تحت الجلبابِ الصعيدى يسكن جسدهُ النحيل ، غطاء رأسه يغتالُ نصف ملامح وجهه، صبى لم يتجاوز العشر بعد ، عيناهُ لا تبتعد عن المسرحِ المزدحم ورأسهُ تتمايلُ مع الإيقاع ، المنشدُ الشعبى يصدحُ بأهازيج تراثية تختلطُ بمسحةٍ صوفيه تدغدغُ حماس الصبى ، "السيد البدوى من الشباك مد إيده، جاب الأسير من بلاد الكفر بحديده ، فى أول الليل يقرا العلم ويعيده، وفى أخر الليل يسلم على النبى بايده"، فجاءه يقف الصبى مفزوعاً ، فقد وقعت عيناهُ على شيخ الكتاب ، ذلك الرجل جهورى الصوت الذى يلقنهُ دروس القرأن فى الصباح، يدنو الصبى منه ثم يطبعُ على يده قبلةً ترتجف ، ينحنى من جديد ليقترب من أذن الشيخ ثم يهمسُ لهُ فى خجل ، ألم تقل لنا أن الموسيقى حرام وأن التبرك بمن فى القبورِ حرام ؟، يتلون وجه الشيخ ببعض الغضب ، يصمتُ الصبى فى طاعةٍ والمنشدُ يصدح " ظبية من الأنس نزلت مصر على البساتين، الوجهُ مثل القمر أما الخدود بس تين"، يتمايل الشيخ والصبى يتمايلُ ممسكاً بيده !