نقد كتاب مستقبل الثقافة فى مصر لطه حسين
سبق وأن كتبت كتابا بنفس العنوان منذ أكثر من خمسة وعشرين سنة وللأسف فإن أصله الورقى ضاع ويبدو أننى لم أسجله على الحاسوب لأنى لم أجده فى الحواسب التى عملت عليها ولا فى الاسطوانات التى كنت أحفظ الملفات عليها
ومن أسوأ الأمور عندى أن أعيد كتابة شىء سبق وأن قمت به وقد ضاعت منى العديد من الكتب التى كتبتها منها منهارواية حكاية اسمها الغار وكتاب عن الكيمياء وكتاب عن علم الجريمة الإسلامى وربما كانت هناك كتب أخرى لا أتذكرها
بالقطع الكتاب التالى قد لا يشبه الكتاب القديم سوى فى المضمون وهو :
أن طه حسين يخترع دينا جديدا اسمه الشخصية المصرية أو ما يسميه البعض القومية المصرية
كما اخترع مقولة المتوسطية نسبة للبحر المتوسط أو بحر الروم وكأن مجرد التواجد على شواطىء بحر يجعل الشواطىء تنشى ثقافة واحدة ولا ندرى عن أى ثقافة متوسطية تحدث رغم الخلافات الواسعة فى الأديان واللغات والعادات والتقاليد كما يقول علماء الاجتماع بين دول البحر المتوسط بحيث لا نجد ما يسمى ثقافة مشتركة بين دول البحر المتوسط فمثلا نجد عادة الخمور على الشاطىء الشمالى ولا نجدها فى الشاطىء الجنوبى ومع هذا فخمور إيطاليا تختلف عن خمور فرنسا عن خمور أسبانيا عن خمور اليونان ومثلا نجد عادة الجلابيب فى الشاطىء الجنوبى ولا نجدها فى الشاطىء الشمالى ومع هذا يختلف الجلباب المصرى عن التونسى عن المغربى عن الليبى ومثلا الزواج فى الشاطىء الشمالى يتم فى الكنائس والبيع وفى الشاطىء الجنوبى الزواج يكون فى البيوت أو أمامها ومع هذا نجد فى الأعراس رقصات إيطاليا مخالفة للرقصات فى فرنسا مخالفة لما فى أسبانيا وكذلك الشاطىء الجنوبى يختلف فيه ما يتم فى الأعراس بين القرية والقرية داخل القطر الواحد فضلا عن الاختلاف بين الأقطار
ومما ينبغى قوله :
أن طه حسين سواء كان عميلا لفرنسا أم لا فالرجل ككل واحد ذهب للخارج وتزوج كافرة نصرانية أو غيرها كفر بدينه حتى وإن قالت المذاهب أنه يجوز زواج الكتابيات
طه تزوج ابنة قسيس والمثير أن كثير ممن ذهبوا للبعثات أو للغرب فى ذلك الزمان عادوا بزوجات كافرات والمثير أن فرنسا ما زالت تتبع هذا الأسلوب فى البلاد التى احتلتها فى أفريقيا فمعظم زوجات رؤساء دول وسط وغرب أفريقيا كافرات نصرانيات سواء كن يحملن الجنسية الفرنسية أو غيرها وبالقطع لا يخرج الكتاب والقادة العسكريين فى تلك البلاد عن تلك العادة والتى يبدو أن المخابرات الفرنسية تديرها
والغريب أن طه حسين لم يكتف بزوجة نصرانية وإنما كان أمين سره وهو كاتبه نصرانيا وهو فريد شحاته وظل مديرا لمكتبه وكاتبا لمقالاته وملازما له فى كل تحركاته
وقيل أن الرجل تنصر فى فرنسا وأقيمت الطقوس هناك لتعميده وبالقطع الله أعلم ولكن المعروف من كتابات طه حسين أنها وإن كانت تبدو فى ظاهرها مع الإسلام فهى غالبا ضد الإسلام فكما يقولون تدس السم فى العسل
ومن الغريب أن هناك شىء تكرر فى العديد من كتب طه حسين وهو تعبير العهد الجديد وقد جاء فى كتاب مستقبل الثقافة فى قوله :
" وقد شعرت كما شعر غيرى من المصريين وكما شعر الشباب من المصريين خاصة وإن باعدت السن بينى وبينهم بأن مصر تبدأ عهدا جديدا من حياتها إن كسبت فيه بعض الحقوق فإن عليها أن تنهض فيه بواجبات خطيرة وتبعات ثقال "ص11
والملاحظ أن تعبير العهد الجديد يقال فى أيام الملكية وتكرر فى أيام الجمهورية فى ميثاق ما يسمى الثورة وغيرها من الكتب التى كانت تصدر عن مجلس الثورة وما تلاه من تنظيمات والآن لتناول ما ورد فى الكتاب:
