|
جَمِّلْ خطاكَ لحاضرٍ ولغابرِ |
فكلاهما كنزٌ لقلبٍ ذاكرِ |
واسترجع الأنفاس من عِطر الصِّبا |
وفتىً تنسَّمَ من أريجِ معاطرِ |
فلكم وجدته بين هاتيك الربى |
يهب العواطفَ من فؤادٍ شاعرِ |
ويغالب الأشواق من تقوى الهوى |
إلا شفاهًا أرتجتْ بمحاجرِ |
فأنالها قُبَلاً تذوب لها هوىً |
وتثوب أحيانًا عشيقة ساحرِ |
فكأنها هي ذي الحياة تجسَّدت |
وكأنه حيٌّ بقلبٍ ناظرِ |
وبكلّ مزدهرٍ هناك مباهجٌ |
تعطي الحياةَ نضارةً من ناضرِ |
تتعاطف الأنسام والأزهار وال |
أفواف حول مباسمٍ وغدائر |
فتنالها مثل السعادة شيّقًا |
وتنيلها نظر المحبّ الشاكرِ |
يا للزمان فكل جاريه سدىً |
إلا الغوالي من وصالٍ طاهرِ |
فخطوت بين الزهر لا فوق الثرى |
بل فوق أجنحة الزمان الداهرِ |
وأتيت " رومة " ذاكرًا دولاتها |
وعهود عبدانٍ وظلمٍ قاهر |
ونظرت في الأطلال كيف بناتها |
تخذوا " فروق " مقرَّ حكمٍ جائر |
ثم انعطفت إلى هداةٍ أرسلوا |
بالنصر والدين الحنيف الظاهر |
رسل السلام سيوفهم من جُنّةٍ |
وتقاهمُ أصلٌ لكل مفاخرِ |
فتحوا البلاد فحرروا أبناءها |
لا فرق بين أصاغر وأكابر |
نقَّى الحضارةَ سيفُهم وكتابُهم |
من كلّ واضرةٍ وظلمٍ ماكر |
للناس أطيابُ الدنا و ولاتهم |
عبرات صبٍّ في الليالي ساهرِ |
يا للثلاثين الأعزة ثلثهم |
هم فاتحو العهد المنيف الزاهر |
كانوا خلائف مغربٍ من مشرقٍ |
للنور ملء سباسبٍ وحواضر |
عجل الفناء لعهدهم فكأنما |
فُنيَ الربيع لعاصفٍ وتناثرِ |
وكذاك دولات الزمان خواتم |
هُنَّ البداية بعد دور دوائر |
ووصلتُ " بادوفا " أناغي معجبا |
في روضتيها باسمات أزاهر |
بلد أنال الشمس وجه قصوره |
من قبل " روما " في الزمان الداهر |
وحكت جداوله العديدة ما ترى |
في جانبيها من جمال ساحر |
وتناسق اللألاء في آفاقه |
بنجوم أرضٍ كالسماء زواهر |
واعتلّت النفحات في آصاله |
تنساب من خدٍّ أسيل عاطر |
قد جئت أستشفي فزادتني هوىً |
نغماتُ صوتٍ من حديث سواحر |
فيهنَّ من بيض الثياب حمائم |
يدرجن بين مشاعر ومقاصر |
فقفلت أزجي للصبابة حقها |
نجوى محبٍّ وابتسامة ساخر |
وأتيت " فينيسيا " أثنّي زورةً |
من ربع قرنٍ لم تبارح خاطري |
صدفٌ فلما انشقَّ فهي مدينة |
في شِقّ ماء أو سماء زاخر |
وإلى الضفاف السُّمر في " ليدو " انتهت |
حورٌ وغلمان وسحر مناظر |
آمنت بالباري ونظم بديعه |
ورجوت روضًا غير ذات دواثر |
فإذا رأيت رأيت ثم عجائبا |
وخوالدًا من نور حسنٍ باهر |
عجزتْ أخيلة شعرنا عن وصفها |
والمعجزات غدت ملاذ الشاعر |
هذي " جنيف " هلمّ فاذكر عِشرةً |
حيَّوكَ ملء مباسم ونواظر |
قد كنت فيهم والصبابة عطرها |
ليفوح من أردان خلٍّ زائر |
هاموا بقلب فاض نبعا للهوى |
وبفكر ذي أدبٍ وعلمٍ سامر |
لمحات " لوزان " و " ليمان " وما |
حول الجبال الشمّ فيض خواطر |
وزها الجمال فصار بين ربوعها |
بشرًا تذيب عيونها في ناظري |
لا فض فوك ألا نظمت قصائدا |
فقن الخيال لشاعر ولناثر |
أم قد تعاظمت الخوالج وانتضت |
من صيّبِ الذكرى لقلب عامر |
فغدوت تقتصد البيان لمرتع |
أوفى على الإطناب زين منابر |
أعيى يراعتك الوفاء فأي مُد |
دكرٍ خلقْت لعهد أنس غابر |
وحضرت " لندن " بَيْدَ أن عواطفي |
لجمال " أوربا " البديع النادر |
محَّضته الود القديم وعشت في |
هذي معيشة دارسٍ أو عابر |
كم ههنا ذكرى ترفّ لها الهوى |
وصلت هناك بموطنٍ وأواصر |
الأرض أرضٌ من صخور جزائر |
والعهد عهدٌ من خيالٍ سائر |
لو كنت أذرف دمعة لمباهج |
في الأرض كنت خصصته بجواهري |
لكنّ قلبي طائف في مكة |
وبروض طيبة نيط كل مشاعري |
فهنالك الجنات من فوق الدنا |
وهناك حبُّ فوق حب ظواهر |
وهنالك العبرات تسكب عن هوى |
لم ندر منه أولا من آخر |