خربشات مع فراق الكرى
زياد جيوسي
الواحدة والنصف صباحا..فارقني الكرى وغزا عيني الأرق والسهد حاولت النوم بعد يوم مرهق وصعب، دخلت فراشي الساعة الثانية عشرة منتصف الليل بعد أن مارست طقوسي المعتادة قبل النوم، صليت العشاء متأخرا وقرأت بعضا من سور القرآن واستمعت لحصاد اليوم من الجزيرة كاملا شربت خلالها فنجانا من القهوة مع لفافة تبغ، تمددت في فراشي وقرأت الأدعية المعتادة التي تعودت أن اقرأها قبل نومي تبعتها بالمعوذات وآية الكرسي والفاتحة على سيد المرسلين، عبادة داخلية اعتدت أن أمارسها ثلاث مرات يوميا بعد الفجر والمغرب وقبل النوم مباشرة.
ذهبت بي الأفكار بعيدا سرحت بي عبر الحدود، أفكار لا تعترف بالحواجز ولا الأسلاك ولا الجدران، لا تحمل جواز سفر أو تأشيرة لا تطلب إذنا من أحد حتى مني..يا ترى ماذا تفعل الآن ؟؟ أنائمة هي تحلم بغد أجمل ؟؟ تقرأ..؟ تكتب..؟ تعيش الذكريات..؟ أم تترجم أحلام على ورق ؟؟
كيف شكلها..شعرها..عيونها..أتخيله ا بشرة فاتحة اللون تميل للسمرة قليلا..شعر أسود يميل للكستنائي..ليس طويلا ولكنه يلامس الكتفين..مردود للخلف فوق جبين متسع..عيناها ليستا ضيقتين ولكنهما ليستا صغيرتين، تشعان ببريق يدل على ذكاء وحيوية..ممتلئة الوجه..ريانة الشفاه مع امتلاء بالشفة السفلى، ذات أنف أقنى ناعم ولطيف...أوه ليس مهما..يكفيني جمال روحها وطيبة أحاسيسها..
لكن سؤالا يلح على خاطري !! لما اختارت كتاباتي بالذات لتقرأها بعد يوم عمل مرهق ؟؟؟ هناك العشرات ممن يكتبون بنفس المنتدى..لهم كتابات جميلة وحلوة..لما كتبت لي أنا بالذات قارئتي المجهولة ؟ ولما شغلت حيز تفكيري فتواصلت معها باندفاع لم اعهده بنفسي من قبل..وصلتني قبل ذلك العشرات من الرسائل والتعليقات كنت أرد عليها بكلمات مقتضبة تحمل شكرا..
لما هذه المرة كانت مختلفة ؟؟ لماذا اجتاحت أحاسيسي ومشاعري....اهو قانون الضرورة حتما..أهو القدر..؟؟؟ سؤال يليه سؤال يتبعه ألف سؤال..
أتقلب في فراشي ذات اليمين وذات الشمال، اشعر بالرغبة بالنوم وثقل بالعيون ولكن هيهات..أين هو النوم..؟؟ وأنا الذي كان لا يضع رأسه على الوسادة إلا وكان في سبات عميق، حتى كنت مدار حسد على نعمة النوم ممن عايشوني وعرفوني عن قرب..
أذكر مرة في اجتياح رام الله وبعد أيام من خروج المحتلين من البناية التي تواجدت بها، خرجوا وفكوا قيودي وأزالوا العصبة السوداء عن عيني بعد أيام ثلاث لم تفارقني، خرجوا بعد أن عاثوا خرابا بالمبنى ليحاصروه ويحيطوا به احاطة السوار بالمعصم..أنهم عادوا بعد أيام من جديد ذات مساء، كانوا يطلقون النار بكثافة كزخم المطر، أصوات التفجيرات حول وتحت المبنى، القذائف تتفجر والمبنى يهتز والدخان يتصاعد ويخترق البناية حتى كدنا نصاب بالاختناق، كانوا يعلمون أننا داخل المبنى فهم غادروه وحاصروه، كان من المستحيل على الطير أن يطير بالسماء فكيف لبشري أن يسير بالشارع؟ ونحن محصورون في وسط المدينة حيث احتدام المعارك والدبابات سيدة الموقف، تزرع الموت والدمار..
نزلنا لغرفة قلنا لعلها تكون أكثر أمنا.. كنا ثلاثة..السائق وحارس المبنى وأنا لا نمتلك إلا رعاية المولى، كان الجو باردا جدا، شعرنا بالموت يقترب منا، قرأت أدعيتي المعتادة وقصار السور، تمددت على فراش بسيط، نظرت لزملاء القدر والموت باسما وأصوات الجند تحت النافذة تماما..قلت لهم: إذا توقف القصف وبقينا أحياء أيقظوني من النوم..وما هي إلا دقائق حتى كنت أحلم بأشياء جميلة محلقا بعوالم خارج الواقع..وما زال زملاء المحنة يتندرون بتلك الواقعة وغيرها ويحسدوني على نومي الهانئ في ظل القيود والمعارك..
وها أنا الآن تفارقني قدرة التحكم بالنوم، أغادر فراشي بعد ساعة ونصف من التقلب والسرحان، أخرج للصالة...يا لسوء حظي..لا قهوة بالعلبة، نسيت أن احضر معي..لكن لا بأس وجدت بقايا فنجان قهوة باردة في أسفل الدلة..أصبها باردة فقد اعتدت على القهوة باردة، أشعل لفافة تبغ وأفكر بك...أجلس لمنضدة صغيرة متناولا قلمي...ابدأ الكتابة..تعاودني التساؤلات..يا الله كيف جرفنا سيل الكلمات، فألقانا في بحر لجب من الأحاسيس والمشاعر...يا الله كيف تحولت قطرة الى شلال !!!!
الساعة الآن تتجاوز الثالثة صباحا عيناي تتنقلان بين الورقة وسقف الصالة، ولكن أين اغماضة العينين؟؟؟..."ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي"...ترى ما سيحمل إلي بريدي في الصباح من لمستي الحنون ؟؟؟ لفافة تبغ اثر أخرى، لا قهوة تخفف مرارة التبغ...عيوني ثقيلة...الساعة تجاوزت الثالثة والنصف صباحا...أعود لفراشي..آه يا سيدتي يا امرأة الشوق..أما مررت بطيفك على عيناي لتهدأ نفسي وأنام...؟؟؟؟؟
فلسطين / رام الله
20\5\2005
ziadjayyosi1955@yahoo.com
"RAMALLAH-ARTS"