-قال قال طه:
"الموضوع الذى أريد أن أدير هذا الحديث هو مستقبل الثقافة فى مصر التى ردت إليها الحرية بإحياء الدستور وأعيدت إليها الكرامة بتحقيق الاستقلال فنحن نعيش فى عصر من أخص ما يوصف به أن الحرية والاستقلال فيه ليسا غاية تقصد إليها الشعوب وتسعى إليها الأمم وإنما هما وسيلة إلى أغراض أرقى منهما وأبقى وأشمل فائدة وأعم نفعا"ص15
الخطأ هنا أن الحرية ردت لمصر بإحياء الدستور والكرامة ردت بتحقيق الاستقلال وهو كلام لا أساس له فالدستور دستور 1923 كان مجرد حبر على ورق فلم يكن يحكم البلد رئيس الوزراء فقد ظلت البلد أسيرة أهواء الملوك فؤاد وفاروق ومعهم الانجليز يغيرون الوزارات ويحلون مجالس النواب والشيوخ ويعقدون المعاهدات رغما عن الشعب ويوقفون الدستور
وأما الاستقلال فقد كان استقلالا صوريا فالإنجليز بقوا فى البلاد وثكناتهم كانت فيها ولم يرحلوا من الداخل إلا بعد معاهدة1936 ولكنهم رحلوا لمنطقة القناة ومع هذا عادوا بموجب المعاهدة لكل مصر فى الحرب العالمية الثانية والتى أدخلوا مصر فيها الحرب دون أن يكون لها ناقة ولا جمل
كلام طه يبدو أنه ضحك على القراء فما زلنا حتى لحظة كتابة هذا بعد قرن أو اقل محتلين ولكن بطريقة أخرى وهى أن حكام البلاد عملاء لمن كان الملوك عملاء لهم ولكن بدون عسكر أجانب لأن العسكر المحلى وهى جيوش البلد قيادتهم تدين بالولاء للخارج
-قال قال طه"وقد كانت شعوب كثيرة من الناس فى أقطار كثيرة من الأرض تعيش حرة مستقلة فلم تغن عنها الحرية شيئا ولم يجد عليها الاستقلال نفعا ولم تعصمها الحرية والاستقلال من أن تعتدى عليها شعوب أخرى تستمتع بالحرية والاستقلال ولكنها لا تكتفى بهما ولا تراهما غايتها القصوى وإنما تضيف إليهما شيئا أخرى أو أشياء أخرى تضيف إليهما الحضارة التى تقوم على الثقافة والعلم والقوة التى تنشأ عن الثقافة والعلم والثروة التى تنتجها الثقافة والعلم ولولا أن مصر قصرت طائعة أو مكرهة فى ذات العلم والثقافة لما فقدت حريتها ولما أضاعت استقلالها ولما احتاجت إلى هذا الجهاد العنيف الشريف لتسترد الحرية وتستعيد الاستقلال "ص15
الخطأ الأول هو أن الحرية والاستقلال غايات ولكنها ليست الغايات القصوى وهو ما يناقض كونهما ليسا غايات إطلاقا وإنما وسائل فى قوله :
" فنحن نعيش فى عصر من أخص ما يوصف به أن الحرية والاستقلال فيه ليسا غاية تقصد إليها الشعوب وتسعى إليها الأمم وإنما هما وسيلة إلى أغراض أرقى منهما وأبقى وأشمل فائدة وأعم نفعا"ص15
الخطأ الثانى أن سبب فقدان الحرية هو التقصير فى الثقافة والعلم والقوة وهو كلام خاطىء حسب التاريخ المعروف ففرنسا إمام طه حسين رغم ثقافتها وعلمها وقوتها سقطت تحت أقدام الرايخ الألمانى الذى احتلها وأفقدها حريتها وبغداد عاصمة الخلافة العباسية سقطت رغم مكتباتها وعلمائها تحت أقدام جحافل المغول وغرناطة وقرطبة وغيرهم من مدن الأندلس سقطت رغم كثرة المثقفين والعلماء والشعراء تحت أقدام النصارى الهمج الجهلة
الدول لا تسقط ولا تحتل بسبب قوة الثقافة والعلم وحتى قوة السلاح والجيوش وإنما بسبب وهن الإرادة عند الشعب خاصة الجيش وهناك مثال يضرب فى مصر الحديثة وإن لم تكن هذه مصرالحقيقية وهو انتصار أهالى رشيد على حملة فريزر الانجليزية فلم يكن أهالى رشيد مثقفين ولا علماء إلا قلة نادرة منهم ولم يكن معهم أسلحة ولا جيش ولكن قوة الإرادة جعلتهم يفكرون وينتصرون بأسلحة بسيطة أمام المدافع والبنادق والسيوف
-قال قال طه:
"وأخاف أن نقصر فى ذات أنفسنا وعلينا من الأوربيين عامة ومن أصدقائنا الانجليز خاصة رقباء يحصون علينا الكبيرة والصغيرة ويحاسبوننا على اليسير والعظيم ولعلهم أن يكبروا من أغلاطنا ما نراه صغيرا وأن يعظموا من تقصيرنا ما نراه هينا وأن يقولوا طالبوا بالاستقلال وأتعبوا أنفسهم وأتعبوا الناس فى المطالبة به حتى إذا انتهوا إليه لم يذوقوه ولم يسيغوه ولم يعرفوا كيف ينتفعون به أخشى هذا كله "ص16
نلاحظ التناقض وهو وصف الإنجليز بالأصدقاء ومع هذا فهؤلاء الأصدقاء يتصيدون لنا الأخطاء ويشمتوا فينا ويحاسبوننا على الكل وهذه صفات العدو وليس صفات الصديق
-قال قال طه:
"وأريد كما يريد كل مصرى مثقف يحب وطنه ويحرص على كرامته وحسن رأى الناس فيه أن تكون حياتنا الحديثة ملائمة لمجدنا القديم وأن يكون نشاطنا الحديث محققا لرأينا فى أنفسنا حين كنا نطالب بالاستقلال ومحققا لرأى الأمم المتحضرة فينا حين رضيت لنا عن هذا الاستقلال وحين أظهرت لنال ما أظهرت من الترحيب وحسن اللقاء فى جنيف "ص16
أضحكنى طه حسين بقوله أن رأى الأمم المتحضرة فينا كان رأيا حسنا حين رضيت لنا عن هذا الاستقلال فالأمم الكافرة لا تقول فينا حسنا وإن تحضرت وهى لا ترضى لنا استقلالا ولو قالته باللسان فالأمم الكافرة أقرت بهذا الاستقلال الصورى لأنها رأت أن هناك فائدة لها منه فبدلا من المظاهرات والقتل والجرح وتخريب المؤسسات والمنافع وزيادة الكراهية بسبب الثورات رأت أن تنتفع بكل المنافع وهى بعيدة عن أنظار الشعب لا تواجه مظاهرات ولا تواجه حربا وأوكلت هذه الحرب لبعض من الشعب وهو وزارة الداخلية والجيش ليكون لباقى الشعب عدو
لقد حمى الإنجليز جنودهم وحافظوا على مصالحهم الاقتصادية فى البلاد بهذا الاستقلال الصورى ولا أدرى أى ترحيب ناله الوفد المصرى الذى رد عدة مرات خائبا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى إنهم لا يرحبون بنا وإنما يضحكون علينا بالابتسامات والمصافحة وفى النهاية حققوا أغراضهم دون أن تسيل دماءهم ودون أن تتأثر مصالحهم الاقتصادية
ولا ندرى عن أى مجد قديم يتحدث طه حسين فإن كان يظن المجد الفرعونى المزعوم فالرجل واهم فنصف الأسر التى حكمت البلاد حسب التاريخ المعروف وليس الحقيقى لم تكن أسرا مصرية فهناك أسر فلسطينية أو كنعانية وهناك أسر ليبية وهناك أسر حبشية وسودانية وأسر نوبية يعنى لم يكن هناك مجد فنحن كما هو التاريخ المعروف بلد محتل باستمرار وحتى المجد العربى المزعوم لم يكن عربيا ولا ينتمى حتى للبلاد الشرقية التى يظن طه أنها البلاد التى كان لنا علاقة بها وهى فلسطين والشام والعراق متجاهلا حتى الحجاز فابن طولون وابن طغج كانوا أتراكا وفرسا وحتى بنى أيوب كانوا كردا وأما الدولة المملوكية فكانوا شركس وأتراك وشيشان وغيرهم ممن كانوا يسكن فى بلاد ما وراء النهرين أو بحر الخزر وحتى العثمانيين كانوا أتراكا من نفس المنطقة
-قال قال طه:
"نعم وأريد كما يريد كل مثقف مصرى محب لوطنه حريص على كرامته ألا نلقى الأوربى فنشعر بأن بيننا وبينه من الفروق ما يبيح له الاستعلاء علينا والاستخفاف بنا وما يضطرنا إلى أن نزدرى أنفسنا ونعترف بأنه لا يظلمنا فيما يظهر من الاستطالة والاستعلاء" ص16
يصر طه حسين فى الفقرة وسابقتها على المصرية وحب الوطن وهو كلام لا أساس له فلا يوجد شىء اسمه المصرية سوى الانتماء لاسم بلد تسمى مصر وما هى بمصر حقا فهى مجرد لفظ ينطق ولكن لا وجود لما يسمى بالقومية المصرية ولا بالشخصية المصرية فهى ألفاظ يضحك به الحكام وإعلامهم على الناس حتى يقيموا على الذل الذى هم فيه ويرضوا بالقليل فى حب شىء لا وجود له سوى الوجود اللفظى ويتركوا للحكام ومن معهم خيرات البلاد والفساد فيها
