سَرَتِ البَشَائِرُ بِالحَبِيبِ وَذِكْرِهِ
سَرَيَانَ طِيبٍ فَائِحٍ مِنْ زَهْرِهِ
اللهُ يَشْهَدُ أَنَّ أَحْمَدَ عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ وَمُبَلِّغٌ عَنْ أَمْرِهِ
فَبِشَرْعِهِ نِلْنَا المَكَارِمَ كُلَّهَا
وَتَتَابَعَتْ أَمْجَادُنَا فِي إِثْرِهِ
اللهُ أَرْسَلَهُ بِدِينٍ خَاتَمٍ
وَبِنُورِهِ سَعِدَ الوُجُودُ بَأَسْرِهِ
لَمْ يَشْهَدِ الكَوْنُ الفَسِيحُ نَظِيرَهُ
مِنْ بَعْدِ مَوْلِدِهِ وَسَالِفِ عَصْرِهِ
وَلَهُ مَقَامٌ لَمْ يَنَلْهُ غَيْرُهُ
فَاللهُ أَقْسَمَ فِي الْكتَابِ بِعُمْرِهِ
لَمْ يَبْدَأِ التَّارِيخُ إِلَّا بَعْدَهُ
فَبِهِ تَبَلَّجَ نُورُ صَادِقِ فَجْرِهِ
وَالقَلْبُ إِنْ زَادَتْ عَلَيْهِ هُمُومُهُ
فَدَوَاؤُهُ وَشِفَاؤُهُ فِي ذِكْرِهِ
وَبِزَمْزَمٍ جِبْرِيلُ غَسَّلَ قَلْبَهُ
وَاسْتَلَّ كُلَّ سِخِيمَةٍ مِنْ صَدْرِهِ
عَادَوْهُ وَاتَّهَمُوهُ وَاجْتَمَعُوا عَلَى
إِيذَائِهِ وَتَمَكَّنُوا مِنْ حَصْرِهِ
أَمْضَى ثَلَاثَ سِنِينَ يَدْعُو رَبَّهُ
مُتَجَرِّعًا جَوْرَ الْحِصَارِ وَمُرِّهِ
حَتَّى أَحَاطَ بِهِمْ فَرَقَّ فُؤَادُهُ
وَعَفَا وَأَطْلَقَهُمْ وَهُمْ فِي أَسْرِهِ
وَأَقَامَ مُحْتَسِبًا عَلَى كَيْدِ العِدَى
مُتَحَمِّلاً مُرَّ الْبَلَاءِ وَعُسْرِهِ
يَا مَنْ تَوَلَّى رَبُّهُ تَأْدِيبَهُ
بِخَلَائِقٍ لَمْ تَجْتَمِعْ فِي غَيْرِهِ
وَكَسَاهُ بِالْخُلُقِ العَظِيمِ جَوَاهِرًا
ضَاقَتْ بِلُؤْلُؤِهِ وَخَالِصِ دُرِّهِ
وَخَتَمْتَ سِفْرَ الأَنْبِيَاءِ وَزِنْتَهُ
وَكَتَبْتَ آخِرَ نُقْطَةٍ فِي سَطْرِهِ
حَتَّامَ يَسْخَرُ مِنْ كَمَالِ مُحَمَّدٍ
مَنْ لَا يُسَاوِي قِطْعَةً فِي ظُفْرِهِ
أَعْرِضْ عَنِ السُّفَهَاءِ وَاسْتِهْزَائِهِمْ
حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ
إِنَّ الذِي ذَمَّ النَّبِيَّ مُحَمَّدًا
حَكَمَ الكِتَابُ بِجُرْمِهِ وَبِكُفْرِهِ
للهِ جُنْدٌ يَحْفَظُوْنَ مَقَامَهُ
مَا ضَرَّهُ مُسْتَنْكِفٌ عَنْ نَصْرِهِ
وَإِذَا أَرَادَ الشِّعْرُ وَصْفَ كَمَالِهِ
سَيَكِلُّ فَيْضُ بَيَانِهِ عَنْ حَصْرِهِ
فَمِنَ الثَّبَاتِ غَضَنْفَرٌ فِي غَابِهِ
وَمِنَ الْحَيَاءِ كَجُؤْذَرٍ فِي خِدْرِهِ
وَلَوَ اَنَّ أَهْلَ الْجُوْدِ يُجْمَعُ فَضْلُهُمْ
مَا كَانَ حَتَّى قَطْرَةً فِي بَحْرِهِ
فَالْكَفُّ يَهْمِي غَيْثُهَا مِنْ جُودِهِ
وَالْوَجْهُ يَبْرُقُ نُورُهُ مِنْ بِشْرِهِ
مَازَالَ يُنْفِقُ مَالَهُ حَتَّى اسْتَوَى
إِنْفَاقُهُ فِي عُسْرِهِ أَوْ يُسْرِهِ
مَنْ لَا يُحِبُّ بِأَنْ يَرَى أُحَدًا لَهُ
