حطين فقال:
"ولقد تأسى الخلفاء الراشدون والصالحون من بعدهم بما جاء به القرآن الكريم وما فعله الرسول الأمين، فكثيرا ما كانوا يمنون على الأعداء المقاتلين بالفداء أو بدونه ويتركونهم ابتغاء وجه الله وكثيرا ما كانت هذه المعاملة الحسنة تأسر قلوبهم
ولقد وجدنا البطل المغوار صلاح الدين الأيوبي قائد الحروب ضد الصليبيين يطلق آلاف الأسرى من أعداء الإسلام الذين أتوا من أوروبا يقصدون الاستيلاء على البلاد وإهلاك العباد والذين هاجموا بلاد المسلمين وكبدوها من الخسائر في النفوس والأموال الكثير
ولن ينس التاريخ ما فعله الرسول الأعظم بأسرى غزوة بدر فقد جعل المفاداة لهم بالمال أو بأسرى مسلمين أو بالقيام بعمل شريف نبيل كتعليم العلم فقد جعل الرسول (ص)فداء كل أسير تعليم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة وتغنى شعراء المسلمين بالمن على الأسرى وإطلاق سراحهم وجعله من أكرم الصفات وأنبل الأفعال إذ يقول شاعرهم:
ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم إذا أثقل الأعناق حمل المغارم"
ثم تكلم الجمل عن وسائل التخلص من الرق فى الإسلام فقال :
"الإسلام يدعو لتحرير الرقيق:
اعتبر الإسلام الرق عارضا حتى قال العقاد رحمه الله: "شرع الإسلام العتق ولم يشرع الرق؛ إذ كان الرق مشروعا قبل الإسلام في القوانين الوضعية والدينية بجميع أنواعه: رق الأسر في الحروب، ورق السبي في غارات القبائل بعضها على بعض، ورق الاستدانة أو الوفاء بالدين" وغير ذلك مما كان القوم يستحدثونه
ولهذا شرع الإسلام وسائل كثيرة إن حصل رق في حرب وذلك مساعدة للأرقاء على استرداد حريتهم، واستقلالهم، فأوصى الله سبحانه وتعالى بالأرقاء وبالدعوة إلى إطلاق سراحهم وكما أوصد الإسلام كل أبواب الرق المحرمة فإنه فتح أبواب التحرير على مصاريعها لأنه يدعو إلى الحرية ورفع نير الاستعباد والاضطهاد وإزالة كل وسائل الامتهان والاحتقار والسخرية والازدراء، وبهذا ألغى جميع صور ومصادر الرق الأخرى المبنية على الظلم والجور والحيف والتعسف واعتبرها محرمة شرعا لا تحل بحال
دعا الإسلام إلى مكاتبة الأرقاء، وندب إلى إعتاقهم وحث على ذلك فقال تعالى في كتابه العزيز: {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} (النور الآية )
ومما ورد في سبب نزولها ما أخرجه ابن السكن في معرفة الصحابة عن عبد الله بن صبيح عن أبيه قال: "كنت مملوكا لحويطب بن عبد العزى فسألته الكتاب فأبى فنزلت الآية"
الرواية خاطئة فالرواية تتحدث عن المسلمين الذين عندهم فتيان أو إماء وليس عن كفار كحويطب ثم تحدث عن آية النور فقال :
"بل لقد نهى الشرع الحكيم عن استخدام الرقيق فيما حرم الله: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا} ومما ورد في سبب نزول هذه الآية ما روي عن ابن عباس بسند صحيح قال: " كانت لعبد الله بن أبي جارية تزني في الجاهلية فلما حرم الزنا قالت: لا والله لا أزني أبدا فنزلت"
فالآية لا تتحدث عن الزنى لأن الزنى محرم ولا يمكن أن يكون مسلما من يشغل فتياته فى البغاء وهو الزنى ولا يمكن أن يبيح الله البغاء بمعنى الدعارة للمسلم بأى شكل من الأشكال وإنما تتحدث الآية عن حرمان البنات من الزواج للحصول على ميراثهن أو التصرف فى أموالهم
ثم بين الرجل وسائل أخرى لتخليص العبيد والإماء من الرق فقال :
"وجعل الشرع الحكيم وسائل فردية تحرى فيها الإسلام العتق وتعجيل فكاك الأسرى ومن ذلك جعله العتق كفارة عن كثير من الذنوب كالقتل الخطأ فقال تعالى: {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة}
فمما ورد في سبب نزول هذه الآية أن الحارث بن يزيد من بني عامر بن لؤي كان يعذب عياش بن أبي ربيعة مع أبي جهل ثم خرج الحارث مهاجرا إلى رسول الله (ص)فلقيه عياش بالحرة فعلاه بالسيف وهو يحسب أنه كافر ثم جاء إلى النبي (ص)فأخبره فنزلت الآية
