لم يعد من تواصل بيننا وبينك أيتها العزيزة الكريمة غير الدعاء ، نمد به أيدينا إلى الله ( جل
وعلا ) - والدموع لا تكاد تكف عن الانهمال - أن يكون الفردوس مسكنك الدائم
" مع النبيين والصديقين والشهداء والصاحلين وحسن أولئك رفيقا ".
ولن يقطع الموت تواصلا بين الأحياء والأموات ، مادام الفكر نابضا بالخير ، والإبداع متدفقا بالرحمة
كهذا الذي أبكاني كما ابكاني يوم عرفت خبروفاتك متأخرا ، وكنت أتحين اللحظة التي من خلالها أحاول
التلبث من دون أحد أعمالك ؛ وكأنما شاءت الأقدار برحمتها أن يكون هذا النص أول ما أعايشه
وأعيشه في وقت واحد معا .
"قلب مذبوح ينزف "
عنوان ربما يدعو إلى الإشفاق والرثاء ، وربما يكون سببا في معرفة هذين النعتين اللذي أتيا بعده .
فإذا هو قلب الأم الذي ينزف رحمة للابن العاق ؛ برغم كونه مذبوحا بخنجر الغدر من يده الآثمة .
وقد كان متوقعا أن يكون النزف غضبا ، أو لوما ، لكن المبدعة الإنسانة ( رحمها الله ) أبت إلا أن
يكون نوعا من النزف يدعو إلى الإعجاب والتقدير ، كما يدعو إلى الرحمة مهما تمادى الأبناء في
غيهم ، او استمرأوا غفلة ضلالهم .
وأحسب أن الراحلة الكبيرة قصدت من وراء هذا االنص الذي يتنزى ألما إلى تعميق معنى الأمومة التي
لا تحلق بغير أجنحة الرحمة ، ولا تنطلق إلا بحنان يتدفق برا بالأبناء ، فيسقيهم عطف الأم سائغا فراتا
، ولا يكف صوتها الحريص عن ندائهم أن يعودوا إلى رشدهم قبل فوات الأوان.
وقصة القلب المذبوح النازف هي قصة العقوق في كل زمان ومكان ، ومن ثم تبقى هذه التجربة عامة
لا تخص أفرادا معينين ، ولا تنحصر في زمن محدد ، وتلك أمارة على خلود الإبداع الأدبي ؛ حين يخرج
المبدع من ذاتيته – مع بقاء بصمته الشخصية – فتصبح تجربنه صالحة لكل زمان ومكان .
وهذا ما أحسب أن الراحلة الكريمة قصدت إليه قصدا .
رحمك الله أيتها النقية رحمة واسعة ، وأسكنك الفروس بفضله ومنته ، وألحقنا بك على الإيمان
الكامل .
وأسأل الله أن يعينني على الوقوف مع إبداعاتك قدر المستطاع .
الله لا تحرمنا أجرها ، ولا تفتنا بعدها ، واغفر لنا ولها .