مفاتيح كبار الشعراء .. في صالون ثقافي .
كتب : سمير الفيل
في ندوة من أهم ندوات صالون التوارجي الثقافي بمدينة دمياط الجديدة أقيمت أمس الجمعة 31 / 3/ 2006 ندوة ثقافية لمناقشة كتاب " مفاتيح كبار الشعراء " للدكتور أحمد عبد الحي ، رئيس قسم اللغة العربية بكلية آداب طنطا حيث تحدث المؤلف عن كتابه الذي تناول فيه تجارب شعرية من مختلف العصور بدءا من العصر الجاهلي مرورا بالعصر العباسي وانتهاءا بالعصر الحديث .
يقول المؤلف في مقدمته للكتاب :
" لم أخسر قليلا ولا كثيرا حين أعرضت عن الشعراء الصغار ، بل لقد كسبت كثيرا بسبب اقترابي من الكبار . كسبت وجدانيا حين تمثلت الخبرة الوجدانية للشاعر الكبير حتى أضحت قيمة مضافة إلى رصيدي النفسي والشعوري ، وقد كسبت فكريا حين انفتح عقل هذا الشاعر ليفرغ ما فيه في عقلي ، وكسبت نقديا حين أصبح من الميسور بحكم الألفة والعشرة أن يبوح لي هذا الشاعر بسره ، أقصد : مفتاحه الإبداعي .
وكثيرا ما سألت نفسي : ماذا ترجو من ثمرة لم تصل إلى درجة من النضج مادامت الثمار الناضجة متاحة ؟ " .
ويواصل الدكتور أحمد عبد الحي حديثه قائلا :
"واسترحت أخيرا إلى هذا اليقين الذي جعلني لا أهدر وقتا مع أنصاف الشعراء أو حتى مع ثلاثة أرباعهم ، إذ كيف أرجو من حفنة مياه راكدة ما أرجوه من شلال هادر مثل " عنترة " أو بئر عميق مثل " عمروبن كلثوم " ، أو جدول طروب مثل " أبي نواس " ، أو محيط هاديء حينا ، عاصف حينا مثل " أبي العلاء " ، أو نهر وقور مثل " صلاح عبد الصبور " أو بحر هائج مثل " أدونيس " ؟ " .ويؤكد المؤلف على وجهة نظره في مسألة اختيار الشعراء أصحاب التجارب الفذة لإخضاع تجاربهم للبحث والدراسة بقوله :
" إن تجربة تختصر مئات التجارب التي لم تنضج بعد ، ألم يقل صلاح عبد الصبور : ابو العلاء عندي هو ثلاثة أرباع الشعر العربي ؟ ثم ألم ينتق طه حسين قبل ذلك " أبا العلاء " ليكون في صحبته ، لأنه وجد في هذه الصحبة غناء واكتفاء ؟ ، ألم ينصح بوشكين قارئه العزيز أن " يقرأ شكسبير " بعد أن أطال التجوال في بستان الأدب العالمي ؟
ولأن رؤية الشاعر الكبير للحياة قد تبلورت ، فإنه يسهل الإمساك بمفتاحه الإبداعي ، ويقصد بالمفتاح هنا ، العامل الحاسم في تحديد الرؤية ، أو المحور الأساسي الذي تنبع منه التجارب الإبداعية بشكل عام ، بحيث تظل هذه التجارب في شتى تجلياتها تدور في فلك هذا المحور ، ولا تخرج عن إطاره ، ومسعى هذه الدراسة هو التقاط مفاتيح بعض كبار الشعراء من قاع بئر وجدان كل منهم " .
بسط المؤلف وجهة نظره النقدية حيث تناول عددا من الشعراء مع تبيان مفتاح كل منهم : فهناك عنترة العبسي وضمير المتكلم ، عمرو بن كلثوم وضمير المتكلمين ، أبو نواس وصيغ الأمر والنهي ، أبو العلاء والتسوية بين الأشياء ، صلاح عبد الصبور والمفارقة بين الماضي والحاضر ، وأخيرا أدونيس ، واستراتيجية الخطاب في ديوانه " الكتاب " واستنساخ الماضي في الحاضر .
انتهى المحاضر من عرض كتابه وكانت هناك مداخلات عديدة ، فالشاعر أنيس البياع رأى أن تجربة صلاح عبد الصبور احتشدت بالكثير من الرؤى الفلسفية وقد حدث أن التقى الشاعر في أوائل الستينيات وجها لوجه مع عبد الصبور وأطلعه على فلسفته ، وقدم بعض اسئلته حول منهج الباحث . الشاعر د. عيد صالح قدم مداخلة مطولة حول الفصول التي وردت بالكتاب ، وهو نفس الشيء الذي فعله الشاعر مصطفى العايدي الذي رأى أن الفصل السادس من الكتاب كان يمكن أن يكون عملا مستقلا رائعا ومفيدا لعرض تجربة أدونيس ورؤيته في مختلف تجلياتها وتأثيراتها ونصوصها اختلافا واتفاقا ، بما يلقي الضوء على ما يدور في الساحة من نشاط إبداعي مماثل ، وجدل يتصل بحركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر .
الدكتور رشدي بدا محتجا على أفكار أدونيس التي ترفض التراث أو تخضعه للمساءلة . كاتب هذه السطور ألقى الضوء على تجربة صلاح عبد الصبور في المسرح الشعري خاصة في أهم عملين له " مأساة الحلاج " و" الأميرة تنتظر " ، وتساءل عن تأثير كل من ت . س . أليوت وإزرا باوند على تجربة صلاح عبد الصبور في شقيها الشعري والمسرحي ، كذلك تطرق لصيحة محمود درويش بأن القصيدة العربية في خطر تحت دعاوي التجريب بلا ضوابط .
وقدم صلاح مصباح مداخلة هامة حول تجربة أدونيس وتجربة صلاح عبد الصبور .
وكانت هناك مداخلات مهمة لكل من : الدكتور ابراهيم منصور ، الدكتور رشدي عبد المنعم عطية، والدكتور ماهر القشاوي ، والدكتور سعد عمارة ، حضر الصالون عدد من الكتاب والمثقفين منهم : الروائي مصطفى الأسمر ، عايدة جبر ، محمد التوارجي ، محمد الشطوري ، القاص أيمن الأسمر ، شادي التوارجي ، أديب أحمد عبد الحي ، وخالد احمد عبد الحي .
ولقد كانت التعقيبات والردود عليها هي أفضل ما شاهدناه في تلك الجلسة الحية التي بدأت في الثامنة مساء وانتهت في الواحدة من صباح اليوم التالي.
صاحب الصالون معرض مصغر للأبواب الخليجية مهدى من مجموعة فنانين من دولة البحرين . أما الفقرة الموسيقية التي استهل بها فعاليات الصالون فقد كانت عن آلة موسيقية هي " الأبوا " حيث استمعنا لمعزوفات عليها ، وتتبعنا الآلة في كتالوجات متخصصة ، وهي نفس الالة التي كان عبد الحليم حافظ متخصصا في العزف عليها .
صالون التوارجي الثقافي واحد من أهم الصالونات الثقافية في محافظة دمياط ، وهو إحياء لتجربة الصالونات الأدبية التي ازدهرت في أوائل و منتصف القرن الماضي بالعاصمة المصرية وحواضر المحافظات ذات العمق الثقافي والمعرفي . وقدسبق أن نقلنا للزملاء ندوة حاضر فيها الأستاذ الدكتور أحمد مستجير حول الاستنساخ وعلوم الهندسة الوراثية .