بسم الله الرحمن الرحيم
نسمع كثيرا عن الارض وتحرير الارض واراض محتلة وما شابه فيا ترى ما هو المفهوم الحقيقي للارض
هل هو مجرد احجار او رمل او مساكن ام ان لها مفهوما خاصا هذا ما سنلقي الضوء عليه في هذا البحث
1- من ناحية كونها أرضاً لا فرق بين صخر وتراب ورمل وسبخات ....... فكلها أرض.
2- من ناحية وصفها لا يمكن وصفها كأرض رملية أو صخرية أو جبلية أو زراعية يكون هذا الوصف منطبقاً على ما تراه العين.
3- علاقتنا بالأرض ما الذي يحدد هذه العلاقة العقل أم الشرع؟؟؟؟
فمنذ أن أنزل الله آدم عليه السلام على الأرض ارتبطت بينهما ونشأت علاقة ............فعلى أي أساس تبنى هذه العلاقة على أساس العقل أم على أساس الشرع .......؟؟؟؟
4- عندما نستعرض بعض آيات الله عز وجل نجد :
أ*) ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ (البقرة: من الآية30)
ب*) ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ (البقرة:11)
عندما نجد اصطلاح الفساد والإفساد و المفسدون ويُفسدوا نجده قد وقع في الأرض وهذا الفساد كما عرفه العلماء: هو خروج الشئ عن كونه نافعاً أو منتَفَعاً به إن تعلّقَ بالشئ وأما الفساد بالنسبة للفعل كما قال ابن عباس والحسن وقُتادة والسدّي أن المُراد بالفساد في الأرض هو إظهار معصية الله.
وإظهار معصية الله تعالى إنما كان إفساداً في الأرض ؛ لأن الشرائع سُنن موضوعة بين العباد فإن تَمَسّك بها العباد زال العدوان ، ولزم كل واحد شأنه ، ولزم دائرته فلا يتعداها ، وحقنت الدماء ، وسكتت الفتن ، وكان فيه صلاح الأرض وأهلها.
أما إذا تركوا الشرائع وأقدم كل واحد على فعل ما يهواه ؛ لَزِم الاضطراب ، والهرج والمرج ، وحصل ما أخبر عنه ربنا عز وجل حيث قال ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ (محمد:22). وهذا تنبيه من الله تعالى إلى من أعرض عن الطاعة فإنه لا يحصل إلا على الفساد.
والفساد والصلاح عندنا أو من وجهة نظرنا ليس هو نَفسه عند غيرنا ، فغيرنا ينظر إلينا بعكس ما ننظر له نحن فاختلاف زاوية النظر بيننا وبينهم تُحدد معنى الفساد في الأرض ، ونقرأ ونحاول أن نفهم ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ. قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (لأعراف:128,127)

وفي الصورة مباحث:-
1- إن الملأ وهم الطغمة الحاكمة الذين يملأون القلوب رعباً والمستفيدون من وجود فرعون وَصفوا موسى ومن معه ممن آمنوا بأنهم مفسدون في الأرض. فكأنهم وصفوا من خَرج عن طاعتهم أو من حاول أن يَطعن في قانونهم ودينهم بأنه مُفسد في الأرض.
ونَفس الأوصاف اليوم يوصف بها من يحاول أن يَطعن في شرعية وجود الملأ بأنه مُفسد أو خارج عن الصّف أو مُتعاون أو مُتعصّب أو مُتَطرف فكلّ حسب ما يقتضيه الوضع يوصف ، والإطار داخل دائرة الإفساد في الأرض.
2- ( إن الأرض لله )... هي حقيقة يُدركها الجميع ولا يُنكرها منْكِر بل يُقرها الجميع وصدق الله العظيم ﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾(المؤمنون:85,84) فالكل يُقرّ بأن الله هو مالك السموات والأرض ... يفعل في ملكة ما يشاء فهي ليست لنا وإنما نحن كما أخبر ربنا ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ (هود: من الآية61) فنحن بأمره فيها وهو المُدبّر ومطلوب منا أن نأتمر بأمره فيما أمر.
3- أنه سبحانه أمرهم بشيئين وبشّرهم بِبشارتين؛ فقد أمرهم بالاستعانة به وحده ، فالعون لا يُطلب إلا منه فهو القادر على الإعانة لأنه صاحبها و واهبها ومُعطيها فمن عَرف واعتقد أن لا مُدبر في السموات والأرض إلا الله؛ خضعت نفسه، وسكنت وانشرح صدره، وأشرق بنور معرفته للحق عز وجل ، وحين إذن ؛ يَسهل عليه الصعب ويرى أن البلاء حين ينزل إنما هو امتحان من الله عز وجل لعباده يُنقيهم به من اللّمم ..... فيكون صبره ورضاه بقضاء الله عز وجل مخفف عنه من بلاءه.
وبشّرهم بـ ﴿ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ (لأعراف: من الآية128) فكانت حافزاً لهم للعمل الجاد وأن النهاية لهم بأنهم من يرثون الأرض وأي أرض؟ أرض فرعون بعد هلاكه، وهذا معنى الأرض وهو جعل الشئ للخَلَف بعد السَلَف (الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)(هود: من الآية49) هي الحقيقة الواضحة للمؤمنين بأن لهم العاقبة، وأنهم هم المتصورون ، لأنهم استعانوا بمن هو أقوى من فرعون.
