الحياة ورقة
ــــــــــــــــــــ
وحيدة , تذبحني الوحدة بسكينها الحامية , تمزق أوصالي , كانت تفترسني بشراهة عجيبة , أتمزق , تسيل دمائى , تلعقها.
دق جرس الباب , رأيت من خلاله رجلاً , عرفت أنه من قسم الشرطة, صعقت عندما سألنى عن اسمى .
- نعم !
ـ لك تلك الورقة.
أخذت الورقة , أحسست برعشة تسرى فى كيانى , كأنها زلزال , مركزه هذه الورقة وأنها ستدك عمرى كله , أصبح زوجى كأنه فوهة بندقية , تطلق طلقة نارية تهدم بها حياتنا.
تسيل من عينى دمعة ملتهبة, فاقت حرارة الشمس, كلما أغلقت جفنًي , صارعتهما دمعة جديدة, تريد أن تنزلق, لتلقى مصير أختها .
شعرت أننى على متن سفينة غارقة , لا سبيل لإنقاذها ، بعدما فر الربَان وتركني أصارع الأمواج وحدى , فى هذا الخضم , وجدتني أركب إحدى أمواج الماضي, وأعود معها.
رأيتنا معاً , تغمرنا السعادة , إن فتحت عينيّ أرى الدنيا , ترتدى أجمل ثيابها, إن غفوت فأحلامي كلها جميلة, صرنا نشرب من ينبوع السعادة حتى الثمالة, يطفو على سطح السعادة سؤال , سألنى وسألته ....
أين طفلنا ؟ ونظر كل منا للآخر, علامة الاستفهام تلتف حول أعناقنا , من منا الذى لم يعط جواز مرور لطفلنا , أعاق حضوره.
ذهبنا إلى الأطباء , أجرينا الاختبارات اللازمة , انتظرنا النتيجة , هى عقد من الماس, يزين جيد كل النساء , بكيت أيامى وأنا أنتظر هل أنا ولود, أم أننى شجرة عقيم ؟ لاتصلح إلا أن يستظل بظلي لاغير, أو أن أبتر أصير قطعة خشب , تحرق ,تصير رماداً.
هل أبتر ؟ وأنا ليس لى فروع جديدة , أو ثمار تملأ حياتى بهجة.
يجلس شارداً أمامي , ينظر كل منَا للآخر بعيون الصمت, كأننا نرى بعضنا لأول مرة , وورقة التعارف ببننا هى نتيجة الاختبارات, نحن فى سباق , كل منا يتمنى الفوز على رفيقة , حياتنا بها عطب ، لايريد أن يكون هو سببه وأنا أود ألا أكون السبب.
ذهبت إلى الطبيب , قرأت عينيه قبل حديثه , أنا أرض بور لن أنبت أو أثمر!!
ماتت داخلى الأمومة , انتحرت , ارتديت ملابس الحداد على رفيقتي الراحلة , شعرت برحمي يضمر داخلي وينكمش , يستحي منى , يبكى ويحزن ، لأنه لا يصلح ليكون دنيا لصنع وليدى!!
عدت للمنزل , ووجدت زوجي وعلى وجهه رسمت نشوة النصر, أنظر إليه بنظرة استعطاف , لكن كنت كأسيرة وهو أمير منتصر, سعيد بفوزه !!
تركنى وحيدة , أحمل عقمي الذى صار رفيقي فى دنياى, بعدما رحلت أمومتي بغيرعودة.
رحل , أغلق الباب , بعدما رمقني بنظره , يقول فيها إنى راحل, لن أكمل عمرى معك , أنت نصف امرأة , مجردة من الأمومة , بئر جف ماؤها قبل أن يروينى, أعود إلى مشاعرى الممزقة , وقد لففتها فى ورقة!!