|
يَدُسُّ البوحُ في صَدري ثقـابا |
بِعُـودٍ كُلَّما سُحِبَ استجـابا |
ليُضْرِمَ في الضُّـلوعِ لهيبَ حَـرٍّ |
يُبَدِّلُ ظـلّ أخْيلتي سَـرابا |
على عَطَشِـي أرى شجراً وماءً |
وتَمْنَعُنـي تَباريحي الشَّـرابا |
كأنّ الشِّـعْرَ يُعْصَرُ من دِمائي |
فَتَصْطَرِخُ الحروفُ لهُ انْتِحـابا |
وحَلّقَ في مَدى آثـارِ قَـومٍ |
خيـالي حين أسْعَفَنـي اقترابا |
قرأتُ نقـوشَ تاريخٍ تَوَلَّـى |
يُعَرِّي نَصُّها "الأسْـدَ الغِضـابا" |
وكَمْ قتلوا نفوسـا دون حقٍّ |
وكم زرعـوا بأفْئـدةٍ رُهـابا |
وكَمْ قلَبُوا عُهُـودَ السِّلْمِ حَرْباً |
وصـوّر زورهم سَفَهاً عُجابا |
هنـا كانت سلاسلهم وثـاقاً |
لـمظلـومٍ أذاقـوه العَذابـا |
فران على قلـوب الناس خوفٌ |
وشـلّ عَزَائِماً خَمَدَتْ وَسَابا |
فَما حَسبـوا لِصَـوْلَتِهِمْ زَوالاً |
ولا ظنّوا بمحشرهم حِسَـابا |
ولا شـادتْ رِكابُ الجَوْرِ مجْداً |
وإنْ داستْ سَنـابِكُهُ الرِّقابا |
حدائِقُهُمْ هنـاك غَدَتْ قفارا |
وتلك قُصورُهم أَضحتْ خَرابا |
وأعمدةُ الْمَسـارِحِ منْ رُخـامٍ |
حُطـامُ نُحوتِها مَـلأ الرِّحابا |
وأقبيـةٌ يبيتُ البـومُ فيها |
يُجـاوِرُ وكْـرُهُ النَّـتِنُ الغُـرابا |
مساكنُ حصَّنتْ للقوم ستْراً |
وأسـواقٌ لِمَنْ نَسَـجُوا الثِّيـابا |
وسـاحةُ معبدٍ فـاحتْ بخوراً |
يضوعُ يعانقُ الطيب السَّحـابا |
وحُـورٌ كُنَّ في جُنح الليـالي |
يُـرَتِّلْـنَ التَّرانيمَ العِـذابـا |
وفُرْسانٌ تغنَّواْ للعَــذَارَى |
بِلَحْنِ العشق أوْ نَظَمُوا الخِطَـابا |
مَشاعِلُ ها هنا ضاءت رِقــاعاً |
وحَيّا رَقْصُ شُعْلَتِها الكِتـابا |
مظاهرُ بَهْجـةٍ شـرِبَتْ وبالاً |
وقُـرَّةُ أعينٍ حـالتُ تُـرابـا |
وما بَلِيَتْ محاسنُ صـدْقِ قَـولٍ |
ولا خسرَ الْمُنيبُ متى أنـابا |
تَآلفتِ الرُّؤَى صـوراً ومعنـىً |
فَلَـذَّ بِساحِها سّبْحي وطـابا |
بِآثارٍ بِهـا عِبَـرٌ وذِكـرى |
لِمنْ للرُّشـدِ يلْتَمسُ اتْتسـابا |
ومـا أبغي بإنشـادي افتراءً |
ولكنِّـي نَـذَرْتُ لهُ اجتنـابا |
أُغَنِّي بالْمَحافِـلِ عِشْقَ مُثْلَى |
وأكشِفُ عنْ مفـاتنها النِّقـابا |
وأَهْتكُ بالْحُروفِ ظَـلامَ يأْسٍ |
وأركبُ إِذْ أُصـارِعهُ الصِّعابا |
وإنْ ضَـرَرٌ أَلَمَّ يَهُبُّ صَبْري |
فَيَقْـهَـرُهُ وكمْ غَلَبَ الْمُصابا |
أُحَـذِّرُ إِخْوتِي أَعْـراضَ عَجْزٍ |
وأَبْـذُرُ في قرائِحِهمْ شَبـابا |
وأَرْشفُ منْ كؤوسِ العلمِ نخْبـاً |
أُسـاقِي منْ مُعَتَّقِهِ الصِّحـابا |
لِنَـزْرعَ في البقـاعِ زهورَ سِلْمٍ |
ونطْرُدَ من رَوَابيهـا الذِّئـابا |
ونُعْلِـي الْحَـقَّ بين الناسِ قِسْطـاً |
وننصُرَ في مَجالِسنا الصَّوابا |
وَجـاءَ الْقَيْـظُ يأْمُرُ بِانْصِرافي |
وأسْـدَلَ دونَ أَحْلامي الحجابا |
تـوارى سِرْبُ أخيلتي تبـاعا |
كشمعٍ ذاق من نـاري فذابـا |
فعـدتُ لـواقعٍ عافتْهُ نَفْسي |
أُسـائِلُـهُ فَيَخْتـانُ الجـَوابـا |
بفكـرٍ حـائرٍ عَشِقَ الـمعالي |
وقَلْبٍ فـائرٍ يشْكـو اغترابـا |
ولسْتُ بِمَنْ يهابُ الخصْمَ جبُنـاً |
ولا أَنا بالذي يَرْضَى انْسِحـابا |