حي ابن يقظان..بين فلسفة ابن طفيل..وعلي الوردي
كتب ابن طفيل الفيلسوف الأندلسي المعروف قصة فلسفية بعنوان "حيّ أبن يقظان". و كان القصد منها أن يشرح للقارئ طبيعة العقل البشري كما يفهمها هو. و قد تخيل ابن طفيل فيها إنسانا ولد و ترعرع في جزيرة منعزلة حيث أرضعته ظبية, و ضل ينمو في تلك الجزيرة وحيدا حتى بلغ مبلغ الرجال.
جوهر ما أراد قوله ابن طفيل هو إن هذا الإنسان أخذ ينمو بدنه حتى تم نضوجه في تلك الجزيرة و أستطاع أن يفكر و يستنتج حتى توصل بتفكيره المجرد إلى كثير من الحقائق الكونية التي توصل إليها الفلاسفة العظام من قبل. و هذا معناه بأن العقل البشري جهاز فطري ينمو من تلقاء نفسه فلا حاجة به إلى التدريس و التلقين. و يرى ابن طفيل أن العقل البشري حين ينمو بعيدا عن سخافات المجتمع يصبح أسلم تفكيرا و أصلح استنتاجا و قد لاقت هذه القصة رواجا عظيما بين المفكرين.
و السؤال هنا, هل تعتبر قصة ابن طفيل الكلمة الأخيرة في قضية العقل البشري؟
يرى الدكتور علي الوردي أن الأبحاث العلمية الحديثة تكاد تجمع على خطأ هذا الرأي حيث ثبت اليوم أن العقل البشري صنيعة من صنائع المجتمع و هو لا ينمو أو ينضج ألا في زحمة الاتصال الاجتماعي. فإذا ولد الإنسان و ترعرع بين الحيوانات فأنه يمسي حيوانا مثلها.
فهل العقل البشري هو مرآة الحقيقة المطلقة فعلا؟ أم إن الحقيقة المطلقة فقدت قيمتها و أصبحت نسبية اعتمادا على ما يكون حقا في نضري قد يكون باطلا في نضرك. و هنا أود أن اطرح سؤالا للمناقشة: ما هي علاقة التعصب لفكرة ما على العقل البشري؟ حيث تشير الأبحاث إلى إن التعصب صفة أصيلة في العقل البشري و إن الحياة أمر طارئ عليه.
فمشكلة العقل البشري هي انه يريد أن يخضع الكون كله لمقاييس اعتاد عليها متناسيا بذلك انه يشق علينا أن نفهم معنى الروح أو معنى الزمان. فالروح من أمر ربي لا جدال في ذلك. و اعتاد الناس أن يفكروا بالزمان على أساس انه مجموعة ثوان و ساعات و لكن إذا سؤل احدهم متى بدأ الزمان و متى ينتهي و هل يسير الزمان إلى نقطة لا يأتي بعدها زمان, فأنه يقف حائرا أمام هذه الأسئلة. و أمر أخر على ضحالة العقل لدى البعض هو إن الملحدين يفرضون القيم و المعايير المألوفة في محيطهم الاجتماعي على عالم أخر لا يخضع إلى تلك القيم و المعايير أخذي أدلتهم من عالمهم المحدود كما يحدث في تكفير المسلمين في العراق.
فالإنسان مفطور على استعدادين يختاروا أي واحد منهما و يتحمل تبعته أمام الله جلّ و علا و الدليل الواقعي الملموس على وجود الاستعدادين هو تحمس العقل للاتجاه نحو استعداد دون أخر. و خلاصة القول يجب أن يفهم الإنسان إن العقل البشري يحتاج إلى تغيير عام في المقاييس الذهنية التي يجري عليها في تفكيره لأن العقل لا ينمو في حدود القالب الذي يصنعه المجتمع له, بل عليه التفكر و البحث وصولا للحقيقة.
ـــــ