إني لأفقدُ قلبي
في أبحرالعلم والأنوار والحكم
أبحرتَ يا قلبُ لم تَحْقِبْ سوى القلم
وما تَعَجَّبُ من إثنين قد ركبا
سفينةَ الشوق تجري مثلما العَلَم
شوقٍ لمن قد حسبتُ البدرَ والدَه
وأمَّّه الشمسَ ألقته على الظُلَم
لكنه من أديم الأرض منبتُه
وإنْ يكنْ نورُه كالشمس في العِظَم
قد خبّأتْه سماءُ الغيب أزمنةً
عن أرضنا إذْ رأته أعظمَ النعم
جزيرةُ العُرْب أغفت تحت أغطيةٍ
من القرون قرونِ الجهل والعدم
فما أفاقت على أنوار مولده
حتى غدتْ معدِنََ الأنوار والحِكم
وأشرقتْ شمسها في الأرض قاطبةً
وأمّةُ العرْب تعلو قمّةَ القمم
***
بشراكِ مكّةُ قد جاء الخليلُ وفي
يديه مجدُكِ فوق العرب والعجم
كأنّما نسيتْ صوتَ الخليلِ و قد
كانتْ يباباً بواد ٍغيرِ ذي سلم
غداةَ يدعو لدى البيت العتيق به
ربَاه فابعثْه يخرجْهم من الظُّلَم
ألقى إليكِ بإسماعيلَ فلذتَه
وأمَّه ثم ولّى مفعمَ الألم
لتصبحي بعد ُرأسَ العرب أجمعهم
أم َّالقرى ومثابَ الناس كلّهم
تعاظم النورُ في الأصلاب أدهرَه
فإذْغدا الشمسَ وافى سيّدُ الأمم
***
لكنً مكّة َ لن ترضاكَ سيدَها
فالكبرُ معبودُها في صورة الصنم
حتى تراكَ بجيش النور تطرقُها
وتقرعَ السنَّ من خوفٍ ومن ندم
حتى ترى بعد ُخيل َالله جائلة ً
في ساحها فوقها يختالُ كلُّ كمي
جحدتِ شمسَكِ لمّا أشرقتْ حسدا
بل رُمْتِ إطفاءها بالسيف والكلم
سمّيتِهِ الصادقَ المأمونَ يا عجبا
ما بالُه اليومَ يُرْمى أشنعَ التهم
أعطيتِه الملكَ والدنيا وزخرفَها
لعلّه يرتضي ما فيكِ من سقم
*لو أنما الشمسُ أَسْوارٌ غدا بيدي
وخاتمي البدرُ ما فرّطْتُ في قيمي*
آذوه حتى بكى أهلُ السماء له
واستأذنوا ليصبّوا عاجلَ النقم
لولا تصبّرُه كانوا كأمثلةٍ
تُتلى لمعتبرٍ عن عادَ أو إرَم
***
ويومَ يرحلُ مكلومَ الفؤاد سقى
بطاحَ مكّةَ دمعَ الشوق كالديم
*لأنتِ حِبيَّ ما بدلْتُ يا وطني
لولاهم أخرجوني عنكِ لم أَرِمِ*
رويدَ تأتكِ خيلُ النور قائدُها
مَنْ قد طردتِ ولكنْ غيرَمنتقم
عشرين عاما على إيذائه دأبوا
فما رأوا منه إلا واصلَ الرحم
*فلتذهبوا أنتم الأحرارُ*يا عجبا
ما قالها غيرُه للمجرم الخَصِم
قد أطمع الصفحُ منه كلَّ مجترِمٍ
لمّا رأَوا عنده الكبرى كما اللمم
فذاكَ كعبٌ وسفيانٌ وعكرمةٌ
وذاك وحشيُّ في جرمٍ كما العلَم
وتاج كسرى لمن يبغيكَ جائزةَ
فعاد يحسب أنْ قد كان في حُلُم
***
يا أهلَ طيبةََ ما إن هلّ بدرُكمُ
حتى غدا إضَمٌ في غير ما أَضَمِ
فخزرجٌ قد غدَوا والأوسُ إخوتُهم
من بعد دهرٍ بنار الثأر مضطرم
فصغتَ في السنوات العشرِ أمتنا
ودولةً ظفرتْ بالروم والعجم
غصّت سما الدهر بالأقمار قد طلعتْ
من فيض شمسكَ تمحو حالكَ الظُّلَم
ما إنْ رأى كأبي بكرٍ ولا عمرْ
ولا عليٍّ ولا عثمانَ ذي الكرم
أو خالدٍ أو كسعدٍ أو كعائشةٍ
ماذا أعدُّ ؟ ألوفٌ في ذرى القمم
لولاك أحمدُ ما كانوا سوى همَلٍ
في البيد تلهثُ خلف الشاء والنَّعَم
***
يا أشجعَ الناس أسخاهم وأحلَمهم
وكاملَ الخَلْق والأخلاق والشيم
هذي حنينٌ فمن قد كان فارسَها
إلاك أو أحدٌ مِن بعد منهَزَم؟
مَن كان أقربَهم نحو العدو إذا
يَحمى الوطيسُ ونارُ الحرب في ضَرَم
وبعدها تهبُ الأعداءَ ما خسروا
وتمنح الخصمَ وديانا من الغنم
خلائقٌ أنت فيها الفرد ما اكتملت
إلا لسيّد خلق الله كلِّهمِ
كم من جمادٍ رأى من حسنها طرفا
فقام يفعل فعلَ العاقل الفَهِم
فاشّقق البدر شوقاً إذ أشرتَ له
حتى غدا كلُّ شطرٍ جانب العلم
لولم تسكِّنْ له روعا لكان لنا
بدران لا واحدا للحبّ والحكم
وتعتلي أُحداً والوجدُ يطربُه
والجذعُ حنّ حنينََ الواجد الأَلِم
يبكي الغمام إذا ناديتَه فَرَحا
والشمسُ رُدّتْ لكم من بعد مُنْصَرَم
كفّاكَ فيضُ سحابٍ أيّما لمستْ
حلّ النماءُ وفاضت أنهرُ النِّعم
تلقي الحِجارُ تحاياها تجلّتَكم
والطُّعْمُ سبّح والحصْواتُ بالكلم
هذا الجمادُ فما يلقاه ذو جسدٍ
مثلي به الروحُ من لحمٍ غدا ودم
إني لأفقدُ قلبي حين أرسله
يمتاح من شمسكم نورا إلى قلمي
***
ويوم ودّعتَ هذي الأرضَ باكيةً
غادرتَ عالمنا في لجّة اليَتَم
لكنّ سيرتَكم أضحتْ سفينتَنا
في مظلم ٍمن عميق الموج ملتطِم
هذي كليماتُ صبٍّ يرتجي وجِلا
أن تقبلوه بها في جملة الخدم