كذلك إذا حنث المسلم بيمينه فإن كفارته أيضا عتق رقبة قال تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} وكذلك الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا قال تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا}
روت عائشة قالت: "تبارك الله الذي وسع سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله (ص)، وتقول: يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} "
أيضا يحسب من الرذائل المأخوذة على الإنسان السيئ أنه لا يقتحم هذه العقبة أو لا ينهض بهذه الفدية المؤكدة, إنها سبيل إلى رحمة الله، وطريق إلا جنته: {فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة} وأيضا فقد جعل الشرع الحكيم للإعتاق بابا من أبواب الزكاة، وقسمها سبحانه وتعالى بنفسه وجعل فيها سهما مفروضا لتحرير الرقاب قال تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} ففي الرقاب إنما يكون العتق"
وبعد أن ذكر ما يعلمه من وسائل القرآن فى التخلص من الرق ذكر الروايات فاستهل كلامه برواية لا تتحدث عن الموضوع من قريب او بعيد وهى فى النذر فقال :
وبجانب القرآن نجد السنة توضح وتبين أسبابا للعتق فمن أوجب على نفسه تحرير رقبة بالنذر وجب عليه الوفاء به متى تحقق له مقصوده وتم له مراده
قال (ص): "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه"
فلا يوجد أى ذكر للرق أو وسائل التخلص منه هنا ثم ذكر الروايات التالية:
"كذلك من أعتق نصيبه من مملوك عتق عليه كله بالسراية وسلم قيمته لشركائه إن كان موسرا، فعن أبي هريرة عن النبي (ص): "من أعتق شقصا من مملوك فعليه خلاصه كله في ماله فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل ثم استسعى العبد غير مشقوق عليه"
والرواية هنا لم يقلها النبى (ص) لأنه توجل على معتق نصيبه أن يعتق العبد كله دون أن تذكر هل يملك مالا يفعل به هذا أو لا وهناك رواية أخرى أصح معنى وهى تقول أن لم يكن له مال فقد أعتق نصيبه فقط قم ذكر الروايات التالية:
"وكذلك من ملك ذا رحم محرم عليه كأبيه وأخيه وعمه وخاله، وأمه وعمته وخالته عتق عليه قهرا لقوله (ص): "من ملك ذا رحم محرم فهو حر" رواه أهل السنن
أيضا من جرح مملوكه عتق عليه، فقد جاء في الحديث: أن رجلا جدع أنف غلامه فقال (ص): "اذهب فأنت حر" فقال: يا رسول الله فمولى من أنا؟ قال (ص): "مولى الله ورسوله"
ثم ذكر الرواية التالية:
"وأيضا التدبير وهو تعليق عتق الرقيق بموت مالكه روى جابر بن عبد الله قال: "دبر رجل من الأنصار غلاما له وفى لفظ بلغ النبي (ص)أن رجلا من أصحابه أعتق غلاما له عن دبر لم يكن له مال غيره فباعه رسول الله (ص)بثمانمائة درهم ثم أرسل بثمنه إليه"
وهى رواية تبقى الرق وليست تمنعه والنبى(ص) لم يمنع عتق أحد لأن الرواية هنا جعلته باع العبد وهو ما يعنى أن أبقاه فى الرق فى عهدة من اشتراه وهو كلام لا يتفق مع رحمته (ص) ثم قال :
"وإذا وطئ حر أمته فأتت منه بولد صارت أم ولد له تعتق بموته لحديث ابن عباس يرفعه: "من وطئ أمته فولدت فهي معتقة عن دبر عنه" رواه أحمد وابن ماجه"
وهى رواية تبيح الاغتصاب وهو ما حرمه الله فأوجب زواج الفتاة بأمر أهلها فقال "فأنكحوهن بإذن اهلهن" وليس جماعها من دون زواج سواء كان زنى برضاها أو اغتصاب دون رضاها
قم بين الرجل ان النبى(ص) والمسلمين ضربوا المثل فى حسن معاملة الفتيان والفتيات بمعاملتهم معاملة الند فى كل شىء فقال :
"القول يتبعه العمل:
لقد ضرب لنا رسول الله (ص)المثل لنقتدي به فكثيرا ما كان يحث الصحابة على حسن معاملة الرقيق وهي القلة الباقية ثم حضهم على العتق والحريةفعن واصل الأحدب قال: سمعت المعمور بن سويد قال: "رأيت أبا ذر الغفاري وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألناه عن ذلك فقال: ساببت رجلا فشكاني إلى رسول الله (ص)فقال لي النبي (ص): أعيرته بأمه؟! ثم قال: إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم" وقال (ص): "إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين "وعن ابن مسعود قال: "بينما أنا أضرب غلاما لي إذ سمعت صوتا من خلفي: اعلم يا ابن مسعود مرتين فالتفت فإذا رسول الله (ص)فألقيت السوط من يدي فقال: والله لله أقدر عليك منك على هذا"
