أوقدْ شموعكَ ثم أطفِئهـا معا
واحْفلْ بعمركَ مقبلاً.. و مودّعاً
عامٌ قضى .. ويخطّ سِفرَ وداعهِ
شيباً وها بدَتِ النواصي لُمّعا
عامٌ قضى .. واستلَّ منكَ نصيبه
والبعض منكَ اذا اشتكى بعضٌ لعا
وبريقُ ثغركَ .. والشموع مضيئةٌ
والصدر جاش لظىً يقضّ الأضلعا
وحكايةٌ أخرى ..تطلُّ برأسها
فاعزِفْ ترانيم الزمان ورجِّعـا
العمر .. ما الأعمار إلاّ رحلةٌ
مجنونة الخطوات .. لم تفِ موضعا
دربٌ على أطرافه أيـكٌ وفي
أكنانه زهرٌ يفوحُ تضوّعا
والطير غرّد حوله مترنّما
والمدنفُ الولهان شنّفَ مسمعا
فمتيّمٌ يشتمّ طيبَ رحيقِه
وبظلّهِ تَخِـذَ المهاجرُ مضجعا
والغـِرّ ظـنّ دروبه لا تنتهي
فيجوزُها متثاقلاً متمتّعـا
ويكاد بائسها يلوذُ بقبرهِ
مما تذوّق مـرّها وتجرّعا
ما بين مقبِل عيشهِ أو مدبرٍ
يحويهما ركبٌ تأذّنَ مُقلِعـا
دنيا .. يموجُ غمارُها متسارعاً
والكلّ فـانٍ .. مُبْـطِئاً أو مسْرِعا
فإذا تبادرها الرياحُ بعصفةٍ
جعلتْ خمائلَها سراباً بلقعا
تتساقطُ الأوراق عن أغصانها
هيهات بعد سقوطها أن ترجعا
وعجالةُ الأعمار تستبقُ الخطى
فكأنما صحبَ المبشّرُ من نعى
ويمرّ خيط الذكريات مسلّماً
ولئنْ هممتَ بجذبهِ لتقطّعـا
حاكيتَ صمت الشمعِ ساعَ ذبولهِ
والصمت أبلغ في الشجون لمنْ وعى
بكت الشموعُ على احتراق فتيلها
والقلب يذوي إن حبستَ الأدمعا
قالوا : تفلسفُ؟! قلت لا.. فاستبصروا
لم ألقَ من أثر السوالف مرْبَعـا
زيَّنتُ ناصيةَ القصيد بشائراً
فأبى الختامُ عليّ أنْ أتصنّعا
وخلعتُ عن وجه السنين قناعها
ما كنت أجتاز الدروب مقَنّعـا
أطرقتُ .. ثمّ تلوتها في خافقي
" أنْ ليس للإنسان إلاّ ما سعى"