-قال "ولكن المسألة الخطيرة حقا والتى لابد من أن نجليها لنفسنا تجلية تزيل عنها كل شك وتعصمها من كل لبس وتبرئها من كل ريب هى أن نعرف أمصر من الشرق أم مصر من الغرب وأنا لا أريد بالطبع الشرق الجغرافى والغرب الجغرافى وإنما أريد الشرق الثقافى والغرب الثقافى فقد يظهر أن فى الأرض نوعين من الثقافة يختلفان أشد الاختلاف ويتصل بينهما صراع بغيض ولا يلقى كل منهما صاحبه إلا محاربا أو متهيئا للحرب أحد هذين النوعين هذا الذى نجده فى أوربا منذ العصور القديمة والآخر هذا الذى نجده فى أقصى الشرق منذ العصور القديمة "ص18
مقولة الشرق الثقافى والغرب الثقافى مقولة مضحكة خاصة أنها ليست موجودة منذ العصور القديمة ولا ندرى عن أى عصور يتكلم طه حسين فطبقا للتاريخ المعروف الشرق والغرب كان فيهما معا الأديان الوثنية أديان الفايكنج والوندال فى أوربا والهندوس والبوذيين وكان فيهما الأديان الأخرى وما زالت الأديان موجودة فى القسمين وكتب الشرق انتقلت للغرب وكتب الغرب انتقلت للشرق
يعتبر طه حسين الإغريق شعبا غربيا وثقافة غربية رغم أن التاريخ اليونانى المعروف يثبت أن الشعب المؤسس كان عربيا وأن أبيهم قدموس عربى كما أن الكثير من آلهة الإغريق كان منقولا من الهند وفارس وحتى اللباس الاغريقى للنساء يبدو وكأنه منقول عن الهندوس واعترف فلاسفة اليونان بتعلمهم من فلاسفة الهند فى كتبهم وحتى النظريات كمادة الخلق نجد تشابها غريبا بين أقوال من فى الشرق ومن فى الغرب
كما أن العادات والتقاليد كانت متشابهة بين القدامى فالرعاة هنا كما كان الرعاة هناك يلبسون الفرو ويعتمدون على الأحصنة والكلاب
وبالقطع لا يوجد ما يسمى ثقافة شرقية أو ثقافة غربية بل ثقافة مشتركة خاصة فى الضروريات المادية وثقافة محلية سببها الأديان
-قال قال طه حسين:
"ويخيل إلى أن أيسر الوسائل إلى توضيح هذه المسألة وتجليتها إنما هو الرجوع إلى تاريخ العقل المصرى منذ أقدم عصوره ثم مسايرة هذا العقل فى تاريخه الطويل الشاق الملتوى إلى الآن وأول ما نلاحظه فى تاريخ الحياة المصرية أننا لا نعرف أن قد كان بينها وبين الشرق البعيد صلات مستمرة منظمة من شأنها أن تؤثر فى تفكيرها أو فى سياستها أو فى نظمها الاقتصادية " ص19
طه حسين هنا يتكلم كلاما خاطئا فلا يوجد ما يسمى العقل المصرى ولا العقل الفرنسى ولا العقل الانجليزى ولا الشامى ولا غير ذلك فالعقل هو العقل لا ينسب لبلد ولا لعنصر ولا لشىء فالله عندما يقول للناس أفلا تعقلون يقصد كل الناس فالعقل واحد فى الناس ولكن الفارق هو أن البعض يقرر استخدامه والبعض الأخر وهو الكثرة تستخدم الشهوات
ونلاحظ الجهل التاريخى لطه حسين فالرجل يقول بعدم وجود صلات بيننا وبين الشرق البعيد وكأن التاريخ كله معروف وكأن الرومان والإغريق وحتى العرب فيما يسمى بعهود الدول كالأموية والعباسية والمملوكية لم يستخدموا المرتزقة أو المتطوعة فى جيوشهم من الهند والفرس والترك والسودان وغيرهم وكأن الدول التى حكمت مصر المزعومة كالطولونية والإخشيدية كان حكامها من مصر وليسوا تركا وفرسا وكأن الدولة المملوكية لم يكن لها وجود وكأن المماليك وحتى اليوم بقاياهم موجودة فى البلد المنكوبة ليسوا من وسط آسيا
وكأن المجد البحرى لما يسمى بأسطول مصر لم يذهب للهند والصين مع أنه دار حول أفريقيا فى عهد نخاو وهو من أسرة فرعونية مزعومة
