القدس مدينة عربية إسلاميةالشيخ الدكتور تيسير بيوض التميمي
نسمع بين الفينة والأخرى ادعاءات وافتراءات تهدف إلى تكريس احتلال المدينة المقدسة وتتنافى مع تاريخها الحقيقي ومكانتها الدينية الربانية التي أرادها الله لها ، فهي مهبط الرسالات وأرض النبوات ومهد الحضارات ، وهي مدينة عربية منذ قديم الزمان ، بناها العرب الكنعانيون العرب قبل ستة آلاف عام ، ثم اتخذها اليبوسيون العرب عاصمة لهم ، وأشهر ملوكهم ملكي صادق ، ملك موحد كان يعبد الله تعالى على الجبل الذي فيه المسجد الأقصى المبارك ، وهذا دليل تاريخي قاطع على وجود هذا المسجد قبل ظهور اليهودية وقبل وجود اليهود الطارئ فيها بقرون طويلة .
تعرضت مدينة القدس لعدة احتلالات عبر تاريخها الطويل ، وفي كل مرة كانت تزول تلك الاحتلالات وتعود مدينة القدس المباركة لأهلها ولهويتها العربية ؛ كما حصل على يد عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي وغيرهما .
وجاءت معجزة الإسراء والمعراج التي كان محورها مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك تؤكد هوية هذه المدينة التي ترسخت بقرار رباني ، واستقر بهذه المعجزة نسب القدس والمسجد الأقصى المبارك إلى الالتصاق بهذه الأمة ، فلا مجال لأي قرار بشري مهما تسلح بالقوة الغاشمة أو الغطرسة الباغية والاحتلال التوسعي أن يغير هذه الحقيقة الربانية ، وكل محاولات تغيير هذه الحقائق التاريخية والعقدية ستبوء بالفشل .
ومدينة القدس هي بؤرة الصراع بين الأمة الإسلامية بكاملها وبين المشروع الصهيوني ، فهي قضية الأمة بكاملها وليست قضية الشعب الفلسطيني وحده ، فلن تتركها الأمة بل ستهب للدفاع عنها وتحريرها من نير الأسر والقهر وبراثن الذل والاحتلال ، وما ذاك إلا لأنها جزء من عقيدتها ودينها :
* فهي ومسجدها المبارك محور معجزة الإسراء والمعراج : قال تعالى { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ ٱلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } الإسراء 1 .
* وهي أرض مباركة : قال تعالى عن سيدنا إبراهيم { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } الأنبياء 71 ، وقال أيضاً { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } الأنبياء 81 ، وقال عن سبأ { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى ٱلَّتي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً } سبأ 18 ، قال المفسرون : الأرض التي بارك الله فيها هي بيت المقدس .
* وهي مبعث كثير من الرسل عليهم السلام الذين مشت خُطاهم على ثراها المبارك ، ففي كل شبر منها أنفاس نبيّ أو بصمات ملاك : فبين أرجائها تنقل سيدنا إبراهيم ، وفي مدائنها واجه سيدنا لوط فحشاء قومه فعذبهم الله لإعراضهم ، وفيها نشأت مريم الصِّدِّيقة عابدة في محراب بيت المقدس ، قال تعالى { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يمَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إنًّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } آل عمران 37 ، وفي رحابها عاش زكريا وولد له سيدنا يحيى ، قال تعالى { فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ } آل عمران 39 .
* وفيها أولى القبلتين : من أثمن ثمار رحلة المعراج أن فرض الله تعالى ركن الإسلام وعموده على المسلمين، خمس صلوات في اليوم والليلة ، استمر صلى الله عليه وسلم وصحبه بعد هجرتهم للمدينة المنورة يتجهون إلى بيت المقدس في صلاتهم ؛ حتى جاء الأمر بتحويلها إلى البيت الحرام روى البخاري بأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم { صلى قِبَلَ بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً ... } رواه البخاري
يتبع