وأنا السّجين في قفص السّلطان،
وأنا السّجان في سجون الأوطان،
أنا كلّ الشعب النازح خلف القضبان،
أنا جذور الزيتون الذي لا يساوم على قطع الليمون والبرتقال،
أنا جدّ هذه الأرض الصّامد الذي يروي من دمهِ كلّ التّراب،
أنا الخمسون والستون والسبعون عاماً، أوتارٌ لآلة العزف على الجراح،
يتراقص على قيثارة أجسادنا التتار..
وأنا أتسلّل من ذاتي متعباً
أبحث عن منازل الأقحوان،
أصحو تارةً من إغفاءة الشّتات،
من زوايا المرايا،
من صوت الضّباع ونباح الكلاب،
كي أزيح عن المسافات خناجر اللئام،
وأقلّم عن الطّريق أشواك السياسة بما تبقّى بي من رماد الإنسان..
كلّ عصافير بلادي ترتجف،
وسراج الشّمس لا يمنحها الدفء ولا الأمان،
وإن يعلوها قمرٌ مضيءٌ تحته عينان نضّاختان..
كلّ التآمر تسلّل من عيون الصّمت،
فجّ رؤوس الطّين واحتلّ رقصات الموت على استقلال الأرض،
وأنا ما زلت أحتسي الجوع من كأس وطني المتبقي،
وإنّني في انكساري السّكران تجديد انتصار،
إنّني في عشق الضّياع الولهان بي أبحث عن البقاء..
إنني حيران في ميزان كفّيها المتجعدتين،
مرتعشٌ جسدي في جسدها وقد اشتعل فيه الّليل كالضّرام،
يذوب لبّي دماً،
ترتخي أوصاله في الرّيح مع صفيرها المزمجر،
كلّ لحنٍ فيه يتضوّر كالنخل صبراً،
كأنني كلّ يومٍ في شأنٍ،
كأنني أتوزّع تمزيقاً في كلّ مكان..
فيا ذاكرة وطني الحيّة،
أعيدي ليَ ولو نصف الكيان،
كي تستيقظ الحجارة وعياً،
عبر كل خطوة من عصب الزّمان،
مللنا النكبات،
وصمت الأتربة،
وصفر الأمس في جوارير الغد،
أتعبتنا الفوانيس الخافتة،
وتذكرة الأحزان تأشيرة الدخول خمراً،كي ننسى الهوية في حالةٍ من الهذيان،
على جدار الغربة ما بين الضفة وأختها التي في الحصار،
فأين القضية وبطاقتها العربية..؟؟!!
هل مازالت في علبة ثقاب محكمة الإغلاق؟؟!!
أم تنتظر عصا موسى لتحيي بها الأموات وتعيد نبض الضّمير والوجدان ؟؟؟!!
وأين أنا ؟!!
هل أعصرني مراراً في حلوق النسيان؟؟
.
.
جهاد بدران
فلسطينية