إذا كنتِ تظنين أنكِ بدموعك يمكنك احتواء الأحزان، فأنت مخطئة؛ فلم يعد البكاء يجدي، ولم تعد عيونك الدامعة تستهوي عاشقيك!!
تعاودين البكاء؟؟!!
( تعبت، كيف أقنعك بأن امتزاج الدمع بالمطر ما عاد يشكل ساقية الخصوبة في إناء الوجد، وأن هذه اللآلئ المنفرطة من مقلتيك لا وميض لها أمام عتمة الأرواح الهاربة إلى مقبرة الأحلام الكبرى: أعني الحياة!!).
هلاّ نظرت إليّ كيف أدفن وجهي في حقيبة مسافرٍ، وأرحل إلى جزر الوهم أجلس بين جناحي ملاك، وأقرأ من دفتر الاغتراب حكايا فؤادي الحزين؟؟
لا تستغربي !! فقد شربت النوى شراب غروب لشمس عتيقة!!
وبت كالهائم ألوك ذاكرتي، وأراود الشعر فيفضحني بقوافيه الخرساء..
الدموع- يا سيدتي- لم تعد تجدي؛ فأحلامنا موزعة، وطيور الخير تختنق على أشجارنا التي هجرتها أوراقها الخضراء.. ونحن نقف بباب العمر، وقصائدنا التي تمجد ماضينا باتت صامتة واهية..
تحجرت الدموع في مآقي قصائدنا، وبتنا نبحث عن لون نخضب به قوس جراحنا..!!
وبات من الممكن أن يرث العيي فصاحة الطلقاء.. لعله يبحث عن نخل عروبي يغرسه في أرض قصائدنا اليباب..
أتعلمين لماذا هجرت الدموع؟؟!!
لقد هجرتها؛ لأنني صدقت أكذوبة قديمة تقول: إن البكاء دليل الضعف، وعندما أردت أن أحقق معادلة الإملاء على الزمان؛ ليسطر أمجاداً لا وجود لها إلا في مخيلة الشعراء؛ فوجئت بالواقع المر!!
كنا - يا عزيزتي - مطاردين حضاريا، والآن أصبحنا مطاردين ونحن لا نمتلك إلا رايات الحضارة!!
لم يعد يستهويني قول من قال:
فاستخبروا الدمع عن ألوان غربتنا...... فالدمع في زمني قد صار تصريحي
سأبحث عن شيء آخر غير البكاء؛ فالبكاء يستبق الأحلام اليتيمة، ويمتشق قلوبنا المراقة مدادا، وليس فيه إلا الغرق في بحار سافر على متن سفنها سندباد الأدب، فلم يجد إلا الشتات يلملم أبعاده التائهة..
مشكلتنا- يا سيدتي- أننا نحنُّ للماضي، والحاضر يصيح في آذاننا، ووطننا تقتاته جراحه، وتوغل الخروق في اتساعاته المديدة..!!ولأننا آمنا بأن ( آفة الصدر ضيقه) فقد لجأنا للفرج بالبكاء..
تعالي لنعقد صفقة مع التفاؤل.. وسنحلم بوطن مسيّج بالأحلام، وطن هو جنة الله على أرضه، ونحن فيه الحور والولدان...سنحلم بحرية تشرق في سمائنا بألوان معاليها..سنحلم بنفوس لا تعرف العجب والخنا..سنحلم بشباب لا يعرفون السبات؛شباب هم سلاطين الورى..
سنهجر الأحزان والدموع، وسنركب أجنحة الشعر الذي يجدد فينا المجد الذي يستعلي على الشهب، وسنسحب من قصائدنا الخيبة والحرمان،وسنقبل بنفوس معذبة بهمّة شاعر لا تعرف إلا التجلد،وسنصبر فالصبر درع الكميّ، وسنصون دموعنا ونودع اليأس والأسى..
ابتسمت محدثتي..
نعم هذا ما أريده منك ابتسامة تغسل أدران الحياة؛ لتبعث في نفسي ونفسك الطمأنينة (دعينا نئد أحزاننا قبل أن تنهمر دموعا يهرب الآخرون منها إذ تذكرهم بفداحة ما يقترفون بحق الشفافية من جرائم..)
ودعتني محدثتي، وخرجت باسمة للحياة، فقد اقتنعت أخيرا بهذياني!!
وبعد رحيلها عدت إلى وجومي وحيرتي؛فانطلقت وراءها..
- لي رجاء أخير يا سيدتي: ( أرجوك علميني البكاء!!!)