عرينٌ يمنيِّ النفس لو هبّ أســـده
إذا الغابُ غابَ الأُسْد عنها تذكَّرَتْ ** عرينًا يُمَنِّي النَّفس لو هبَّ أُسْدُهُ
ويُعْرَفُ عَرْفُ المرْءِ لو غاب عطرُهُ **كما البدر في الظَّلْماء لو غاب عهْدُهُ
فإنْ تُسْجَن ِ الأوطان لا يسْجَنِ الفتى ** إذا حطَّمَ الأغلالَ والقيدَ جِدُّهُ
وكم قُيِّدَ الأحرارُ في سجنِ ظالمٍ ** ولم يدرك السجان أنْ قُدَّ قِدُّهُ
وإنَّ جِدَار السجن حتى وإنْ علا ** يُدَكُّ وبالإيمان حتمًا نَهُدُّهُ
وإنْ ثارتِ الأمواج في البحرِِ لمْ نَزَلْ ** نقاوم مهما اشتدَّ للموج مَدُّهُ
ولا يدرك العلياء من هان عزمُهُ ** ولمْ يُورِ في يوم الكريهة زَنْدُهُ
وما تُدرَكُ الآمال والمرء خاملٌ ** ولكنْ إذا ما اشتدَّ في المرء شَدُّهُ
كما السيف يوم الطَّعن والعزم حدُّهُ ** ويوم نداء السَّلم فاللِّينُ غمدُهُ
فإنْ صاح خلتَ الليثَ في الغاب زائرًا ** وإنْ لاح خلتَ البدر ما طال بُعْدُهُ
وإن قال قولاً كان للحق قولُهُ ** وهل يُكرهُ الانسانُ إنْ طاب قَصْدُهُ
وقدْ يكرَهُ القَطَّافُ في النَّحل شوكَهُ ** ولكنَّهُ يهواه إذْ طابَ شهدُهُ
ولا تُرتَجَى الأزهارُ من غير شوكها **وهل دون شوك الرَّوض يزدانُ وردُهُ ؟!
وقد يزهدُ المرء المريدين وُدَّهُ ** ويهوى فؤادًا ضاع أوهان ودُّهُ
وقد يعشق المجلودُ أسواط جالدٍ** ويهوى سياطَ الذلِّ والضيمَ جلْدُهُ
كما الهرِّ يهوى خانقيهِ مخافةً** فيستمريءُ الإذلالَ والقهرَ قدُّهُ
كذا حال قومٍ لان للظلم ظهرُهمْ ** فصار على الأكتاف يختالُ قردُهُ
عجيبٌ لحال الأسْد والقردُ فوقها ** فيا ليتَ ليثَ الحيِّ يأتيهِ رُشْدُهُ
ولو كشَّرَ اللَّيثُ الأسيرُ لهابهُ ** ذئابُ العدى وانْفك في الحال قيدُهُ