-قال "وما أظن أن الصلة بين المصريين القدماء والبلاد الشرقية تجاوزت هذا الشرق القريب الذى نسميه فلسطين والشام والعراق أى هذا الشرق الذى يقع فى حوض البحر الأبيض المتوسط " ص19
نفس الخطأ السابق وهو كلام المخرفين ولو صدقنا حكايا التاريخ كغزو الاسكندر للهند فمعنى هذا أن البطالمة فى مصر كانوا على علاقة بالهند فى فترة حكمهم لمصر لأنهم ذهبوا إليها وعرفوا ما بها ومن ثم فحتى لو خرجوا منها عسكريا فإنهم لابد أن يتاجروا معهم
ولو صدقنا حكايا التاريخ وغزو قمبيز الفارسى لمصر فسنعرف أن هناك صلات بين الفرس ومصر المزعومة حاليا
-قال "والتلاميذ يتعلمون فى المدارس أن مصر عرفت اليونان منذ عهد بعيد جدا وأن المستعمرات اليونانية قد أقرها الفراعنة فى مصر قبل الألف الأولى قبل المسيح والتلاميذ يتعلمون فى المدارس أيضا أن أمة شرقية بعيدة عن مصر بعض الشىء أغارت عليها وأزالت سلطانها فى أخر القرن السادس قبل المسيح وهى الأمة الفارسية فلم تذعن مصر لهذا السلطان الأجنبى إلا كارهة وظلت تقاومه أشد المقاومة وأعنفها مستعينة على ذلك بمتطوعة اليونان حينا وبمحالفة المدن اليونانية حينا أخر حتى كان عهد الاسكندرومعنى هذا كله واضح جدا وهو أن العقل المصرى لم يتصل بعقل الشرق الأقصى اتصالا ذا خطر ولم يعش عيشة سلم وتعاون مع العقل الفارسى وإنما عاش معه عيشة حرب وخصام"ص20
الرجل هنا يتحدث عن الاغريق أو اليونان وكأنهم لم يكونوا محتلين وكأن من فى البلد لم يقاومهم وهو يناقض كلامه عن مقاومة أهل البلد للإغريق وهم المقدونيين فى قوله :
"وكانت مصر من أسبق الدول الإسلامية إلى إرجاع شخصيتها القديمة التى لم تنسها فى يوم من الأيام فالتاريخ يحدثنا بأنها قاومت الفرس أشد المقاومة وبأنها لم تطمئن إلى المقدونيين حتى فنوا فيه وأصبحوا من أبناءها واتخذوا من تقاليدها وسننها لهم تقاليد وسننا"ص23
-قال " إن العقل المصرى منذ عصوره الأولى عقل إن تأثر بشىء فإنما يتأثر بالبحر الأبيض المتوسط وإن تبادل المنافع على اختلافها فإنما يتبادلها مع شعوب البحر الأبيض المتوسط "ص20
طه حسين يصر فى كتابه على مقولة العقل المصرى وهى مقولة لا وجود لها فلا يمكن اعتبار أن كل من يسكنون هذا البلد عقولهم واحدة أو شخصيتهم واحدة فمعيشة البدوى السيناوى غير معيشة البدوى السيوى ومعيشة النوبى غير معيشة الصعيدى غير معيشة البحراوى غير معيشة من يعيش على السواحل فالعادات والتقاليد ليست واحدة والأطعمة مختلفة والألبسة مختلفة وحتى طرق التحاكم فى المشاكل مختلفة وحتى الطب المستعمل مختلف وطرق الزواج وكيفية الاحتفال به وكذلك الأمر فى الموت
عقل واحد يعنى أمور متحدة وليس اختلافا بينا فى الكثير من الأمور فحتى الصلاة عند المسلمين فيها اختلاف فهناك الشافعى والحنبلى والحنفى والمالكى كل واحد يصلى حسب مذهبه
وأما حكاية التأثر والتأثير بشعوب البحر المتوسط فقط فهى مقولة تنافى مثلا أن الإسلام لم يأت من منطقة البحر المتوسط ومع هذا اتخذه معظم أهل البلد دينا لهم ومثلا هجرات القبائل العربية للبلد لم يكن تأثيرا متوسطيا ومثلا الوجود المملوكى فى مصر لم يكن متوسطيا
_"وهناك شىء أخر ليس أقل من هذا يسرا ولا وضوحا وهو أن تبادل المنافع بين العقل المصرى والعقل اليونانى فى العصور القديمة قد كان شيئا يشرف به اليونان ويتمدحون به فيما يقولون من شعر وفيما يكتبون من نثر فمصر مذكورة أحسن الذكر فى شعر القصاصين اليونانيين وهى مذكورة أحسن الذكر فى شعر الممثلين اليونانيين ثم هى مذكورة أحسن الذكر عند هيردوت وممن جاء بعده من الكتاب والفلاسفة "ص21