وبلغ من رحمة رسول الله (ص)أنه كان لا يطيق أحدا أن يقول: كان عبدي وأمتي وأنه أمر المسلمين أن يكفوا عن ذلك، وأن يقولوا فتاي وفتاتي وكان لهذه التربية أحسن الأثر في تحرير الأرقاء ونشر المساواة بين المسلمين
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص)رأى رجلا على دابة وغلامه يسعى خلفه فقال: "يا عبد الله احمله خلفك فإنما هو أخوك روحه مثل روحك فحمله"
ثم روى روايات أخرى منها :
"وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله (ص)أنه قال: "أيما مؤمن أعتق مؤمنا في الدنيا أعتق الله تعالى بكل عضو منه عضوا من النار"
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: "أتينا رسول الله (ص)في صاحب لنا قد أوجب، فقال (ص): اعتقوا عنه يعتق الله تعالى بكل عضو منه عضوا من النار"
وهذه الروايات خاطئة فالعمل الصالح يعتق المسلم من النار كاملا وليس جزء جزء ثم ذكر التالى :
"وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "جاء أعرابي إلى النبي (ص)فقال: يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال (ص): اعتق النسمة، وفك الرقبة فقال: أو ليسا واحدا؟ قال (ص): لا، عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة: أن تعين على فكاكها"ولعل ما عبر عنه القرآن الكريم في سورة البلد فيه خير كثير، فقد من الله على عباده بالنعم التي أنعم بها عليهم فقال سبحانه وتعالى: {ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين} ثم قال بعد ذلك جل وعلا: {فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة}
ولقد ضرب لنا الصحابة المثل الأعلى في معاملة أرقائهم، فساووهم بأنفسهم بل أحيانا كان يفضل الواحد منهم عبده على نفسه فقد روي أن علي بن أبي طالب قال: "إني لأستحي أن أستعبد إنسانا يقول ربي الله"
ومما روي عن علي أنه أعطى غلاما دراهم ليشتري بها ثوبين متفاوتي القيمة، فلما أحضرهما أعطاه أرقهما نسيجا وأغلاهما قيمة وحفظ لنفسه الآخر وقال له: "أنت أحق مني بأجودهما لأنك شاب وتميل نفسك للتجمل أما أنا فقد كبرت"
ولقد عني الإسلام بنفسية الأسير والرقيق عناية خاصة فقال سبحانه وتعالى يطيب خاطرهم ويفتح باب الأمل في المغفرة وحسن الجزاء {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم} "
ثم نقل الجمل نقولا ليس لها فائدة من شهادات الكفار للإسلام بحسن التخلص من الرق ومعاملة الرقيق فقال :
"ولقد أثنى على الإسلام ومعاملته للرقيق كثير من المنصفين من الأوروبيين والمستشرقين، فقد وصف المستشرق (فان دنبرغ) معاملة الإسلام للرقيق في هذه العبارة: "لقد وضع للرقيق في الإسلام قواعد كثيرة تدل على ما كان ينطوي عليه محمد وأتباعه نحوهم من الشعور الإنساني النبيل ففيها تجد من محامد الإسلام ما يناقض كل المناقضة الأساليب التي كانت تتخذها إلى عهد قريب شعوب تدعي أنها تسير في طليعة الحضارة"
نعم إن الإسلام لم يلغ الرق الذي كان شائعا في العالم، ولكنه عمل على كثير من إصلاح حاله، وأبقى حكم الأسير ولكنه أمر بالرفق
يقول جوستاف لوبون: "إن الرق عند المسلمين غيره عند النصارى فيما مضى، وإن حالة الأرقاء في الشرق أفضل من حال الخدم في أوروبا، فالأرقاء يؤلفون جزءا من الأسرة ويستطيعون الزواج ببنات سادتهم أحيانا- أي بعد أن يعتقوا- ويقدرون أن يتسنموا أعلى الرتب، وفى الشرق لا يرون في الرقيق عارا، والرقيق فيه أكثر صلة لسيده من الأجير في بلادنا"
ثم طرح الجمل سؤال هو :لماذا لم يبدأ الإسلام بإلغاء الرق؟
