عادة ما يهزمك الإصرار في عينيه عندما يناقش، لايناقشك بلسانك، بل بكيانه كله، ولم يكن أحد يتقبل انفعاله عندما يتكلم لأن أحدا لم يفهم أنه لا يدرك أنه يهاجم ولا يقصد حتى الهجوم، هو يتكلم بكل عصب فيه! أدركت ذلك منذ المرة الأولى التي التقينا فيها وكان يغلف نفسه بقشرة سميكة من التحفظ انهارت فور فتح باب من الحديث في أمر يهمه... فانتقل في لحظات من التحفظ إلى حماس متوهج.
في هذه المرة لم ينظر في عيني، ولم يبد حتى أنه يدرك أيا من الأشياء التي يتظاهر أنه يحدق فيه بتركيز لا داعي له: ما الفرق بين الانغماس فيما يضيع الوقت وبين الانتحار؟؟ كلاهما قضاء على الحياة!
ولما أجبته بالموافقة، أردف: سنحاسب على كل ذلك... نحن محاسبون على كل شيء... لكن البعض بطبيعتهم يملكون الإصرار على المواجهة عندما يجابههم موقف صعب، والبعض بطبيعتهم يهربون... أصبحت أهرب قبل أن أدرك... ثم أصبحت أدرك أنه لا يجدر بي الهروب لكنني أستمر فيه ولا أعرف كيف أتوقف... أحيانا أعرف لكن لا أحاول! أقول لنفسي أنه ليس مهما ... أنا لست مطالبا بالنجاح بل بالمحاولة، فالدنيا معبر، ومن يتأتئ ينال من الأجر أكثر ممن تسهل عليه التلاوة، لكنني سرعان ما أنغمس فيما اعتدت عليه وأنسى كل ذلك.
علقتها في حجرتي... كتبتها على دفتري... حاولت الالتصاق بذوي الإصرار لكن ذلك لم يغير أي شيء.
لم أجد كلمات أقولها له، لم يكن يتطلع لحل، كان يحكي فحسب .. يحكي بيأس .. بذات اليأس الذي انصرف يحمله على كتفيه.