التربية الجنسية.. متى وكيف؟

إجابات أسئلة الجنس…. محاذير وشروط



أولاً: المحاذير:

1 - التهرب من الأسئلة مهما كانت محرجة أو مُربكة، مهما كان سن الابن/ الابنة صغيرًا أو كبيرًا، مهما كانت دلالة السؤال أو محتواه؛ لأن ذلك يشعر الأبناء أن ميدان الجنس ميدان مخيف وآثم، فتتولد لديه مشاعر القلق والاضطراب والرفض، وهذا ما يسميه البعض ب "الكبت"، وقد يتعدى الأمر بالتأثير على نظرة الفتى / الفتاة إلى الجنس الآخر.

وللكبت نتائج أخرى كثيرة منها تأجيج الفضول الجنسي ليتحول الصغير إلى Colombo مفتش عن الأمور الغامضة ، يبحث عن إجاباته في كل حديث ، في كل مجلة ، وفي المراجع وعند الأقران والخدم ، وإذا واجهه الفشل في الوصول إلى إجابات مقنعة يفقد الصغير ثقته في قدرته العقلية ، وقد يؤدي ذلك إلى تعطيل رغبة المعرفة لديه فيلجأ إلى اللامبالاة المعرفية فيبدو الفتى/ الفتاة كالمتخلف عقليًّا ؛ لأن هناك عوامل انفعالية كبّلت قدراته العقلية ، كما يفقد الصغير ثقته بوالديه اللذين يفشلان في مواجهة أسئلته العفوية ، ويؤكد علماء النفس أن من توابع الكبت .. الاضطراب السلوكي ، فالاهتمام الزائد والمفرط للأبناء بموضوع الجنس قد يؤدي إلى الشرود والكذب والسرقة ، بالإضافة إلى القلق والعدوان ، وفي بعض الأحيان إلى اللا إنضباط المدرسي.

2 - تنجيس الجنس وتأثيمه أو اعتبار هدفه الأوحد هو الإنجاب ، ولكن هناك مرحلة من المراحل لا بد أن يتم تعريف الفتى/الفتاة معنى الحديث الذي جاء في سؤال الصحابة الكرام له (صلى الله عليه وسلم): "أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر " (رواه مسلم) فالجنس يعبر الزوجان من خلاله عن الحب ، المودة و الرحمة التي تجمع بينهما والشوق الذي يشدّ أحدهما إلى الآخر، ويمكن تقريب هذا الأمر من تصور الأولاد بالاستناد إلى خبرتهم الذاتية، بحيث يُقال لهم مثلاً، ألا يسرّكم أن تعبروا عن حبكم لإخوتكم بالمُهاداة ، والكلمة الطيبة، والابتسامة، ألا تعبّر الأم عن حبها لأولادها باحتضانهم وتقبيلهم ، كذلك الأزواج يملكون وسائل أخرى للتعبير عن مشاعرهم.

ثانياً: شروط الإجابة:

1- مناسبة لسن وحاجة الابن/ الابنة:

وبما إن الأسئلة سوف تتيقظ وفق سرعة النمو العقلي لكل طفل ، ووفق الظروف التي تحيط به فولادة طفل تثير تساؤل الصغار 3 - 4 - 5 سنوات ، مناظر الحب في التلفاز تثير نوعًا آخر من الأسئلة ، سماع آخر أخبار : قضية تأجير الأرحام يثير أسئلة أطفال بدءاً من سن الثامنة... إلخ).

المطلوب التجاوب مع أسئلة الابن/ الابنة في حينها وعدم تأجيلها لما له من مضرة فقدان الثقة بالسائل ، وإضاعة فرصة ذهبية للخوض في الموضوع ، حيث يكون الابن متحمسًا ومتقبلاً لما يقدّم له بأكبر قسط من الاستيعاب والرضى.
ولا داعي إطلاقًا لإعلامه دونما دافع منه ؛ لأنه في هذه الحالة سيكون استعداده للاستيعاب والتجاوب أقل بكثير ؛ ولذا تكون الإجابة منطلقها هو تصور الطفل نفسه ، الذي علينا بدورنا توضيحه ، تصحيحه ، إكمال النقص فيه وبلورته.

*مثال : لأطفال من 3 - 6 سنوات
الطفل : من أين يخرج الأطفال يا ماما؟

المربي : ماذا تعتقد؟

الطفل : الطبيب يشقّ بطن الأم بالسيف.

المربي : هل رأيت طبيبًا أبدًا يحمل سيفًا؟

الطفل : لا.

المربي : الله سبحانه وتعالى يخلق للأم فتحة معينة تساعد

المولود على الخروج من بطن الأم.

الطفل : أين هي؟

المربي و ببساطة : بجوار فتحة البول ، ولكنها ليست نفس الفتحة.