وكان جوابه هو "إن الإسلام قد وضع الأساس الأول لإلغاء الرقيق منذ خمسة عشر قرنا من الزمن، ولم يحاول أن يلغيه كما يقولون: بجرة قلم؛ لأن الإسلام دين إصلاح لا هدم، ولو دعا إلى تحرير كل العبيد لاهتز كيان العالم وفسدت المصالح وتعطلت حاجات الناس، وما استطاعوا في ذلك الوقت أن يأخذوا سيرهم في الحياة، فكانت الظروف الاجتماعية التي كانت موجودة عند ظهور الإسلام تحتم على كل مشرع حكيم أن يقر الرق في صورة ما، وتجعل محاولة إلغائه تصاب بالفشل والإخفاق
وأيضا فإن الإسلام لم يقر الرق إلا في صورة تؤدي نفسها إلى القضاء عليه بالتدريج يقول علي عبد الواحد وافي: "ظهر الإسلام في عصر كان نظام الرق فيه دعامة ترتكز عليهما جميع نواحي الحياة الاقتصادية، وتعتمد عليها جميع فروع الإنتاج في مختلف أمم العالم، فلم يكن من الإصلاح الاجتماعي في شيء أن يحاول مشرع تحريمه تحريما باتا لأول وهلة؛ لأن محاولة كهذه كان من شأنها أن تعرض أوامر المشرع للمخالفة والامتهان, وإذا أتيح لهذا المشروع من وسائل القوة والقهر ما يكفل به إرغام العالم على تنفيذ ما أمر به فإنه بذلك يعرض الحياة الاجتماعية والاقتصادية لهزة عنيفة، ويؤدي تشريعه إلى أضرار بالغة لا تقل في سوء مغبتها عما تتعرض له حياتنا في العصر الحاضر إذا الغي بشكل مفاجىء نظام البنوك أو الشركات المساهمة فيكون ضررها أكثر بكثير من نفعها"
ثم يقول على عبد الواحد وافي: "وبذلك كفل الإسلام القضاء على الرق في صورة سليمة هادئة وأتاح للعالم فترة للانتقال يتخلص فيها شيئا فشيئا من هذا النظام"
والإجابة ليست سليمة فسبب عدم تحريم الرق فى أول البعثة هو أن ملاك العبيد لم يسلموا وكانوا هم أكابر الكفار والشريعة تخاطب بأحكامها المسلمين ومن ثم فلم يكن هناك معنى لأمر الناس بإلغاء الرق لكونهم مكذبين بالوحى وإنما كانت الأحكام للمسلمين وهم نفذوها بالعتق وغيره مما قاله الله
فى القرآن أحكام عامة من يفكر فيها سيجدها قاضية على الرق كما فى قوله تعالى " وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين" فالمال يوزع بالعدل على الكل معناه تساويهم فى المكانة
ثم تحدث الرجل عن أثر الرق في الإسلام فقال :
"كان سبب الرق في الإسلام وقوع الكافر أسيرا في يد المسلمين عند الحرب، فإذا حارب المسلمين الكفار فمن وقع أسيرا في يد المسلمين عند الحرب جاز للإمام أن يسترقه رجالا كانوا أو نساء وكان الأرقاء يوزعون على المسلمين غنائم حرب كما نص عليه الشرع الحكيم وكما جاء في القرآن الكريم: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير}
ولما كان الإسلام يستبيح الرق في حالة الحرب، وقد انتصر في المعارك التي خاضها في أول العهد بالدعوة فقد كثر الأسرى والرقيق، وكان وجودهم مع العرب بالكيفية التي حث الإسلام على اتباعها معهم له أكبر الأثر في عملية المزج بين العرب وغير العرب .....
ولا يحتج بهم على التشريع للرق في الإسلام لأن أعمالهم وعمل من أتى من بعدهم ليست من الإسلام والإسلام بريء منها لأن معظم الرقيق والجواري لم يكونوا عن طريق حرب إسلامية يدافع فيها المسلمون عن عقيدتهم، وإنما كان عن طريق شراء المخطوفين والمخطوفات والراغبين والراغبات وغير ذلك مما يتبرأ منه الإسلام والمسلمون"
الفقرات السابقة هى عبارة عن تصديق للتاريه الكاذب الذى يبيح الرق والسبى وهو أمر حرمه الله فلا توجد سبايا يتم اغتصابها أو الزنى معها برضاها لأن الله جعل زواج الإماء واجب طالما كن مسلمات فقال "وأنكحوهن بإذن أهلهن " وقال "وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم"
والمجانين الذين شرعوا السبى والرق غفلوا عن قوله تعالى " ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه لمثل ما اعتدى عليكم"
فإن كنا نستحل نساء الكفار واستخدامهم فسوف يستحلون نسائنا واستخدامنا قماذا لو استرق الكفار فقيها ممن قالوا هذا الكلام المجنون ؟ماذا لو استرقوا زوجته وبناته هل فى تلك الساعة يباح اغتصابهم أو الزنى معهن من قبل الكفار ؟
بالقطع لن يبيح ذلك فلماذا يبيح ذلك فى نساء الكفار؟