للحب طعم في مدائن الأغراض، وله لون في مدائن الرياء، وله صوت في مدائن الكذب، وله شكل في مدائن الشهوات! أما الحب في واحة القيم والأخلاق، فبريء من كل ما يدّعون؛ كبراءة الصدق من متاهات التحايل، وبراءة العدل من ثغرات القانون، وبراءة البرهان من تخاريف السفسطة.
جرّبتُ حب الناس ممن حولي فوجدته مقصوص الجناح لا يستطيع للتحليق سبيلا إلا إذا اصطنع له ريشا من الدسائس لا يكاد يرفعه أعلى من رأس مدّعيه. وجربت حب المال فعافته نفسي لما فيه من جذب نحو هاوية الأنا. وجربت حب الأشياء فضرني منه نزوع النفس نحو كذبة الخلود . وجربت حب الذات فضرني منه الميل صوب بركة الأباطيل والخداع الأسنة ... ثم جذبني حب الخير للغير فأورثني تواضعا مقبولا وسعة صدر وباقة زهر من قطوف الصبر.
دخلت هذه التجربة في حب الكلم الطيب والأخوة في الطين و الدين فوجدتني أتعلم كل يوم في الحب درسا جديدا لا عهد لقلبي به في سابق ما عشت من تجارب. فُتح لي عالم جديد من الصور والأشياء والعادات فبدأت روحي تتعلم كيف تحاسب نفسي على الأنا وعن كل عيوبي واحدا واحدا، وعن واجباتي وحقوق الناس في ما حملني خالقي من مسؤوليات وفي ما أحاطني به من نِعمٍ ورعاية وأفضال لغيري علي... تغيّر كل شيء لدي؛ حتى علاقتي بأهلي ، وما يربطني بزملائي في العمل وبأصدقائي وبكل من لي بهم صلة. بل وبكل الناس على اختلاف ألوانهم وجنسياتهم ولغاتهم.
أدمنتُ أن أطلّ على العقول والقرائح الحية من نافذة أوسع من كل نوافذ الحجرات والفصول التي عرفتها من قبل، فأصبحت أرى للورد ألوانا أزهى، وللنسمات عطرا أشهى، وللحب معنى أنقى، وللأوجاع ألما أحدّ وأدهى وللبسمات لونا أرقّ وأصفى ... فلم تزدني صفتي الافتراضية غير الإصرار على اقتحام عالمها شاهرا في وجه الظلمات وبحور اليأس قلما وورقة بيضاء! واتخذت من نظارتي مسبارا كاشفا لتمويه الحروف المزيفة الممسوخة، حتى اعرفكيف يجتثّ المزيف من حديقة اللغة الغناء التي ورثتها عمن لهم علي الفضل في كل ما أقرأ وكل ما أكتب.وإن الحب ليفعل المعجزات فيمن يحب حقا لله وفي الله !