بحر المتقارب وإشكالاته العروضية
بحر المتقارب هو البحر الخامس عشر في عروض الفراهيدي , وهو أول بحر في دائرة المتفق والتي تتضمن بحرا آخر هو ( المتدارك ) والذي لم يذكره الفراهيدي كأحد بحور الشعر العربي , ولا نعرف ما هي مبرراته في ذلك, بالرغم من إن أي بحر لابد أن ينتظم في دائرة يشتق منها وليس هناك بحر يتيم , وتسمية المتفق تعني وجود بحر آخر وهو البحر الشقيق للمتدارك.
وأنا لست بصدد التحدث عن المتدارك بل عن المتقارب وأول ما يستوقفني هنا هو الإسم ولماذا سمي بالمتقارب , فهل هو متقارب من بحور آخرى ؟
وخلاصة بحر المتقارب هي:
تفعيلاته :فعولن فعولن فعولن فعولن
يستعمل تاما و مجزوءا
له عروضان و ستة أضرب
أولا : التام : له عروض صحيحة : فعولن ولها أربعة أضرب :
1 - ضرب صحيح : فعولن
وكنا نعدّك للنائباتِ فها نحن نطلبُ منك الأمانا
فعولن فعول فعولن فعول فعولن فعول فعولن فعولن
2 - ضرب مقصور : فعولن --- > فعولْ
و يأوي إلى نسوةٍ بائساتٍ وشعثٍ مراضيعَ مثلَ الشعالْ
فعولن فعولن فعولن فعولن فعولن فعولن فعولن فعولْ
3 - ضرب محذوف : فعولن --- > فعو --- > فعلْ
وداعك مثلُ وداعِ الربيعِ و فقدك مثلُ افتقادِ الديمْ
فعول فعول فعولن فعول فعول فعولن فعولن فعلْ
4 - ضرب أبتر : فعولن --- > فعْ
خليليَّ عوجا على رسمِ دارٍ خلا من سليمى ومن ميَّه
فعولن فعولن فعولن فعولن فعولن فعولن فعولن فعْ
ثانيا : المجزوء : عروضه محذوفة : فعولن --- > فعلْ و لها ضربان :
1 - ضرب محذوف : فعولن --- > فعلْ
أتعرضُ عن هائمٍ أبى عنك أن يعرضا
فعول فعولن فعلْ فعولن فعولن فعلْ
2 - ضرب أبتر : فعولن --- > فعْ
تعفّف و لا تبتئسْ فما يقضَ يأتيكا
فعولن فعولن فعلْ فعولن فعولن فعْ
شذوذ : يجوز قطع هذه العروض : فعْ
الحشو : يدخله القبض و يجوز أن يدخل جزءه الأول الثلم
وجود الخرم في أول البيت : فعولن --- > عولن
و يجوز أن يدخله الخرم و القبض : فعولن --- عولُ
والحقيقة استوقفتني أمور مهمة في بحر المتقارب ٍاشرحها بالتفصيل :
أولا :
العروضة ( فعولُ ) والتي أجازها الفراهيدي وعروضيون آخرون , وأنا هنا أذكر بأن العرب ما كانت تسكت على متحرك بل على ساكن , ولم أجد مبررا أن يجاز أن تنتهي العروضة بحرف متحرك لأنه يخالف قواعد اللغة العربية بتسكين آخر حرف عند السكوت.
وعروضيا ليس هناك من داعٍ للتحريك مادام قد جاز أن تكون العروضة ( فعولْ )
والعرب تلافت هذه القاعدة في بحر السريع الذي تنتهي عروضته بحرف متحرك ( مفعولاتُ ) وطويت وكسفت التفعيلة لتصبح فاعلن والزحافات حدثت في الوتد المحموع في آخر التفعيلة وأصبح البحر:
مستفعلن مستفعلن فاعلن بدلا من مستفعلن مستفعلن مفعولات
ولو تطلعنا لكل بحور الشعر العربي سنجد أننا نقف على ساكن في نهاية الشطر الأول عدا بحر المتقارب والذي لا أجد مسوغا له مادمنا نستطيع أن نعتمد ( فعولْ ) مع الضرب فعولن أو مع الضرب ( فعولْ ) أو حتى مع الضرب ( فعْ ) فلماذا أخالف قاعدة العرب في الوقوف على ساكن وأخالف بحور الشعر العربي الأخرى في المتقارب.
ثانيا:
الخرم في أول البيت وأن تأتي ( فعولن ) مخرومة أي ( عولن ) وهنا أيضا لنر ما سيحدث في التفعيلات :
عولن فعولن فعولن فعولن
وهنا يمكن إعادة كتابة التفعيلات كما يأتي :
مستفعلن , فاعلاتن , فعولن
أليس كذلك , فهل هذا هو المتقارب ؟
وهنا يمكن أن آتي بكل الزحافات المسموح بها في الأسباب
مستفعلن : متفعلن , مفتعلن لأن الوتد في آخر التفعيلة ( علن )
فاعلاتن : فعلاتن , فاعلات لأن الوتد في وسط التفعيلة ( علا )
فعولن : فعولْ , فعلْ وهي العروضات المسموح بها لأن الوتد في أول التفعيلة ( فعو )
لكن المشكلة في هذا البحر في التدوير إذ لا يمكن أن تتكون دائرة منه.
