قسوتِ عليه حتى تبعديه
ولــو أنصـفــتِـه لـم تــهـــجـريهِ
وكم حمَّلتِه عبئًا ثقيــلا
تناساه ُ ولكنْ ما نسِيهِ
طوى في قلبه المكلوم حبًا
ووجـــدًا صـــادقًا لم تعـلـميه
وظن بفطرة المشتاق خيرًا
بأنـكِ لـــو جـــفـا لـن تـخـــذلـيه
أضعتِ شبابه وجعلتِ منه
مـــــثــــــالا لـــــلـــــعـــــواذل تـــــــــزدريـــــــــه
جفوتِ وربما كان التجافي
لـــــه خــــيرًا ولو لم تـقـصـديه
ولي قلبٌ رقيق الطبع سمحٌ
بـعـــــيـدُ الشـــــأوِ فـيــــما يـبــــتـــــغـــــيـهِ
رماهُ الدهر قبلَكِ بالرزايا
فلا سهـلٌ ولا جبـلٌ يقـيهِ
رأى في غيهب الأحداث ربًا
كـريـمًا يـسـتجـيـبُ لسائـلـيهِ
فأنشــــأ في ظــــلام الليــــل يدعـو
بصوت المسـتغـيث بمنقذيهِ
ألا وقــــــت يــــــــبــــــاع فأشـــــتريـــــه
لأجعل طاعة الرحمن فيه
فحق الله في الأعـناق فــرضٌ
ولـــو أخلـصت عمري لا أفـيه
ملأت صحيفتي إثمـاً وظلمًا
وضــــاع الــــعــــمــــر في لهـوٍ وتيـهِ
وخوفي أن أرى يوماً عصيبًا
يـــــفـــــر الـــــمـرء فيــه مــن أخيـه
سلي يا نفسُ ما شئتِ فإني
أصــــمٌ عن سـؤالـك لا أعــــيه
فإن جوارحي صارت جميعاً
لــــــربــــــي أتـــــــقـــــيــــــه وأرتـــــــجـــــــيـــــــــه
هو الشيطان زين للمعاصي
طـريقا فاحـذري أن تسلكيه
ومن يجعله في الدنيا إمامًا
جـــــديــــرٌ أن يــــلاقيَ مــــا لــــقــيــه
ألـم يُـخــــرج أبـانا من نـعـيم
حوى كل السرور لناظريه
ومن غير الرحيم لمن عصاه
يـــــتـــــوب عـــــلـــــيه ثُـــمـــة يجـتـبـيـه
وهاج الموج وابتلع ابن نوحٍ
فـهـل أنـــــجــــــاه طـــــــودٌ يعــــتـــــلـيه
نفاه الشرك عن نسب شريفٍ
وصـــــــيّــــــــره غــــــــريــــــــبًا عـــــن أبـــــــيــــــه
طغى فرعون في أنحاء مصر
كـــــأن الـنـــــاس شـيء يـقـــــتـنــيـه
يذبِّح كالضواري كل طفل
ولا يـــــأســــــو أبـــــاه ولا يـــــديــــــهِ
ويستحيي النساءَ ولا يبالي
كـــــــأنــــــهـــــــمـــــــو أتــانٌ يـــــمــــتـطـيـهِ
وقال بأنني المعبود فيكم
تـعـــــالى الله عـــــمـــــا يـــــدَّعـــــيــــهِ
وما أطغى ملـــــوك الجَــــور إلا
خنـوع الناس للرأي السفـيه
وصخرٍ بالعصا قد ثار ماءً
تفـــــجر كالـفـــــرات لـشـاربــــيــــهِ
وبحرٍ بالعصا قد عاد صخرًا
طـــــريـــــقًا يـــــابـــــســـــاً لا مـــــاء فـيـــــهِ
ويوسفُ قبل أن يؤتيه ملكًا
قضى أن يبـتــــليه ليــــصـــــطفيه
قميصٌ لـطـخـوه دمًا كـذوبًا
أصاب الشيخ في أغلى بنيه
قــــمــــيــــصٌ قُــــــد مـن دبــــر لـســـــوءٍ
فكان خصوم يوسف شاهديه
قــــميصٌ رد للمحزون نورًا
بـنفـح شـذا حبـيبٍ يرتـديـه
ولطفُ الله نجَّى آل موسى
وأغـــــرق فيه كل مخـالـفـــــــــيــــهِ
على عيسى سلام الله يُتلى
فـأنعـــــم بالمقـرَّب والوجيـهِ
علا فوق السماء بخير حال
ليـــــنـــــجـــــو من بـــــراثـــــن قـاتلـيه
ويونس إذ دعا في بطن حوتٍ
فـــــيــــــجــــــأر لـلإلــــــه ويـــــشـــــتـــــكٰـــــيــــــهِ
فشــــق دعـــــاؤه ظُـلَمًا ثلاثًا
فأدركه المجيب لسائليهِ
كذاك الله لا يرضى بظلمٍ
تعــــالى عن مثـيلٍ أو شبــــيهِ
عجبتُ لمن تلبس بالمعاصي
ولـــــم يتَـــــوقَّ عـــــن فـــــعلٍ كـــــريـــــهِ
فيمنعُ خيره عن مستحق
ويعــــطي نــفسه ما تشتهيهِ
وقد خُتمت سعادته بموتٍ
وقــــبـــــرٍ مــــا درى مــــا يحـــــتــــويــهِ
ويوم يكون عند الموت جسما
طـــــريـــــحـــــًا بـين أيــــدي غـاســـــلـــــيهِ
سألتُ اللهَ إصلاحًا لشأني
لعــــلي محـــــسنٌ فيـــــما يـلـيهِ