ذكريات معلّم.
.
**عدتُ الى البيت بدل الذهاب الى المدرسة ،،أحسسْتُ كأنّي فرغتُ من كلّ شيء ،،لقد أتيتُ على الستّين ،،وأشعر أن ظلّ الموت يلاحقني ،،،كأنّ أحدا يقول لي : لا يحقُّ لك السير بعد هذا الحدّ ،،الأحياء إلى هنا يمشون ،،وبعد هذا الحدّ يموتون ،، أنت اليوم تمشي بعد الحدّ ،،،،
.
،،نظرتُ إلى الأفق ،، فيه كلّ الصور ،، فيه صورة غرفة الصف التي كنت ،،أقول فيها ذلك الكلام ،، كنتُ أسمِعُهم بيت الشعر " ..ويهزّني ذكر المروءة والنَدى ،،،" ،،،أقول لهم ،،،: يحبّ هذا الشاعر المروءة والشجاعة والأحرار ،،ويكره الأنذال ويكره الجهل ويكره الكاذبين ،،،،،،،،وأسألهم : هل تحبّ أن تكون كاذبا ،،،لا ،، ،،هل تحبّ جاهلا لا يعرف شيئا ،،ويقولون : لا ،،،هل تحبّ المنافقين الذين يمنعون إزالة الأوساخ ،،! لا ،،،هل تحبّون جبانا ،،لايقول الحق ،، قالوا : لا ،،
.
وقلت لهم : هل تحبّون ذلك الطائر الحرّ الذي يغيب في أفق النور ،،،أم تلك الطيور الليلية التي تفعل في الظلام ،،،كلّ الرذائل ،،! قالوا : بل نحب ذلك الطائر الذي يسبح في الأفاق ،،،،،نحو الضوء
.
قلت لهم : هل تحبّون محمدا ،،قالوا : نحبّ الإسلام ،،ومحمدا .....،،هل تحبّون صلاح الدين ،،! نعم ،،لماذا ،،قالوا :،،لو رأى صلاح الدين القدس ،،،يحمل سلاحه ولا يتركه حتى يموت أو يحرر القدس ،،! ،،صلاح الدين يحرّر كلّ أسير ..ويحرّرنا ..!
.
،،وكنت أقول لهم : هل تحبّون عمر ،،،قالوا ،،نحبّ العدالة وعمر ،،! ،هل تحبّون عمر بن عبدالعزيز ،،قالوا : نحبّ الذي قاوم اغراء الدنيا ،،وغلب اللهُ في قلبه كلّ ما يحب ،،وأحببناه لأنه كان أفقر من المسكينة جارته التي كان ينفق عليها من بيت المال ،،وأحببنا قوّته فقد أخذ المال من اللصوص ،،وأعطاه للفقراء ،،،
.
،،قلت : وتحبّون خالد بن الوليد ،،،فقاموا من مقاعدهم ،،وقالو ا : نعم ،،،،،قلت : في نفسي : يا الله ،،ما أكبر عطشكم ،، للأبطال ،،،،
.
،،،ذهبتُ في الوادي ،،أنظرُ إلى الدنيا ،، كأنها ليست لي ،،وأنظرُ إلى الزهرة والقبّرة ،،والصخرة ،،أقول : أنتم ستظلّون هنا وأنا أذهب ،، وصارتْ حياتي خلفي ،،قد فرغتُ من كلّ شيء ،،،لم أصر وزيرا ولم أصر مديرا ،،،،كنت معلما أعلّم الأولاد معنى الحياة الحقَة ،،
.
،،تلك الحياة تراها ، بعد أن تنزع الأغلفة والأقنعة ،،،هي الحياة التي يحبّها الله ،،وليست الحياة التي أوجدها الكاذب والكافر ،،والمنافق والنذل والجبان ،،،كلّ اؤلئك أعداء الإنسان ،،،،،كنت ابحث مع طلّابي عن الله ،،،ونحن نرى كلّ جميل ومخلص وصادق
.
،،واؤلئك الصادقون قليلون ،،تراهم كما ترى قبّرة جميلة فوق ركام من الأوساخ ،،،،وكما ترى زهرة بريّة ،،،،في البرْد تحت الثلوج ،،!
وقلتُ وأنا أنظرُ خلفي إلى حياتي،،:،،هناك في السماء ،، رتب أخرى ،، وأناس يصطفون ،،لن أكون أوَّلهم ولن أكون آخرهم ،،سأكون ما نفعتُ وما صدقتُ ،،،سيصطف ايماني وصبري وما قلتُ وما فعلتُ ،،،،،أنا كتاب ،،أمام الله ،،في ذلك اليوم ،،أنا والوزير والجليل والحقير،، وليرحمنا الله
.
.
.
.
.
.
مدونةعبدالحليم الطيطي الأدبية.