كانت أيام جميلة وقبيحة في آن معًا ، لكنّها مضت لحالها ، ثمّ التقيت صدفة بمن كنت أظنّه من أسباب جمالها ؛ فسألته وأجابني :
- لم أرك منذ زمن بعيد .
- لم تعد لي حاجة بك .
- وهل أنا انتهيت .
- أنظر إلى نفسك تعرف الإجابة .
- بل نظرت إلى نفسي ؛ أتعلم متى يكون الجرح عميقًا ؟
- عندما أطعنك وأنت لا تشعر بيدي ؛ وعندما أتركك تنزف وأنت لا تشعر بسكيني .
- لعلّي لم أنتبه ؛ وربما كنت أعمى بصداقتك ؟
- هذا شعار المهزوم ، وحجّة العاجز المكلوم .
- لكنني لم أرَ منك ما يشي بسوء نيتك .
- ومتى كان الغدر ينبئ عنْ إرادة صاحبه ؟
- ألا تلتمس لنفسك العذر مني ، فقد أسامحك ؟
- لا ينفع العذر للّذي جرحه لا يندمل . ولا يعرف السماح من قلبه لم يلتحم ، فلا تحاول خداعي بكلامك ، ومثلي لا يحتاج لعفوك .
- أراك و قد تعلمت الحكمة .
- الحكمة سلاح ذو حدّين ؛ فبها أخدع أعدائي ، فالرياء ردائي ، والنفاق من طباعي ؛ والغدر من شيمي ، ومثلي لا يعرف الرحمة ، ولم يسمع عن الشفقة .
- منْ أنت ؛ وكيف بتُّ لا أعرفك ؟
- أنا عملك السيّء.
- لكنني لم أكنْ سيّئًا بهذا القدر الذي تلوَّح به .
- لكنك فتحت ثغرة صغيرة ، فدلفت منها على حين غرّة من ضياعك وعبثك ، وكبرت أمام عينيك ، فكنت أراك ولا تراني .
- وهل كان الولوج إليّ صعبًا ؟
- أراك لم تتعلم بعد ؟
- ولكنني تعلمت من جرحي أنّني يجب أنْ أتعلم .
- أراك لا تدرك ما أنت فيه ، ومثلك لنْ يتعلم .
- ولكنني لست بهذا الحجم من الجهل والضياع .
- هذا هو داؤك .
- عنْ أيِّ داء تتكلم ؟
- عن داء العلم الذي لا ينفع صاحبه، وعن داء الجهل الذي لا يعذر حامله .
- وهل أبقيت لي ما أعتذر به إلى نفسي .
- على أية حال لم أكن بهذا الجشع الذي ترمي إليه .
- لكنني أتألم .
- لكنك لما زلت حيّا .
- ليتني أعرف كيف سأبدأ من جديد ؟
- ألم أقل لك إنّك لنْ تعلم ؟
- وكيف لا أتعلم ؟
- هل سمعت بقتيل يسأل قاتله عن الدواء الناجع !
- لكنني لم أسألك !.
- سأتركك وحدك تهذي وأنت تراقب النجوم بما تبقى منْ عينيك ، فتجرّع سواد دمك النازف من مآقيك ، وإنْ كتب لك البقاء فقد تسنح لك فرصة أخرى لتتعلم .
- أشامت أنت ؟
- إنْ لم أكن شامتًا ، فماذا أكون ؟
- الآن عرفت ؟
- وماذا عرفت ؟
- عرفت منْ أين أبدأ .
- ومن أين ستبدأ ؟
- قد علّمتني أنْ لا أكشف سرّي لعدوي ، ولنْ تعلم كيف سأبدأ .
- لعلّك تظن أنّك ستنجح ؟
- لعلّك نسيت إذْ قد تقتل وتنهب ؛ أنّك أبدًا لنْ تكون منْ بيده مفاتح كل شيء ، فاذهب وحيث تكونْ لنْ أكون .