ما علم النحو وعلم البلاغة وكل علوم العربية الا تحويل السليقة العربية الى علم ولم يكتف علماؤنا بوضع القواعد بل بينوا الأغراض والعلل وشرحوا الحكمة منها فوضعوا لنا تصوراً لذكاء هذا العربي وحكمته وسأحاول ان شاء الله من خلال هذه النافذة أن أذكر نماذج تدل على ذلك.
١_جملة مكونة من كلمة :
ليس في العربية جملة من كلمة الا الجار والمجرور والظرف الواقعان صلةً للموصول في مثل : عرفت الضيف الذي في دارك وعرفت الرأي الذي عندك ومما هو معلوم صلة الموصول لاتكون الا جملة فكيف صار الجار والمجرور والظرف من الجمل؟
هاتان الجملتان أصلهما : عرفت الضيف الذي استقر عندك وعرفت الرأي الذي استقر عندك لكن العرب حذفت فعل الاستقرار هذا وأخذت الضمير المضمر فيه وهو الضمير العائد من الصلة للموصول وأضمرته في الظرف والجار والمجرور فصارا بدلاً عنه وبهذا لايمكن إظهار هذا الفعل وصار حذفه واجباً لأن البدل والذي أُبدل منه لا يمكن أن يجتمعا والدليل على ذلك أنه يجوز أن تقول زيد الذي في الدار ضاحكاً ويكون العامل في الحال هو الجار والمجرور وصاحب الحال الحال هو الضمير المضمر في هذا الجار والمجرور الذي تقديره هو أي زيد.
هذا الأمر جعل بعض الشعراء يدخلون ال الموصولة التي تتصل بالاسم على الظرف وهو شاذ في القياس كقول الشاعر :
من لا يزال شاكرا على المعه ... فهو حر بعيشة ذات سعه
كما أدخلها الفرزدق على الفعل في قوله : ما أنت بالحكم الترضى حكومته.
وهذه الجملة المكونة من كلمة كان النحويون يسمونها جملة حتى جاء ابن مالك وسماها شبه جملة أما قول بعض المعربين في الظرف والجار والمجرور الواقعان خبراً ونعتا وحالا أنهما شبه جملة فهذا خطأ منتشر إذ أن صاحب المصطلح ابن مالك لم يقله الا على الظرف والجار والمجرور الواقعان صلة للموصول لأن النحاة اتفقوا على تقدير الاستقرار المحذوف فيها بالفعل أما الخبر والنعت والحال فاختلفوا فبعضهم قدره بالفعل وبعضهم قدره بالاسم ومع تقديره بالاسم في مثل : زيد في الدار أي مستقر في الدار لايمكن أن يكون مع هذا التقدير جملة.