المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ثناء صالح
السلام عليكم
أنا أول الحاضرين في مسرح الحنين ،كي ألتقط ما أشاء من درر الصور الشعرية الطازجة ،قبل أن تمتد إليها الأبصار وتتزاحم عليها الأيدي.
أَفْرَغَ الحُزْنُ قَلْبَهُ فَمَلَا = كَفَّهُ بِالغِيَابِ وَارْتَحَلَا
"ملا كفه بالغياب " هذه أول صورة أحاول أن أمد إليها يدي.
الكف الذي يمتلئ بالغياب! رائعة ، سرمدية ،ممتلئة بفراغ الغياب الذي يمتد ويتسع وهو يملأ ذلك الكف..
LO
يَزْرَعُ الرِّيحَ تَحْتَ خُطْوَتِهِ = تَارِكًا لِلسَّرابِ مَا حَمَلَا
يزرع الريح يزرع الريح! تحت خطوته . هذه ثانية !
الريح تمر تحت خطوته. فكم هي كثيفة ليستطيع زرعها. .؟ وهل يزرعها لكي تثمر في إثر خطوته ؟ أي أثر يطمح بإبقائه خلف خطواته ؟
زَادُهُ فِي الرَّحِيلِ دَمْعَتهُ = كَلَّمَا جَاعَ فَجَّرَ المُقَلَا
يجوع فيفجر مقتليه دمعا. لأنه اصطحب دمعه زادا. رائعة.
شَرِبَ البُعْدَ خَمْرَةً فَسَقَى = ظَمَأَ الرُّوحِ وَارْتَمَى ثَمِلَا
"شرب البعد" وأيا ما كان نوع هذا الشراب ، خمرا أو غير ذلك، يهمني أنه " شرب البعد " !!!
وهذا الإبداع في القبض على اللامحدود وتكثيفه في كلمة اسم أو فعل.
يملأ كفه بالغياب. ويشرب البعد : صورتان تنبثقان من المعين الإبداعي نفسه في جهة ما من خيال الشاعر الذي يستجلب اللانهاية ليجمدها في لحظة حسية تشبه قطرة برد جامدة باردة .فيلمسها القارئ ويدركها بحواسه.
يَتَهَادَى عَلَى الدُّرُوبِ وَمِنْ = جِهَةِ الغَيْبِ أَمْسَكَ الأَمَلَا
نعم! من جهة الغيب أمسك الأمل وهو يمشي متعاديا على الدروب !
يمسك الأمل من جهة الغيب. وهذا ما يفعله الشاعر في هذه التشكيلات الفنية الشاعرية الفريدة . يمسكه ويصوغه لنا دررا.
وَطَوَى الأَرْضَ مُسْرِعًا وَبَنَى = مِنْ خُطَى العَزْمِ تَحْتَهُ جَبَلَا
مِنْ أَعَالِيهِ مَدَّ قَبْضَتَهُ = رَافِعًا حُلْمَهُ الذِي اخْتُزِلَا
يقف الآن على قمة الجبل الذي بناه من العزم الذي خطا به وهو يمشي
فَهُوَ الآنَ بَعْدَ غُرْبَتِهِ = عَادَ مِلءَ النُّقْصَان مُكْتَمِلَا
فَـهُـوَ الآنَ بَـعْــدَ غُـرْبَـتِـهِ
عَادَ مِـلءَ النُّقْصَـان مُكْتَمِـلَا
وآخر درة في آخر بيت تصوره لنا وقد عاد مكتملا بنقصانه.
أي أنه استطاع أن يدرك نقصانه . استطاع أن يتمثل نقصانه. فعاد بعد غربته التي انتهت بعودته. استطاع ان يعود من غربته عندما وصل إلى ما ينشده من الاكتمال.
كان ذلك الاكتمال بامتلاء وعيه بنقصانه.
فكرة فلسفية تمثل نقص المخلوق .وضرورة تمعنه وإدراكه لهذا النقص .
أمتعني جدا ما قرأت .
دام لكم الإبداع أستاذنا الشاعر المحلق عصام فقيري