وهنا يمكن أن نحدد قاعدة للشعر العربي وهي أن البحور تتكون من :
- أربعة تفعيلات خماسية متشابهة
- أربعة تفعيلات سباعية وخماسية متشابهة
- ثلاث تفعيلات سباعية متشابهة أو على الأقل تفعيلتان منها متشابهة
ولي رأي سأطرحه فيما بعد كما قلت سابقا.
ثالثا : عند استخدام العروضة ( فعلْ )
فعولن فعولن فعولن فعلْ
وهنا لا يمكن تدويره لأنه يبدا بوتد وينتهي بوتد , ولا يمكن لوتدين أن يجتمعا.
***************
- استخدام العروضة ( فعْ )
فعولن فعولن فعولن فعْ
وهذه يمكن أن تقرأ
فعولن فعولن مفاعيلن
وهنا تمكنت من تدويره وأنتج هذه البحور:
فعولن فعولن مفاعيلن
8 5 , 8 5 , 8 5 5
فاعلاتن فعولن فعولن
5 8 5 , 8 5 , 8 5
مستفعلن فاعلن فاعلن
5 5 8 , 5 8 , 5 8
مفاعيلن فعولن فعولن
8 5 5 , 8 5 , 8 5
فاعلاتن فاعلن فاعلن
5 8 5 , 5 8 , 5 8
فعولن فعولن فاعلاتن
8 5 , 8 5 , 5 8 5
فاعلاتن فعولن فاعلن
5 8 5 , 8 5 , 5 8
فعولن فعولن مفاعيلن
ولننظر لبحر نتج في هذه الدائرة وهو ( فاعلاتن فاعلن فاعلن ) أليس هذا من بحر المديد والذي قيل عنه أي عن المديد:
- يستحدم مجزوءا فقط أي ( فاعلاتن فاعلن فاعلاتن )
- ثم أجازوا أن يأتي الضرب والعروضة محذوفة أي ( فاعلن ) أي يكون ( فاعلاتن فاعلن فاعلن )
ولكننا رأيناه هنا بحرا مستقلا وبدون أي افتراضات ( مع الضرب والعروض فاعلن ) وشاهده في كتب العروض:
ساكنُ القصرِ ومن حلّهُ .............. أصبح القلبُ بكم ذاهبا
ووزنه :
فاعلاتن فاعلن فاعلن ... فاعلاتن فاعلن فاعلن
إذن هذا البيت هل هو من المديد بشروطه أم البحر الناتج عن هذه الدائرة بدون شروط؟
كما يلاحظ البحر ( مستفعلن فاعلن فاعلن ) نظمت عليه شاعرة العراق الكبيرة نازك الملائكة وأسمته بحر ( الموفور )
إذن هو بحر جديد بدائرة جديدة ولا علاقة له بالمتقارب.
ونتيجة لهذا يمكن أن يكون البيت الشعري متكونا من تفعيلة سباعية وتفعيلتين خماسيتين.
في خلاصة الأمر:
- أجد أن استخدام ( فعولُ ) متحرك الآخر في العروضات ليس صحيحا , كما إن الخرم أيضا ليس صحيحا لأنه سيولد بحرا يختلف عن المتقارب ولا ينتمي لبحور الشعر العربي التي يمكن تدويرها بسهولة.
- عدم الخرم في التفعيلة الأولى لأنها ستنشيء بحرا آخر.
- العروضة فعْ أدت إلى ظهور دائرة عروضية جديدة , دعمها أحد بحور الشعر العربي وهو المديد. مما يعني أن المتقارب يجب أن يبعد عنه استخدام العروضة فعْ لأنها ستغير البحر إلى بحر آخر ينتمي لدائرة جديدة.
وهذه الدائرة ستكون العاشرة من دوائر عروض الشعر العربي ولنسمها حاليا دائرة ( المديد )
كنت قد كتبت هذا البحث قبل فترة , وما حدث أنه قبل أيام أيضا نشر الأخ الشاعر المبدع محمد السحار دائرة اعتمدت على وزن بحر نظم عليه قصيدة ( رحماك ربي ) واستحدث دائرة لبحور تامة وأساسها ( مستفعلن فاعلن فاعلن مستفعلن )
أما على وزن الموفور بعروضة وضرب ( فعلْ ) محذوفة السبب فالشاعر محمد أبو كشك وأنا نظمنا عليه قصيدتي ( المشبّك والرد عليها ) ووزنهما ( مستفعلن فاعلن فعلْ )
وبعض البحور التي نتجت هنا نتجت هناك بتفعيلة رابعة.
غير أن عدد البحور الناتجة لديه عددها أكبر وهذا بسبب اعتماده على تفعيلات أربع.
وهنا اعتمدت على تفعيلات ثلاث انطلاقا من المتقارب التام بضرب وعروض أبتر.
( فعولن فعولن فعولن فعْ )
ومرحبا بأي حوار أو رأي أو وجهة نظر