يضحكنا طه حسين عندما يقول بتبادل المنافع بين مصر واليونان فالتاريخ المعروف يقول أن اليونان تعلموا فى مصر ولا يقول العكس ويقول أن اليونان أو المقدونيين أو الإغريق احتلوا مصر وتمتعوا بخيراتها دون الشعب ولم تحتل مصر اليونان فأين هو تبادل المنافع وكل المنافع كانت ذاهبة فى طريق واحد من مصر لليونان ولا وجود لمنافع لمصر من اليونان ؟
وأما حكاية مدح مصر عند اليونانيين فكلام للضحك على الناس فما يفيدنا المدح ؟
الغريب أن التاريخ المعروف لمصر الفرعونية المزعومة كتبه المحتل اليونانى كتبه مانيتون السمنودى فى عهد بطليموس الثانى
يعنى من الأخر ليس تاريخا بأيدى أهل البلد ولكنه تاريخ بيد المحتلين فماذا نتوقع أن يكتبه المحتل سوى أن يكون قد كتب كذبا أو كتب ما يشوه أهل البلد هل نتوقع من عدو أن يكون عادلا معنا مع أنه عدو وثنى ؟
-قال "هذه الأمم التى كانت كمصر مهدا للحضارة فى حوض البحر الأبيض المتوسط وكما أن اليونان يعرفون الفضل لمصر فى تكوين حضارتهم فهم يعرفون الفضل للكلدانيين وغيرهم من الشعوب الآسيوية التى تأثرت بالبحر المتوسط " ص21
يخلط طه حسين هنا فى التاريخ فيزعم أن اليونان يدينون لمصر بالفضل فى تكوين حضارتهم والمعروف فى التاريخ الحالى أن حضارتهم نشأت على يد العرب الفينقيين وعلى رأسهم قدموس ورفاقه والدليل هو أن هناك العديد من المدن فى اليونان تعود أسماءها للغة العربية وهو ما فصله العقاد فى كتابه الثقافة العربية اسبق من الثقافة اليونانية والعبرانية
كما يخلط الرجل بين الفينقيين والكلدانيين فالفينقيين هم من أنشأوا الحضارة فى اليونان طبقا للتاريخ المكتوب حاليا وليس الكلدان
-قال "وكان من أشد الشعوب تأثرا بهذا العقل المصرى أولا وتأثيرا فيه بعد ذلك العقل اليونانى "ص22
ما زال طه حسين مصرا على مقولة العقل الجغرافى المصرى واليونانى وهو ما لا وجود له وما زال مصرا على مقولة التأثر والتأثير المتبادل بين العقلين وهو كلام يكذبه التاريخ المعروف فلا يوجد فيلسوف مصرى معروف فى العالم بينما الفلاسفة المشهورين كثير منهم يونان وحتى الأطباء المشهورين فى كتب التاريخ معظمهم يونان أبقراط وجالينوس بينما لا ذكر لأحد من أهل مصر سوى أمحوتب وحتى الجغرافيين وكتاب التاريخ لا نكاد نسمع أو نقرأ عن واحد من المصريين القدماء سوى أمحوتب بينما الجغرافيين والتاريخيين اليونانيين يملأ ذكرهم العالم
بالقطع ليس هذا معناه أن هذه البلد لم يكن بها أحد من العلماء ولكن التاريخ المعروف الذى يعتمد عليه طه لا يذكر لنا سوى أشياء نادرة عن علماء البلد
-قال "فإذا لم يكن بد من أن نلتمس أسرة للعقل المصرى نقره فيها فهى أسرة الشعوب التى عاشت حول بحر الروم وقد كان العقل المصرى أكبر العقول التى نشأت فى هذه الرقعة من الأرض سنا وأبلغها أثرا " ص22
ما زال طه مصر على مقولته بالمتوسطية أو كما سماها هنا بحر الروم وما زال مصرا على الفخر بالعقل المصرى الذى يراه الأكبر والأكثر تأثيرا فى المنطقة وهو كلام بلا دليل فلا المصريون المزعومين غزوا بلاد المنطقة إلا منطقة الشام بينما تعرضوا للغزو من معظم بلاد هذا البحر تقريبا فالليبيين احتلوها فى التاريخ القديم وكذلك المغاربة فى عهد الدولة الفاطمية واليونان والرومان والفرنسيس وهو كلام يعنى شىء واحد عند محللى التاريخ وهو أن الغالبين هم من يؤثرون غالبا فى المهزومين وهى مقولة صادقة فالآلهة تغيرت عند المصريين حسب نوع المحتل فدخلت آلهة الإغريق واليونان مصر وغير القوم دينهم تبعا لها وحتى عندما غير الرومان دينهم غير المصريون المزعومون دينهم للمسيحية وإن اختلفوا فى المذهب
