وما زال اليراعُ يخطُّ ما لاح في البال ، يتلمّسُ فيضَ النّوال من نوافذ بَرق الخاطر وبَوح الذات ، وفي أيّام الرَّبيع وذكر صاحب الذكرى الرَّفيع مقامُه الواجب توقيره واحترامُه ، فلا ريب يتساءل الخاطرُ هنا قائلاً : كيف سيكون الإحتفالُ غدًا بالحبيب محمَّدٍ يومَ الورود على الحوضِ الموعود؟، وقد كان هو - بأبي وأمي - مَن جعل مِنبرا في مسجده لمن أراد أن يشدو مُنافحًا عنه وعن رسالته ، يقينًا سيكون لكل مَن زاد اللهُ في منطقه حُسْنًا ووفاءً وبهاءً نصيبٌ معلوم وقدرٌ مُبين .
وعلى حين انتباهٍ وحضور ، ومن بين الزحام في ساحة الشهود يُلوّحُ مَن أيّد قريحتَه روحُ القدُس بيده ، ناطقًا بفؤاده ولسانِه :
أغرُّ عليه للنبوّة خاتم ... من الله مشهود يلوح ويشهدُ
وضمّ الإله اسم النبيّ لإسمه ... إذا قال في الخمس المؤذن أشهدُ
وشقّ له من إسمه ليجلّه ... فذو العرش محمودٌ وهذا محمَّمدُ
ثم قال :
محمَّد المبعوث للناس رحمة ... يشيد بما أوهى الضلال ويصلحُ
لإن سبّحت صمُّ الجبال مجيبة ... لداوود أو لان الحديد المصفَّحُ
فإن الصخور الصمّ لانت بكفّه ... وإنّ الحصى في كفّه ليسبّحُ
ثم يتوالى المنشدون في حضرة البشير ، كلُّ يجود بما منَّ الوداد عليه ، فمنهم القائل :
كيف ترقى رقيَّك الأنبياءُ ... يا سماءً ما طاولتها سماءُ
ومنهم القائل :
سلو قلبي غداة سلا وثابا ... لعلّ على الجمال له عتابا
تجلّى مولد الهادي وعمّت ... بشائرُه البوادي والقصابا
ومنهم القائل :
يا أيها الهادي الرسول المصطفى ... والعز والإنعام والإقدامُ
أحببت فيك الله أنت حبيبُه ... وصفيّه في المرسلين إمامُ
فيا لهُ من مشهدٍ عظيم ، في يوم عظيم .