ديوان الإمام الشافعي
أبو عبد اللّه محمد بن إدريس الشافعي .
الكتاب مدقق.
هذا الملف مطابق لطبعة دار الفكر عام 1415هـ/1995م.
****************************************
****************************************
ملاحظة: الهجاء موافق لقواعد الإملاء وقواعد الهجاء الحديثة (مثلا: إبراهيم، ملائكة...) فيرجى مراجعتها عند اللزوم
تنبيه: وجود علامتي استفهام متواليتين [؟؟] هو إشارة لمواضيع لا تزال قيد البحث، أو إشارة أن التصحيح الوارد غير مؤكد، أي لم يتم بمطابقة مراجع أخرى، وإنما تم اختياره لأنه به يتم تصحيح اختلال واضح في المعنى، والله أعلم.
المقدمة.
بسم اللّه الرحمن الرحيم.
الحمد للّه القريب في بُعْده، البعيد في قُرْبه، المتعالي في جَدِّه، عن هزل القول وجِدِّه، المقدَّس في رفيع مَجْده، عن حَصْره وعَدِّه، الَّذي أَوجَدَ ما كان عَدَماً، وأَودعَ كلَّ موجود حِكَماً، وجعل العقل بينهما حَكَمَاً، ليميِّز بين الشيء وضدِّه، وأَلهمه بما علَّمه، فعلم مذاق صابه من شَهْدِه، فمن فكَّر بصحيح قَصده، ونظر بتوفيق رُشده، علم أَن كلَّ مخلوق في قبضتيِّ شقائه وسعده، مرزوقٌ من خزائن نِعَمه ورفده: { مَا يَفْتَحِ اللّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِه}( فاطر الآية 2 ) فلو صفت عين بصيرتك، وانجلت مرآة سريرتك، لأَسمعك كلُّ موجود ما يجده من فِقدان وَجْده، وما يكابده من وجدان فَقْده، أَلم تر إِلى النَّسيم كيف تَنَسَّم أَسفاً على بكاء السَّحاب عن جَزْرِه ومدِّه، وتأَوَّه لهفاً على تبسُّم البرقِ لما سمع من قهقهة رعده، فانظر إِلى الرَّبيع فها هو قد بشَّرك بورود وَرده، وأَخبرك بشرود برده، وسعى إِليك بانقلاب الشِّتاء بجُرْدِه ومُرْدِه، ووشى إِليك بوشي الرَّوض وَبُرْدِهِ. وشكا إِليك البان ما بان من تمايل قَدِّه، وأَنهى إِليك الأُقحوان ما حاز من أَلوان زهره وجُنِده، وخفوق أَعْلامه المُعْلِمَة بسعده.
فالعارف من شكر النِّعم، واحتفَر معادن الحِكَم، ولم يقنع من اللَّبَن إِلاَّ بزبده، ومن الطِّيب إِلاَّ بِنِدِّه، وعلم أَن اللَّه ما أَحدث حدثاً، وأَهمله عبثاً، بل كلٌّ واقف عند حَدِّه، باق على حفظ ميثاقه وعهده، مقرٌّ بتصديق وعيده ووعده: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}( سورة الإسراء، الآية: 44.)
أَحمده وأَسأله توفيق حمده وإِلهام رُشده، وأُصلَّي وأُسلم على رسوله الَّذي أَنزل عليه في مُحْكم مجده: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}( الإسراء الآية 1 )
وبعد:
في الشِّعر وإنشاده:
تكلَّم النَّاس في إِنشاد الشِّعر، فكرهه بعضهم، ورخَّصَ فيه آخرون، فَأَمَّا من كرهه فاحتَجَّ بما روى الأَعمش عن أَبي صالح عن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:
"لأَنْ يَمْتَلِىءَ جَوْفُ أَحَدكُمْ قَيْحَاً خَيْرٌ لَهُ مِنْ أِن يَمْتَلِىءَ شِعْراً"
وقال اللَّه عزَّ وجلَّ:
(وَالشُّعرَاءَ يَتْبَعُهُمُ الْغَاوُونَ)( الشعراء 224 )
وعن الشعبي أنه قال: كانوا يكرهون أن يكتبوا أمام الشعر: {بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
روي عن مسروق أنَّه كان يتمثل بيتاً من شعر فقطعه.
فقيل له: ولو أَتممت البيت.
فقال: إِنيِّ لأَكرهُ أَن أَجد في كتابي بيتاً من الشِّعر
وروي عن إِبراهيم بن يوسف، عن كثير بن هشام قال:
سُئِلَ أَحد الصَّالحين عن قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}(لقمان الآية 6 ). قال: الغناء والشِّعر.
وروى عطاء بن دينارقال: إِنَّ إِبليس قال:
يا ربَّ.. أَخرجتني من الجنَّة لأَجل آدم، فأَين بيتي؟.
قال: الحمَّام.
قال: فأَين مجلسي؟.
قال: السُّوق.
قال: فما قراءتي؟.
قال: الشِّعر.
قال: فما حبالي؟.
قال: النِّساء.