دعنا نتساءل هل نجد آثارا للفراعنة فى بلاد المنطقة غير الشام والنوبة ؟
لا يوجد شىء بينما الآثار اليونانية والرومانية تملأ مصر
ولو كان العقل المصرى المزعوم هو الأكبر تأثيرا لكان القوم قد غزوا بلاد المنطقة كلها ولم يتعرضوا للغزو
-قال "ومهما أنس فلن أنسى مواقف الحيرة والعجز عن الفهم التى كنت أقفها منذ أعوام أمام جماعة كانت تقوم فى مصر وكانت تسمى نفسها جماعة الرابطة الشرقية وكانت تذهب فى سيرتها وتفكيرها هذا المذهب الغريب مؤثرة التضامن مع أهل الشرق الأقصى على التضامن مع أهل الغرب الأدنى وأنا أفهم فى وضوح بل فى بداهة العلاقة بيننا وبين الشرق الأدنى لا لاتحاد اللغة والدين فحسب بل للجوار الجغرافى وتقارب النشأة والتطور التاريخى فأما أن نتجاوز هذا الشرق القريب على ما وراءه فلا أفهم أن يقوم الأمر فيه على الوحدة العقلية أو على التقارب التاريخى "ص22
يبدو طه حسين هنا أبلها فالرجل لم يفهم جماعة الرابطة الشرقية وسر ارتباطها بالشرق البعيد بدلا من شعوب الغرب الأدنى فالرجل فضل الارتباط بمن احتلوا بلده والبلاد المجاورة بدلا من الارتباط ببلاد يجمعها وبلده شىء واحد وهو التخلص من الاحتلال الغربى الذى اكتوى الكل بناره وسواء قصد مؤسسو الجماعة وكلهم ينتمون للإسلام تخليص بلاد الإسلام من المحتلين أو قصدوا بلاد المسلمين وغيرهم فى الشرق فالجامع هو الخلاص من المحتل الغربى الذى كان يحتل كل تلك البلاد وهو فرنسا وانجلترا
-قال "ومن المحقق أن تطور الحياة الإنسانية قد قضى منذ عهد بعيد بأن وحدة الدين ووحدة اللغة لا تصلحان أساسا للوحدة السياسية ولا قوما لتكوين الدول فالمسلمون أنفسهم منذ عهد بعيد قد عدلوا عن اتخاذ الوحدة الدينية واللغوية أساسا للملك وقوما للدولة وليس المهم أن يكون هذا حسنا أو قبيحا وإنما المهم أن يكون حقيقة واقعة وما أظن أحدا يجادل فى أن المسلمين قد أقاموا سياستهم على المنافع العملية " ص23
الرجل هنا يدافع عن الكفر وهو كفر المسلمين بدينهم حيث تخلوا عن وحدة الحكم أى وحدة حكم الإسلام مقابل إقامة سياستهم على المنافع العملية ولا يسع مسلم واحد أن يقول بتلك المقولة إلا وقد كفر لأنه بذلك يتخلى عن حكم الله ومن يترك الحكم بما أنزل الله فقد كفر كما قال تعالى بسورة المائدة " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "
وقال :
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون"
وقال :
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون"
وحكاية إقامة الدول على المنافع العملية هى مقولة خاطئة وهمية لخداع الناس فكل دستور أو مجموعة قوانين يلتزم بها مجموعة من الناس فى منطقة هى دين سواء سموه دين أو دستور أو مذهب أو غير ذلك
-قال "فلم يأت القرن الرابع للهجرة حتى قام العالم الإسلامى مقام الدولة الإسلامية وحتى ظهرت القوميات وانتشرت فى البلاد الإسلامية كلها دول كثيرة يقوم بعضها على المنافع الاقتصادية والوحدات الجغرافية ويقوم بعضها الأخر على ألوان أخرى من المنافع"ص23
لا يمكن تسمية أى بلد بالبلد الإسلامى كما يقول طه فى هذه الفقرة والفقرة القادمة ما لم يحكم بحكم الله وهو الإسلام ومن ثم فلا وجود للعالم الإسلامى ولا للبلاد الإسلامية فطالما تحكم بغير ما أنزل الله فكلها بلاد كافرة وإن كان الكثير من أهلها يدينون بالإسلام حقا أو وهما
