ليسَ الأديبُ الذي يكتبُ جملةً فيزوّقها ويُأنّقها، ويحشوها ببعضِ الكلمات التي قضتْ عليها ثقافتنا الضّحلة، حتى إذا أرادَ الاسترسال زلّتْ قدمهُ، وتبلّد حمارهُ، ولجّ عثاره وندّ به القلم..
هذا الشخص إنما هو في نأنأةِ الأدب، وأوّل مدارجِ السالكين!
إنّما الأديب هو الذي يُغدقُ عليك بلغته وأسلوبه، يطوّقك بقلائدِ دررهِ، بنفسٍ طويلٍ، وقريحةٍ وبداهةٍ أبداً كنعيم أهل الجنّة، كلّما نفدَ جُدّد!
فإذا ظننّت أن نفسهُ انقطعَ، وأصاب يراعه المللُ، صدمكَ بالجديد المستظرف..
هذا الذي يأخذ بتلابيب اللغة، فتنساق معه هيّنًا ليّنًا وديعًا، فيأتيك بالكلام فحلاً لفظه.. بكرًا معناه، فينزلُ إليك كلامه مساغَ الماء العذبِ في الحلق الظامئ..
هذا الذي وجهُ لغته وبلاغته كَمِرآةِ الغَرِيبةِ، مجلوّة أبدًا، يدركُ أن أبلغ الكلام لا يليق تخريجه الا على أدقّ مواقع الاستعمال، فلا هذرٌ ولا لَغوٌ، ولا إلقاء الألفاظ على عَوَاهِنِهِا، لذا تَجدهُ يضع الهِناء مواضع النّقب، فيصيب الحزّ ويطبّق المفصل..