أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: عبقرية نظرية النظم ٤- الكنز الذي في كتاب دلائل الإعجاز

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2021
    المشاركات : 332
    المواضيع : 39
    الردود : 332
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي عبقرية نظرية النظم ٤- الكنز الذي في كتاب دلائل الإعجاز

    كتاب دلائل الإعجاز هو الكتاب الذي شرح فيه الشيخ عبدالقاهر الجرجاني نظرية النظم وأسس فيه علم المعاني في البلاغة فكان هذا الكتاب هو الكتاب المؤسس لعلم البلاغة لكن المحققين والمدققين لما قرؤوا هذا الكتاب قالوا : إن في هذا الكتاب كنز ليس له ثمن هذا الكنز ليس علم البلاغة بل طريقة التفكير التي استخرج بها الشيخ عبدالقاهر هذا العلم مستخرجا العلم من العلم والفكرة من الفكرة والمجهول من المعلوم .
    مستوى من التفكير غير طبيعي إذا تعلمته وأجدته ينقلك من ترديد ماقاله الناس قبلك الى أن تضيف شيئا يضاف الى ماقالوه مستوى من التفكير يحولك من الاستهلاك الى الإنتاج والتحول من الاستهلاك الى الإنتاج يصنع ثورة بها ترتقي الأمم.
    أقسم بالله أن هذا الكتاب خطير جدا كأنه مصنع للعقل تبدأ بقراءته ثم ما إن تنتهي من وريقات قرأتها منه حتى تجد لهذه القراءة أثرا في قدح زناد عقلك باختصار هو كتاب يعلمك مستوى عالي جدا من التفكير وهذي هي طبيعة الكتب التي أسست العلوم في الثقافة العربية الإسلامية لكن هذا الكتاب قد يكون تجاوزها لأن البلاغة بقيت قرونا كامنة في القرآن والحديث والشعر والنثر أي النصوص ذات البيان العالي وفي أوصاف العلماء لها حتى جاء هذا الشيخ في القرن الخامس الهجري فاستخرجها فكان أهم سؤال يسأل : كيف استخرجها ؟
    في كتاب دلائل الإعجاز نماذج كثيرة لما استخرجه الشيخ لكن يكفي أن نتكلم على شيء واحد كمثال يقول الشيخ:
    ومنَ اللطيف في ذلك قولُه تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: ٢١]، وذلك أن قوله: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}، مشابِكٌ لقولِهِ: {مَا هَذَا بَشَرًا} ومُداخلٌ في ضِمْنه من ثلاثة أوجهٍ١: وجهان هو فيهما شبيهٌ بالتأكيدِ، ووجهٌ هو فيه شبيهٌ بالصفةِ.

    فأحدُ وجهَيْ كونِه شبيهاً بالتأكيدِ، هو أنه إذا كان مَلكاً لم يكن بشراً، وإذا كان كذلك كان، إثباتُ كونِهِ ملكاً تحقيقاً لا محالَة، وتأكيداً لنفي أنْ يكونَ بشراً.

    والوجهُ الثاني أن الجاريَ في العرِف والعادةِ أنه إذا قيلَ: ما هذا بشراً وما هذا بآدميٍّ" والحال حالُ تعظيمٍ وتعجُّبٍ مما يُشَاهَدُ في الإِنسانُ مِنْ حُسْنِ خلْقٍ أو خُلُق٢ أن يكونَ الغرضُ والمرادُ من الكلام أن يقال إنه ملك،
    وأنه يُكْنَى به عن ذلك، حتى إنَّه يكون مفهومَ اللفظ١، وإذا كان مفهوماً مِنَ اللفظ قَبْلَ أن يُذْكَر، كان ذكرهُ إذا ذُكِرَ تأكيداً لا محالَة، لأنَّ حَدَّ "التأكيدِ" أنْ تحقِّقَ باللفظِ مَعْنًى قَد فُهِمَ مِنَ لَفْظٍ آخرَ قَدْ سَبَقَ منَكَ. أفلا ترى: أنه إنما كان "كلُّهم" في قولَك: "جاءني القوم كلُّهم" تأكيداً من حَيْثُ كانَ الذي فُهِمَ منه، وَهُوَ الشُّمولُ، قد فُهم بديئاً من ظاهِرِ لفظِ "القومِ"، ولو أنَّه لم يكن فُهِم الشمولُ من لفظِ "القومِ"، ولا كانَ هو مِنْ موجبه، لم يكن "كلٌّ" تأكيداً، ولكان المشمول مُستفاداً من "كلِّ" ابتداء.

    وأما الوجه الثالث الذي هو فيه شبيهٌ بالصِّفة، فهو أنه إذا نُفَيَ أن يكونَ بَشراً، فقد أثبتَّ له جنسَ سِواه، إذْ منَ المُحالِ أن يخرُجَ من جنسِ البشرِ، ثم لا يدخُلُ في جنسٍ آخرَ. وإذا كانَ الأمُر كذلكَ، كان إثباتُه "مَلَكاً" تبييناً وتعييناً لذلك الجنسِ الذي أريدَ إدخالُه فيه، وإغناء عن أن تحتاجَ إلى أن تسألَ فتقولَ: "فإنْ لم يكنْ بشراً، فما هُوَ؟ وما جنسُه؟ " كما أنك إذا قلتَ: "مررتُ بزيدٍ الظريفِ" كان "الظريفُ" تَبييناً وتعييناً للذي اردتَ مِنْ بينَ مَنْ له هذا الاسمُ، وكنتَ قد أغنيتَ المخاطَبَ عن الحاجةِ إلى أن يقول: "أيَّ الزيدين أردت؟ ".
    هنا الشيخ يقيس المعلوم في النحو وهو أسلوب التوكيد اللفظي وأسلوب الصفة أو النعت يقيسه في الجمل على المفردات وطبعا الجملة لاتوصف لكن الشيخ يقصد لماذا لم تعطف الجملة الثانية إن هذا الا ملك كريم على الجملة التي قبلها لأن الصفة لاتعطف على الموصوف وكذلك التوكيد اللفظي لايعطف على المؤكد وهذا شي عجيب وهو أن الأساليب بينها أفكار متشابهة وعلاقات تجمع بينها فيمكن أن نقيس ماكان مجهولا لنا منها على ماهو معلوم لنا منها فنستخرج المجهول من المعلوم وإن كنا نظن أنه يابعد مابين التوكيد اللفظي والنعت وبين فصل الجمل وترك عطفها على بعض .

  2. #2