إذن الانطلاق يكون من تصورات الابن ، مستدرجين إياه إلىالتفكير والتحليل على ضوء ما يملكه من خبرة ومنطق ، ثم تقديم ما يحتاجه من معلومات بصورة مبسطة متناسبة لاستيعابه الذهني دون تطويل أو تعقيد في التعبير و تكون نبرة الحديث عادية مثل المستخدمة في أي إعلام آخر، حتى يفهم الابن أن مجال الجنس هو جزء من الحياة الطبيعية.

2 - متكاملة:

بمعنى عدم اقتصار التربية هنا على المعلومات الفسيولوجية والتشريحية ؛ لأن فضول الابن يتعدى ذلك ، بل لا بد من إدراج أبعاد أخرى كالبُعْد الديني كما أشرنا وذلك بشرح الأحاديث الواردة في هذا الصدد من أمثل ة سؤال الصحابة الكرام له (صلى الله عليه وسلم): "أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر " (رواه مسلم)

بمعنى لا نغفل بُعْد اللذة في الحديث، ولكن يُربط ذلك بضرورة بقاء هذه اللذة في ضمن إطارها الشرعي (الزواج) حتى يحصل الأجر من الله تعالى. فالابن يدرك في سن مبكرة جدًّا اللذة المرتبطة بأعضائه التناسلية وما يحتاجه هو الشعور بالأمان ، الشعور باعتراف الأهل بوجود اللذة وهذه الطاقة الجنسية ، ولكن مع إيضاح وتوجيه أن اللذة عليها بالضرورة أن تبقى في إطارها الشرعي ، في إطار النكاح الحلال و هنا يمكن ذكر حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم): … أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"(رواه البخاري)

3 - مستمرة:

هناك خطأ يرتكب ألا وهو الاعتقاد بأن التربية الجنسية هي عبارة من معلومات تُعطى مرة واحدة دفعة واحدة وينتهي الأمر، وذلك إنما يشير إلى رغبة الراشد في الانتهاء من واجبه " المزعج " بأسرع وقت ، لكن يجب إعطاء المعلومات على دفعات بأشكال متعددة (مرة عن طريق كتاب - شريط فيديو - درس مسجدي... إلخ)، كي تترسّخ في ذهنه تدريجيًّا ويتم استيعابها وإدراكها بما يواكب نمو عقله.

4- في ظل مناخ حواري هادئ:

المناخ الحواري من أهم شروط التربية الجنسية الصحيحة ، فالتمرس على إقامة حوار هادئ مفعم بالمحبة ، يتم تناول موضوع الجنس من خلاله ، كفيل في مساعدة الأبناء للوصول إلى الفهم الصحيح لأبعاد " الجنس " والوصول إلى نضج جنسي.

يتبع

التربية الجنسية.. متى وكيف؟

منى يونس





يلاحظ المرء بكل سهولة ويُسر الاضطراب الذي ينتاب الأهل حينما يكتشفون - فجأة - أن عليهم الإجابة عن أسئلة الأولاد "المحرجة" حتى إن بعض الآباء يصف مواجهة هذه الأسئلة "بالورطة"، ويعتمد الكذب في محاولة التخلص من الحرج الذي تسببه له، ويرجع هذا الارتباك إما إلى أن معظم الأهل أنفسهم تم تعرفهم على الأمور الجنسية عن طريق الصدفة، ولم يتعرضوا لأي نوع من أنواع "التربية الجنسية"، أو أن الوالدين يشعران بأن عملية "التوعية" والخوض في الموضوع قد يتعرض في آخر المطاف إلى حياتهما الجنسية الخاصة "الحميمة"، مما يثير لديهما تحفظًا.

أما على الجانب الآخر، فالأبناء لديهم ميل طبيعي وفطري لاكتشاف الحياة بكل ما فيها، فتأتي أسئلتهم تعبيرًا طبيعيًّا عن يقظة عقولهم، وبالتالي ينبغي على المربي ألا تربكه كثرة الأسئلة أو مضمونها، وألا يزعجه إلحاح الصغار في معرفة المزيد، بل على المربين التجاوب مع هذه الحاجة.

ولا أعتقد أن الإخصائية الألمانية "مارلين ليست" أخطأت حينما قالت: "إن استعدادنا لتقبل الحديث عن الجنس مع أبنائنا أكثر فائدة من أوضح الكتب المصورة عن الأعضاء الجنسية". فإن استعدادنا للتعامل مع هذا الفضول - نحن الآباء والأمهات - واجب أساسي وليس هامشيًّا، ولا بديل عنه في هذا الأمر؛ لأنه يحدد موقف الابن/ الابنة من الجنس، وبالتالي يحكم على حياته الجنسية المستقبلية بالنجاح أو الفشل.

لذا كان لا بد من رفع الالتباس لدى الأكثرية من أولياء الأمور بين "الإعلام الجنسي" و "التربية الجنسية"، فالإعلام الجنسي هو إكساب الفتى/ البنت معلومات معينة عن موضوع الجنس، أما التربية الجنسية فهي أمر أشمل وأعم؛ إذ إنها تشمل الإطار القيمي والأخلاقي المحيط بموضوع الجنس باعتباره المسئول عن تحديد موقف الولد/ البنت من هذا الموضوع في المستقبل