خطاب
قصة قصيرة
بقلم الروائي/محمد فتحي المقداد
ضجيج حركات الممثّلين تملأ الصّالة. الجميع مُنهمكٌ بترتيب أدواته.. ممثلة هناك خرجت من خلف الكواليس تعتني بنفسها، تراجع صورة ماكياجها، وتسريحة شعرها الأنيقة أمام مرآة مركونة في الزّاوية لهذا القصد.
ممثّل شابّ.. يروح جيئة وذهابًا، صوته يخالط الأصوات بعناد؛ لتثبيت حفظ دوره المُكلّف به. حركة دؤوبة مشغولة بنشاطها في مختلف أقسام دار الأوبرا.
المُخرج مُنهمك بتقليب أوراقه، وإعادة ترتيبها حسب الأدوار المرسومة في ذهنه.
عامل الإكسسوارات، ثبّت ميكروفونًا من أجل الافتتاح، ابتداءً بكلمة المسؤول الكبير راعي الاحتفال.
***
وقف الجميع مُتخشّبين كالأصنام، أجسامهم مشدودة، رؤوسهم ثابتة بلا أدني حركة، عيونهم جامدة. أيديهم مُسبلة بهيئة الاستعداد. كاميرا النقل التلفزيونيّ غير معنيّة بالالتزام بمهابة الموقف. عدستها تُسجّل جمود الوجوه بصرامة اللّحظة التاريخيّة الفارقة.
الأكُفّ تلتهب احمرارًا من تصفيقها الحادّ مع انتهاء موسيقى النشيد الوطنيّ. المقاعدُ من جديد مُثقلة بالأجسام بعد جلوسها.
عريف الحفل أرغى، وأزبد إيغالًا بالتّرحيب بالضيف. ثمّ دعاه لاعتلاء المنصّة.
المسؤول ارتجل خطابًا طويلًا استعرض مسيرته وانجازاته.. والتصفيق لم يترك له مجالًا لمتابعة كلامه متواصلًا يهزّ جنبات الصّالة.
ودّع المستمعين بحركة من يده، خرج من المدخل الخلفيّ، ليفاجأ بالمتفرجّين ينتظرون طلعته البهيٍّة في السْاحة. أصواتهم المبحوحة لا تفتأ تِردادًا للشّعارات الرّائجة.
على مدار ساعة كاملة استغرق في الحالة انسجامًا بخيلائه وصولجانه. راقه منظر أعضاء الفرقة المسرحيّة يهتفون مع الجماهير، ويُصفّقون.
***
راقبتُ الاحتفاليّة من زاويتي عن بُعد، وتبدّل الموقف؛ لأنّني وللمرّة الأولى في حياتي أستعدّ بمثل هذه الجاهزيّة؛ كنتُ مأخوذًا بانتظار العرض المسرحيّ بشغف غير معهود، للتأثير الشديد للإعلانات اليوميّة عليّ.. وعلى مدار شهر كامل:
- (انتظروا العرض الكبير على مسرح القبّاني، لمسرحيّة تاجر البندقيّة) ، التي ما زالت ماثلة أحداثها في مخيّلتي منذ أيّام الصفّ العاشر. لأنّها كانت مُقرّرًا دراسيًّا.
مساء أضفتُ ملاحظة في دفتري:
- (الخطابات متاهات الجماهير، وألعوبة الزّعماء، لإقناعهم).
فراغ الصّالة أغرى صدى التصفيق والخطاب والهتافات، بالتغلغل حدّ المدى تزاحمًا على احتلال زواياها.
الأردن - عمّان
29 / 2 / 2020