وهذه الحقيقة لا بد من أن تُلازم كل المؤمنين بل هي الدافع لهم ليصلوا إليها عبر الطريق الذي رَسمه لهم الله ، فوُصولهم إليها عقيدة لا يعتريها شك ولا يتخللها ظن بل هي كما أخبرها الحق سبحانه (الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) .
وظنَّ المستضعفون من بني إسرائيل أن العذاب والإيذاء سوف يزول عنهم فوراً ودون عناء وجهد وصبر منهم فقالوا ﴿ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ (لأعراف:129) فكأنهم قالوا له أن مجيئك لنا لم يصنع لنا شيئاً فالعذاب هو العذاب قبلك وبعدك.
وهذا هو الخطر بعينة لوجود انحراف في زاوية النظر فهم قد نظروا للابتلاء التي يجريها الله على خلقه ولم ينظروا إلى منّة الله وعطائه فهم يحَسبونَ أيام البلاء ولا يَحسبون أيام الرخاء.
والمسلم الملتزم بأوامر الله ونوهيه المدرك لحقيقة البلاء والاستضعاف في الأرض يعي ويُدرك أنه في النهاية هو المنتصِر بوَعد الله وهو الخليفة في الأرض بغير منازع ولا يقول كنت قبل الإسلام في ضيق وبقيت بعده في ضيق ، وكنت مستضعفاً في الأرض قبل إسلامي وبعده بقيت مستضعفاً، بل يعتقد جازماً أن الله متم نوره ولو كره الكافرون وأعوانهم.
قلنا أن الأرض لله عز وجل وأن الإفساد فيها هو إظهار معصية الله فيها.
فالأرض لله وله وحده جلّ وعلا أن يُفضّل مكاناً على مكان فيها أو أن يُحدد لنا أعمالاً معينة في أمكنة معينة ونحن نفعل ما طلب منا طاعة له عز وجل؛ فعمان والقاهرة وبغداد ونيويورك وباريس والقدس ومكة أمكنة على الأرض يملكها الله وله وحده تفضيل مكان على مكان.
فنظرتنا للأرض ليست خاضعة لأهوائنا ولا يمكننا إخضاعها للظروف أو للمصلحة ....... وإنما هي نظرة منبثقة عن أحكام شرعية و أوامر ربانية ألزمنا الله بها وطلب منا القيام بها.
فقد طَلب منا ربنا الحج إلى مكة المكرمة فلا يمُكننا أن نقول أن المناخ هناك حار جداً فلو حَججّنا إلى دمشق لأن المناخ هناك معتدل والدين يُسر ولا يُنكر تغير الأحكام بتغير الأزمان.
والأرض توصف من وجهةِ نظرنا كمسلمين بأنها إما أن تكون ديار كفر أو ديار إسلام فهي تأخذ صفة الحُكم المطبَّق عليها ؛ فهي إما أرض إسلامية بظهور أحكام الإسلام فيها فهي ديار إسلام ، أو أرض كفر بوجود أحكام الكفر فيها.
وأما أرض وديار الإسلام فتنقسم إلى ثلاثة أقسام : حرم وحجاز وما عداهما.
أما الحرم فهو ما أطاف بمكة ومن جوانبها وحده من طريقة المدينة دون التنعيم عند بيوت بني نفار على ثلاث أميال ومن طريق العراق على ثنية جبل بالمنقطع على سبعة أميال ومن طريق الجعرانة بشعب آل عبد الله بن خالد على تسعة أميال ومن طريق جده منقطع العشائر على عشرة أميال.
فهذا حدُّ ما جعله الله تعالى حَرماً فقد روى الأشعث عن نافع عن أبي هريرة قال رسول الله- صلى الله عليه و سلم- ( أن إبراهيم علية الصلاة والسلام كان عبد الله وخليله وإني عبد والله ورسوله وإن إبراهيم حرّم مكة وإني حرّمت المدينة ما بين لأتبيتها عِضاهَهَا وصيدها ولا يُحمل بها سلاح لقتال ولا يقطّع بها شجر إلا لعلف بعير).
والذي يختصُّ به الحرم من الأحكام ويتميّز بها عن جميع البلاد:
1- أن الحَرَم لا يدخله فحل قدِم إليه حتى يَحرم لدخوله إما بحجيج أو بعمرة يتحلل بها من إحرامه.
2- تحريم صيده على المحرمين والمحلين من أهل الحرم.
3- تحريم قطع شجره الذي أنبته الله.
4- أنه ليس لجميع من خالفنا دين الإسلام من ذميين أو معاهدين أن يدخلوه لا لإقامة أو لمرور.
الحجاز: وسمي الحجاز حجازاً لأنه يحجز بين نجد وتهامة وهو أيضاً له أحكام خاصة به:-
لا يستوطنه ذمي ولا مشرك ولامعاهد فقد روي عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة بن مسعود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كان آخر عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا يجتمع في جزيرة العرب دينان).