قال: فما حديثي؟.
قال: الغيبة والكذب
وأَما حجة من أَباح ذلك فما روي عن هشام بن عروة عن أَبيه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:
"إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةٌ"
وعن هشام بن عروة عن أَبيه قال:
ما رأَيتُ امرأَة أَعلم بشعرٍ، ولا بطبٍّ، ولا بِلُغَةٍ، ولا بفقهِ، من السَّيِّدة عائشة أُم المؤمنين رضي اللّه عنها.
وعن سمَّاك بن حربعن جابر بن سُمرة قال:
كان أَصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم يتناشدون الشِّعر والنَّبيُّ صلى اللّه عليه وسلم بينهم جالس يتبسَّم.
وعن عكرمة بن عبد اللّه اليربوعي
عن عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما قال:
إِذا قرأَ أَحدكم شيئاً من القرآن، فلا يدر ما تفسيره فليلتمسه في الشِّعر، فإِن الشِّعر ديوان العرب.
وقيل لأَبي الدَّرداء
-كلُّ الأَنصار يقولون الشِّعر غيركَ.
فقال: وأَنا أَقول أَيضاً الشعر.
ثم قال بعد ذلك:
يُرِيدُ المَرْءُ أَنْ يُعْطَى مُنَاه * وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ مَا أرَادَا
يَقُولُ المَرْءُ فَائِدتِي وَمَالِي * وَتَقْوَى اللَّهِ أَكْثَر مَا اسْتَفَادَا
فَلأنَّكَ يَا ابْنَ آدَمَ فِي غُرُورٍ * فَقَدْ قَامَ المُنَادِي صَاحَ نَادَى
بِأَنَّ المَوْتَ طَالِبكُمْ فَهبُّوا * لِهذَا المَوْت رَاحِلَةٌ وَزَادَا
فما قيل في أَشعار النَّبيِّ صلى اللّه عليه وسلم:
تكلَّم النَّاس في رواية الشِّعر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
فقال بعضهم: لم يثبت عنه شعر، واحتجُّوا بما روي عن السَّيِّدة عائشة رضي اللّه عنها، أَنه قيل لها:
- هل كان النَّبيُّ صلى اللّه عليه وسلم يتمثَّل بالشِّعر؟.
قالت: كان أَبغض الحديث إِليه الشَّعر، غير أَنَّه تمثَّل مرَّةٌ ببيت أَخي ابن قيس بن طرفة فجعل آخره أَوَّله وهو قوله:
سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً * وَيَأْتِيِكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوّدِ
فجعل صلى اللّه عليه وسلم يقول: "يَأْتَيكَ مَنْ لَمْ تُزَوّدِ بِالأَخْبَارِ".
فقال له أبو بكر رضي اللّه عنه: ليس هكذا يا رسول اللّه.
فقال صلى اللّه عليه وسلم: "مَا أَنَا بِشَاعِرٍ وَمَا يَنْبَغِي لِي" ومصداق ذلك في كتاب اللّه تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ}(يس 69 )
وقال بعضهم: يجوز عليه كما جاء في الأَخبار، وما روى ابن طاوس عن أَبيه أَنَّ النَّبيِّ صلى اللّه عليه وسلم قال يوم الخندق:
"اللّهمَ لاَ عَيْشَ إِلاّ عَيْشَ الآخِرَه * فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ والْمُهَاجرِه"
فأَجابت الأنصار هذا الشِّعر:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدا * عَلَى الوَفَاءِ مَا بَقِينَا أَبَدَا
روى أبو عثمان النَّهدي عن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه، أَنَّ النَّبيَّ صلى اللّه عليه وسلم ضرب في الخندق المعول فقال:
"بِسْمِ اللّه وَبِهِ بَدَيْنَا * وَلَوْ عَبَدْنَا غَيْرَهُ شَقِينَا
فَحَبَّذَا رَبُّا وَحَبَّ دِينَا"
وعن البراء بن عازب أَن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال:
"أَنَا النَّبيُّ لاَ كَذِبْ * أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ"
وروى الأسود بن قيس عن جندب رضي اللّه عنه قال:
إنَّ النَّبيَّ صلى اللّه عليه وسلم كان يمشي في الطَّريق فعثر، فأصاب أصبعه فدميت، فقال صلى اللّه عليه وسلم:
"هَلْ أَنْتِ إِلاَّ أُصْبَعٌ دَمَيتِ * وَفِي سَبِيلِ اللّه مَا لَقِيتِ"
ممَّا تقدَّم نجد أَن الأَخبار صحيحة، ولكنه يحتمل أَنَّه لم يقصد بهذه الأَخبار الشِّعر، ولكنه خرج موافقاً للشِّعر من غير أن يقصد به شعر، وهذه الأَبيات التي رويت عنه إِنما هي رجز، والرَّجز لا يكون شعراً، وإِنَّما هي مثل السَّجع من الكلام.
والكتاب الذي بين يديك: "ديوان الإمام الشافعي" هو من الكتب التي ما زالت تلقى اهتمام الباحثين.
--------------------
--------------------