إليكِ ..سحر الليالي..
....................
جلستُ بشرفتي، والساعة لم تشرْ بعدُ إلى منتصف السفر..كنتُ أنتظر القمر الذي طلبتُ رؤيتَه على وجه السرعة، لأزفَّ إليه خبرا ..
ارتديتُ ملابسي، وأطفأتُ قنديلَ الزمن، وجمعتُ كلّ أشيائي وقصائدي، وأخرجتُ معطفَ أحلامي من خزانةِ الذاكرة..لأسافرَ والقمر، في رحلةٍ قد تطول، حسبَ مزاجِ الليل ووقت استيقاظه من النوم، وقبل أن أغلق عينيّ كي أحذفَ من خرائطي مدنَ الجراح، تسللتْ إلى جيبي زهرةُ اللوتس، وراحتْ تداعب قلبي بأريجها..
ووصل القمر متأخرا معتذرا عن تأخيره عن موعدنا، بسبب تغير مواعيد القطار، والتي صارت على الساعة الواحدة نبضـاً بتوقيت بسمـة، وهكذا سافرنا معاً..وسرّا كي لا نوقظ اليمامةَ البيضاء التي كانت تجلس بعتبة الأحلام، تنثر الهديل هنا وهناك..
ووصلنا أرض القمر، ووجدتُ النجمَ هناك، يعدّ لنا أطباقا من المحبة، وأطباقا من السلام، وصنوفا مختلفة من العطاء وأزمنة الليلَك..وكان البحر بدوره مسترخيا على أريكته الزرقاء، يعزف لحنا من لحونه على مسمعٍ ومرأى منا، والأصداف تشدو، والرمالُ المبتلة بالمحبة، تُنشِد قصائدها، والشجر ُ يقلّمُ أوراقهُ..والأزهارُ تنقش لوحاتِ أكمامها بخطوط الرحيق ..أما الشمسُ فكانت نائمةً، وقد غطتْها النجمةُ الأولى بعباءةٍ لم أتبينْ لونها جيدا..لأن الوقتَ كانَ عِطرا..وجلستُ قرب القمر، وصمتَ الجميع، وهم ينتظرون بفارغ الصبر، أن أعلن لهم النبأ السار الذي حضروا خصيصا لسماعه، فأخبرتُهم قائلةً:
"هاجمت الأحزان مدائننا، بعد أن هدّدتْ بغزو أراضيكم.. ونكّلت بقلوب الكثيرين من سكّان البلاد، وعاثت في الروح فسادا وتدميرا..بل إنها سجنت النبضَ بقلاع الوجع، وأحرقتْ بعضَه ومثّلَتْ بجثث البعض الآخر..وتحالفتْ مع الشتاء، لتُهرِق كل دفءٍ لازال يتعلم لغةَ المحبة والحنان..حتى أنها قامت بنفي الربيع عن شواطئنا وعن محيطاتنا أيضا، لتعزله بأرضٍ بعيدة تسمى على ماأذكر: "أرض الغربـة"، حتى أنقذَتنا وردةٌ بيضــاء، حملها إلينا اليمامُ من إحدى جزر الزنبق، وهي جزيرةٌ تقـعُ بِقـارّة النقاء والصدق، لايحطّ على أرضها سوى طائر المحبة والجمال..حُرّاسُها النجوم، وحُجّابُها خيوط الشمس، وسكانُها لايقتاتون إلاّ من قطرات الندى والمحبّة..الوردةُ البيضاء اسمها سحر الليالي..كنتُ أودّ أن أُحضرها معي إلى هنا، ولكنني آثرتُ أن أخبركم عنها أولا، كي تعلموا أنها الوردة البيضاءُ التي أنقذت عالمكم من ظلمِ الأحزان، وضمّدت جراح الربيع بصباحٍ أخضـر كقلبهــا، فهلُمّوا جميعـا، كي تُعِدّوا لها حفلا يليــق بها..
ستستيقظ الشمس من نومها بعد قليل، وعليّ أن أعود إلى حجرة زمني، لأتصلَ بسحر الليالي على هاتفِ القلب، حتى أعلمها بموعد الحفل..مارأيكم أن يكون الموعـد: بسمـَــة على ضفافِ الفجر؟؟؟؟"
....................