ذَهَبًا وَيُؤْثِرُ أَنْ يَعِيشَ بِفَقْرِهِ
مَا الْمِسْكُ وَالْكَافُورُ وَالشِّيحُ النَّدِي
وَالعُودُ إِلَّا نَفْحَةٌ مِنْ عِطْرِهِ
فَضِياؤُهُ فَاقَ الصَّبَاحَ بِشَمْسِهِ
وَسَمَا عَلَى نُورِ الْمَسَاءِ بِبَدْرِهِ
تَجْلُو ابْتِسَامَتُهُ اللَّآلِئَ فِي الدُّجَى
لَمَعَتْ كَبَرْقٍ مِنْ ثَنَايَا ثَغْرِهِ
وَأَتَاهُ مُحْتَاجٌ فَجَرَّ رِدَاءَهُ
حَتَّى بَدَا أَثَرٌ لَه فِي نَحْرِهِ
أَعْطَاه مُبْتَسِمًا وَلَمْ يَسْخَطْ وَلَا
أَبْدَى تَبَرُّمَهُ لِشِدَّةِ نَتْرِهِ
أَوْ مَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكَ أَنَّهُ
لَمْ يَشْكُ مِنْ تَعْنِيفِهِ أَوْ نَهْرِهِ
أَصْحَابُهُ يَرْعَوْنَهُ بِقُلُوبِهِمْ
يَتَنَافَسُونَ عَلَى حِيَازَةِ بِرِّهِ
يَتَقَاتَلُونَ لِأَجْلِ فَضْلِ وَضُوئِهِ
يَتَسَابَقُونَ عَلَى بَقَايَا شَعْرِهِ
يَتَبَرَّكُونَ بِرِيقِهِ وَنُخَامِهِ
يَتَزَاحَمُونَ عَلَى بَقَايَا سُؤْرِهِ
وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَّضُوا أَصْوَاتَهُمْ
مِنْ بِعْدِ مَا عَرَفُوا جَلَالَةَ قَدْرِهِ
إِنَّ المُحِبَّ إِذَا ارْتَقَى إِيمَانُهُ
يَفْدِي النَّبِيَّ بِمِالِهِ وَبِعُمْرِهِ
يُثْنِي عَلَيْهِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ
وَيُطِيعُهُ فِي عُسْرِهِ أَوْ يُسْرِهِ
وَإِذَا غَلَا فِيهِ الغُلَاة بِجَهْلِهِمْ
لَمْ يَجْفُ حَقَّ نَبِيِّهِ أَوْ يُطْرِهِ
هَا قَدْ تَبَاعَدَ هَدْيُنَا عَنْ هَدْيِهِ
حَتَّى تَبِعْنَا الضَّبَّ دَاخِلَ جُحْرِهِ
حَتَّى غَدَوْنَا فِي هَوَانٍ دَائِمٍ
لَاهِينَ عَنْهُ كَسَادِرٍ فِي سُكْرِهِ
لَنْ تَسْتَقِيمَ حَيَاتُنَا إِلَّا إِذَا
سِرْنَا عَلَى سَـنَنِ الصَّلَاحِ كَسَـيْرِهِ
فدواؤنا وشفاؤنا من ذلنا
أَنْ نَسْتَقِيمَ عَلَى هُدَاهُ وَنُورِهِ
وَلَعَلَّ هَذَا الْجِيلَ يَحْذُو حَذْوَهُ
مُسْتَلْهِمًا أَخْلَاقَهُ مِنْ طُهْرِهِ
فَاللهُ أَرْحَمُ رَاحِمٍ بِعِبَادِهِ
لَا تَيْأَسُوا مِنْ فَضْلِهِ أَوْ مَكْرِهِ
فَلَهُ عَلَيْنَا مِنْ سَوَابِغِ فَضْلِهِ
مَا لَا يَقُومُ الشَّاكِرُونَ بِشُكْرِهِ
مِنْ حَقِّهِ أَنْ نَحْتَفِي بِحَيَاتِهِ
وِبِطِيبِ سِيْرَتِهِ وَعَالِي قَدْرِهِ
فَنَصُوغُ مِنْ ذِكْرِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ
حُلْوَ الكَلَامِ بِشِعْرِهِ وَبِنَثْرِهِ
هَذَا القَصِيْدُ مَحَبَّةٌ لِجَلَالِهِ
فَاسْتَمْتِعُوا بِبَهَائِهِ وَبِسْحْرِهِ
وَيَسُرُّنِي أَنْ تَسْعَدُوا بِجَمَالِهِ
وَتُسَاهِمُوا فِي نَقْدِهِ أَوْ نَشْرِهِ