359*****وفي ذاكرتي صورة المنديل
**يمشي بعكّازه محنيّ الظهر ،،يكاد وجهه يصل الأرض ،،بائسا ينظر في أهل الشارع ،لا يصدّق أنّ هؤلاء هم أنفسهم الذين كان يمرّ عنهم أيّام قوّته ومناصبه الكثيرة ،،،وأنا نظرْتُ اليه ،،ووقفتُ أتفحّصُ ما تفعل هذه الحياة بالإنسان ،،،،! فذكرتُ ما تفعلُ الرياح والأمطار في الصخور ،،فتنحتها ،،،كما يفعل الرسّام بتمثاله ،،!!
،،تكلّمتُ معه ،،فتكلّم تائها ،،كأنّه لا يعرف نفسه القديمة ،،وكأنَّ صوته محبوس خارجٌ من بئر بعيدة ،،فمن هو ،،،! أهوَ هذا الضعيف الممزّق التائه ،،أم هو ذلك القويّ الغنيّ المتكبّر ،،،!!من نحن ،،!
،،نحن عقولنا ،،! نحن قلوبنا ،،! فنحن نتغيّر كلّ حين ،،وتنحتنا الحياة وتُبدّلنا ،،،وتتغيّر أفكارنا ونتغيّر ،،،نموت كلّ يوم ونولّد أيضا ،،،،،!! نحن ذلك التلّ ،،كان ترابا أجردا تأتي اليه بعد حين ،،،تجده بأشكال مَن يسكنه ويبني عليه ،،! وتجده بلون الغروب في آخر النهار وكان مرّةً ،،،،بلون الشروق الضاحك الجميل ،،،،
،،،،نحن عباراتٌ كثيرة نخاطب بها أنفسنا ويخاطبنا بها الناس ،،،نحن ما نقول لأنفسنا وما يقول لنا الناس ،،،،ولكن دائما تأكّد أنّك صادق وأنّهم صادقون ،،،،،،،!لأنّ الرياح والشمس تنحتنا ،،،فلا يمكن إلاّ أن يتغيّر رأينا بأنفسنا كلّما تغيَرنا ،،،سيقولون لك يوما ما بعد قوّتك أنّك كحائطٍ لا يكاد يقوم ،،وسيقولون يوما أنّك ستموت ،،،!!!
،،،وهذا محنيّ الظهر وهذا الكسير بعد عز ،،من هو منهم ،،،،! ........................نحن المتغيّرون !!،،قالوا من أنت !! قلتُ : لا أدري ،،،! إلاّ أن أعرف من أنا في ساعتي القادمة ،،،،!!ولن أعرف
.
.
.
.
.
،،**وأنا في طريقي الى المستشفى ،،شاهدتُ زجاجات خمر فارغة ,,,! يُلقون جنب فوهة الموت أوعية خمورهم ،،هذه المشافي التي يأتون اليها أحياء ويخرجون ،،من أنفاقها السُفلى المظلمة ،،،موتى ،،لا تدري أين مكانهم في السماء ….!
،،،تعجبتُ ،،هل فرَغوا من كلّ تكاليف الحياة ولم يبقَ إلاّ الخمر ،،،!،وأتمّوا رسالة حياتهم ،،ووجدوا كلّ ما ضلَّ عن عقولهم ،،،!وفرحوا فرحة كبرى وهم يجدون طريقهم مع الماضين إلى السماء ،،،،،،،،،!
.
،،يشبهون طالب علم يلعب قبل الإمتحان ،،! تنظرُ اليه تتعجَّبُ ،،،كيف لا يفكّر بنجاحه ،،،! وهؤلاء يشربون قبل يوم القيامة خمرا ,,,,!أليس بيننا والموت شبرٌ منذ خُلقنا ،،،وما نزال نمشي ولم نقطع الشبر ،،،! ،،ولكننا سنقطعه ،،! ونذهب في الليل إلى السماء ،،،،،،،!
،،،،،أبعدتُ تلك الزجاجات بقدمي ،،،،وصليتُ على التراب ،،،،أنظر إلى السماء ،،وأقول لو نظَرَ هؤلاء ألى السماء مرّة واحدة ،،،يتطهرون بذلك النور الذي يملؤها ،،،،وأنا أفكّر بشاربي الخمر ،،،،نزَلَت امرأة محجّبة ووضعتْ أما م مسجد جبهتي منديلا ،،،،لأسجد عليه ،،،،وانتظرَتْ حتى انتهيْتُ ،،،،،،من الصلاة ،،،،،،! أعطيتها المنديل وأنا أبتسم متعجبا شاكرا ،، قلت لها : التراب طهور ،،،!
،،وابتعدتْ بسيارتها ،،،،،وأنا كنت أصلّي وفي ذاكرتي صورة زجاجات الخمر وصورة المنديل ،،،،،،!فهذه الفلاة مكتظّة ،،أيضا بمن وجدوا الطريق ،،،،،،،،يمشون في كلّ مكان وهم فرحون لأنّهم يلقون الله ،،بكلّ قطعة نور ،،،،،من عمرهم المليء بالخير ،،،
.
عبدالحليم الطيطي