في دراسة تحليلية إستراتيجية أعدها الباحث الإسرائيلي مئير ليتفاك وصدرت عن مركز يافا للدراسات الإستراتيجية بالاشتراك مع معهد موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا, أكد الباحث أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعد اغتيال قائدها في غزة عبد العزيز الرنتيسي ستبقى قوة نمطية إستراتيجية.
وفي استعراض الفوارق بين زعيم الحركة الروحي الشيخ الشهيد أحمد ياسين الذي نال ثقة الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي والمرجعيات الدينية في العالم الإسلامي، أشار الباحث إلى أن الدكتور الرنتيسي كان قائدا تنظيميا يدير المعركة من الداخل بكل ثقة، معتمدا في ذلك على انخراطه في العمل بين صفوف الشباب الفلسطينيين.
وأوضح ليتفاك أن الرنتيسي كان يقود التيار المتشدد داخل الحركة، ولهذا كانت أسهمه مرتفعة جدا بين الشباب وطلبة الجامعات والمعاهد العليا. "وكان يعتبر مثلهم الأعلى، حيث كان شعاره وهدفه الإستراتيجي تدمير إسرائيل ومحاربة الوجود الإسرائيلي داخل العالم العربي".
وأضاف الباحث في دراسته أن رفض الرنتيسي لحلول الهدنة المؤقتة ودفعه باتجاه استمرار المقاومة وتعاظمها، جعل منه قائدا محبوبا وقدوة لدى شباب المقاومة الذين كانوا يرقبون كلماته ويعتبرونها توجيها لهم وحضا على الاستمرار في مسيرتهم.
واعتبر ليتفاك أن فكر الرنتيسي تجاه إسرائيل والمبني على عبارته الدائمة أن "السلام لا يمكن أن يتم إلا بعد أن يخرج اليهود جميعهم إلى بلدانهم الأصلية"، خلق حالة من التوتر لدى السياسيين في إسرائيل. هذا بالإضافة إلى تنكره لموضوع المحرقة وما قام به النازيون تجاه اليهود، معتبرا أن الصهيونية أكثر نازية من النازيين أنفسهم.
كل ذلك أدى إلى تكوين رأي عام داخل إسرائيل مفاده أن الرنتيسي أدخل الرعب والخوف في كل بيت وشارع وعقل إسرائيلي، ولهذا ينبغي أن يغيب عن الوجود.
ويعتبر الكاتب أن غياب الرنتيسي عن حماس سيؤدي إلى جملة من التطورات، أهمها عودة الحوار الجاد بين القيادة السياسية الحالية "المتخفية" والسلطة، خاصة إذا تم هناك انسحاب من قطاع غزة.
ويرى الباحث أن هذا الغياب سيؤدي أيضا إلى تنامي التيار السياسي البراغماتي في الحركة، ما سينعكس ميدانيا على مواقف الحركة تجاه الكثير من المتغيرات.
وفي الوقت نفسه يرى الباحث أن غياب الشهيدين الشيخ ياسين والدكتور الرنتيسي قد يؤدي إلى تغيير هام في ميزان القوى بين قيادة الداخل والخارج، حيث سيخلف الرنتيسي في تشدده رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، مؤكدا أن انحراف البوصلة تجاه قيادة الخارج ظهر عندما التزمت قيادة الداخل بتوجيه مشعل بعدم الإعلان عن القائد الجديد لحماس في غزة.
وثمة أمر أشار إليه الباحث وهو أن حماس بعد الرنتيسي ستعمل من تحت الطاولة، خاصة على الصعيد السياسي في الوقت الذي سيتصدر فيه العمل من على الطاولة مباشرة قيادة الخارج، مستغلة كل الظروف والتغطيات الفنية واللوجستية والإعلامية، وهذا بدوره سيحافظ على مكانة حركة حماس وعدم اختفائها من الخريطة السياسية.
ويرى ليتفاك أن الحركة ببعدها الديني والجماهيري وامتدادها في الأراضي الفلسطينية لن تتأثر بغياب القيادات السياسية البارزة من أمثال الشهيدين ياسين والرنتيسي، وإن كان شيئا من التأثر فإنه سيكون نفسيا وليس فنيا ولوجستيا، مؤكدا أن المرحلة القادمة ستشهد انعكاسات وتطورات سياسية داخل صفوف الحركة.