ما زلت أفكر بطريقة طفل يحاول أن يكسر اللعب ويشاغب، أعيش ذاكرة معلقة على جدار الأشواق، وأملأ حيز الفراغ حين أنحاز للكتابة , وأوغل في البحث عما يؤرقني.
منذ افترقنا لم تحدثني السماء، وبات القمر يعاقبني ؛ فيرسل نوره لكل الساهرين ويهملني!!
كنا معا أصابعا متشابكة، وقلوبا متعانقة، وكنت أراك بعدسة عين الروح؛ لأن الصورة بها أوضح وأصدق، وكنت أخشى عليك الكسر كبيت شعر شرطه الوزن ..
والآن .. وآه من الآن!!
الآن بت أتوسد القلب تحت ظل شجرة الشوق عند عتبات رحيلك ، ويدي ترسم ملامحك على صفحة الماء، وفي غيابك هجرت نفسي، وباتت تلسعني النداءات؛ فالحنين لا يغمض له جفن ، وكنت أظنني حين ألتقط بعض أنفاسي الهاربة سأعود بك أو ببعض بقاياك..!!
بحثت عنك ؛ لا لتعودي ، ولكن لتأخذي ما أبقيته من أحزان في قلبي.. احمليها معك في حقائب سفرك إلى عالمك الجديد ، فلم تعد حروفي حافية تنتظر السماح بدخول محرابك، بل أصبحت الذكريات رحلة من صمت في زمن الثرثرة..
أتعلمين يا مغادرة!
سأمارس غواية الكتابة، وسأبحث عن أنثى تشبهني؛ تستثير براكين روحي، وتنازع الغريب في داخلي.. بت أشعر أن بيني وبينها فاصلا من الترقب على صدر حياة مكتنزة بالضياع!!
الانتظار أصبح رفيقي الدائم، وهأنذا راحل إلى شاطئ غير شاطئك. أفترش خيالي ، و أتحول إلى عاشق جُرحه الصمت. لقد عرفت أخيرا عاقبة من لم يمسك بروحه عند السقوط .. حتى اللهفة لك ما عادت تلقمني طعم الأمنيات..
يا لسطوة المشاعر المرهقة حين يهرول العمر في محطات الجدب!!.. وحده القلم يبقى شامخا كرياح المواسم الحبلى بالمطر..
( أتعلمين أي حزن يبعث المطر؟؟!!)
قرأت هذه العبارة مرة في دفاتر السيّاب المنسية، وحينها لم أفهم قصده، ولكنني فهمتها الآن بعد أن تابعت هطولي الداخلي بمطر موشى بحزن مبحر نحو الروح؛ فالحزن النبيل هو آخر ورقة في ذواتنا.. والآن أيتها المغادرة.. الآن..
قررت ترتيب فصول حياتي دون أن تكوني فيها، وسأبتعد عن المكان الذي جمعنا صدفة، وسأسحب ظلي من على الأرصفة ، وسأمر على حروفي كنسمة ربيع عليلة؛ حتى لا أوقظ البراكين في داخلها وسأعانق الفرح؛ فعناق الأحزان مزقني، ولن أنتظر وهم هطولك، بل سأترك العنان لروحي لتمارس عبثها في عالم الأحلام ، وسيكون نبضي بحجم انتظارك ، و بقسوة جفائك..
أتدرين..؟؟!!
سأعفو عنك، وسأسكب الماء على أوردتي الملتهبة، وسأحاول تصنّع الهدوء حتى لا أقض مضاجع آلامي؛ فتنهض غاضبة لتقتحم روحك ..
أوااااااااااااااااااه!!
كم ضعفا عليّ أن أمارس كي تتساقط الأيام ، ويتضاءل وجودك في خفقي؟؟
سأنتصر ... نعم .. سأنتصر، وعندها فقط سأعيد الألوان التي سحبتها من عينيّ، وتركتني باهتا، فقد كبرت أحزاني، وما عدت أتسع لها..
لا عودة أيتها المغادرة!!
سألتقط أنفاسي، وسأعود للكتابة ، وأعدك أن تتسلق حروفي الروح، وتتحرك في فضاءات غير فضائك..
لن تنتهي الكتابة؛ لأنني سأكتب بذات العطش؛ فلا الصفحات ترتوي، ولا أنا يكفيني نبعها..
وداعا يا مغادرة..
قبل أن أغادر صفحتي أريد أن أقول لك شيئا، ولعله آخر أسراري: لا أدري ما سر كثرة السين في رسالتي إليك..!!