-قال "وكانت مصر من أسبق الدول الإسلامية إلى ارجاع شخصيتها القديمة التى لم تنسها فى يوم من الأيام فالتاريخ يحدثنا بأنها قاومت الفرس أشد المقاومة وبأنها لم تطمئن إلى المقدونيين حتى فنوا فيه وأصبحوا من أبناءها واتخذوا من تقاليدها وسننها لهم تقاليد وسننا والتاريخ يحدثنا كذلك بأنها قد خضعت لسلطان الامبراطورية الرومانية الغربية والشرقية على كره مستمر ومقاومة متصلة فاضطر القياصرة على أخذها بالعنف وإخضاعها للحكم العرفى والتاريخ يحدثنا كذلك بأن رضاها عن السلطان العربى بعد الفتح لم يبرأ من السخط ولم يخلص من المقاومة والثورة وبأنها لم تهدأ ولم تطمئن إلا حين أخذت تسترد شخصيتها المستقلة ظل بن طولون وفى ظل الدولة المختلفة التى قامت بعده"ص23
الخطأ الأول وجود شخصية لمصر أى تقاليد وسنن واحدة وهو كلام لا وجود له قديما أو حديثا فالتقاليد مثلا فى المجتمع البدوى تختلف باختلاف المكان فبدوى سيناء يختلف عن بدوى سيوة فمثلا اللباس ليس واحدا فبدو سيناء يرتدون العقال وبدو سيوة يرتدون الطواقى وبدو سيناء يلبسون الجلابيب الطويلة بينما بدو سيوة وما حولها يرتدون جلباب قصير وبنطال والرقصات هنا غير الرقصات هناك ومثلا تختلف تقاليد الصعيد عن تقليد البحيرة بل إن التقاليد تختلف بين قرية وقرية فى الصعيد أو فى الدلتا فمثلا فى قرى لا يتم توريث البنات الأرض وفى قرى أخرى يتم توريثهم وفى قرى لا تعمل النساء خارج البيت وفى قرى تعمل
وتقاليد الزواج والموت تختلف ما بين منطقة وأخرى بل تغيرت التقاليد من عصر لعصر داخل البلد الواحد فمثلا كان الزواج عن طريق الخاطبة أو عن طريق الأقارب عند ولادة الأولاد منذ عدة قرون بينما هذا التقليد اندثر حاليا وأصبح الزواج بالتعارف بين الرجل والمرأة مباشرة أو عن طريق تعريفهم ببعض عن طريق الأصحاب والأقارب
إذا حكاية تقاليد وسنن واحدة هى ضرب من الخيال فالبلد الواحد تتغير تقاليده لأسباب ما قد تكون تقنية أو تكون بسبب تغيرات ثقافية
"فالمسلمون إذا قد فطنوا منذ عهد بعيد إلى أصل من أصول الحياة الحديثة وهو أن السياسة شىء والدين شىء أخر وان نظام الحكم وتكوين الدول إنما يقومان على المنافع العملية قبل أن يقوم على أى شىء أخر وهذا التصور هو الذى تقوم عليه الحياة الحديثة فى أوربا فقد تخففت أوربا من أعباء القرون الوسيط وأقامت سياستها على المنافع الزمنية لا على الوحدة المسيحية ولا على تقارب اللغات والأجناس "ص24
هنا يخلع طه نفسه من ربقة الإسلام عندما يقر بكون السياسة شىء والدين شىء أخر وهى مقولة العلمانية الوهمية فلا يوجد انفصال فالسياسة أيا كانت هى دين فالسياسة مجموعة أحكام يلتزم بها مجموعة من الناس وهو نفسه تعريف الدين ومن ثم فالمقولة وهمية ولكن لها أساس فى الديانة النصرانية التى أقرت بانفصال سلطة الكنيسة عن سلطة العلمانيين وهم من خارج الكنيسة فى بعض النصوص ولكنها فى نصوص أخرى نفت ذلك وجعلت كل السلطة للكنيسة وهو ما يسمى نص الربط والحل وهو قولهم:
" اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ" سفر متى 18-قال 18
وأما مقولته عن تخفف أوربا وقيام حياتها على المنافع الزمنية فهو وهم تبيعه لشعوب الأرض وإلا ماذا يسمى التبشير بالنصرانية من قبل دول أوربا فى البلاد المحتلة ؟وبماذا يسمى إجبار الدول المحتلة على تسمية الناس بأسماء نصرانية خاصة فى دول أفريقيا وبماذا يسمى إصرار دول الاحتلال على تنظيم التعليم فى البلاد المحتلة بحيث ينتج منه أشخاص يتعرفون على النصرانية أكثر مما يتعرفون على ديانة أصحاب البلاد بما يسمى تعيين قس مشرفا على وزارة المعارف فى مصر هو دنلوب؟