أصعبُ الرسائل, تلك التي تُكتب ويُسهَبُ فيها الحديث ويُصاحبها يقينٌ أكيد بـ عدمِ التفكير في إرسالها,تلك التي تكون الأصدق, الأعمق, الأكثر صراحةً وفضاحةً, إلا أنَّ وضعها في صندوق البريد, أو إيداعها في صوتٍ قريب, لَنْ يُفيد, مُحرِجٌ أنْ ينتابكَ شعور العُرِّي والخزي حينما يقرأك أحدهم وهذا ما أطيقه ولكنني لَنْ أمنحكَ فرصة استراق هذه النظرة المُخْجِلة, لأنني بـ اختصار أرفضُ تماماً أنْ تعرفَ حجم الحُبّ والمُضغة التي تكبرُ فِيّ, كُلّما ذكرتُكَ في أعماقي, أثِقُ جداً, بـ قُدرتكَ على احتلالي كُليّةً حتّى بِتُّ أراكَ في وجوه الرِجال كافّةً, لا ينتابني المَللْ أوْ يعتريني شيءٌ مِنْ الحُزن, رُغم اتسّاع غيابكَ في الجرح ورُغم ضيق جسدي بِكْ رُغمَ الغياب!, أفرحُ كثيراً عندما تبعث إليّ: صباحكَ المُكلّل بـ وردٍ يتبرعم على نافذتك, حينما أفتحها, وألمحُ عصفورين يلتقمانِ فُتات الخبز ويُحلّقانِ إلى غيمةٍ لـ يندسّا بينَ الزغبِ وُيطعمُ كُلٌّ منهما الآخر, لَمْ تأتي إليّ حقيقةً في يومٍ وما لامستُ كفّك, إنّك فقط تستمتعُ بـ إرسالكَ عبر رفّةِ مَطَر أوْ خُصلة ضوء, ومع ذلك, أغتسلُ بـ قطراتِ الندى في كُلِّ فجرٍ وأدعو أنْ تبعثكَ نحوي, دونَ عربةٍ يسرجها غجريّ أو قاربٍ ورقيّ يُغرقِه طِفلٌ صغير, أترغبُ في المزيد؟ حسناً سـ أخبركَ لأنني أعلمُ أنّك لَنْ تقرأني هذه المرّة, فـ كثيراً ما تزورني بعد إحساسٍ يُشبه السُبات والتقلّب بين قِطعِ الثلج, فـ تأتيني بـ ثلاثمئة قُبلة, وإنْ رغبتَ زِدتهم تِسعا,
أحياناً, أشعرُني كما الشتاء في حضوره, وأنّك الصيفُ الوحيد الذي يهطلُ فيه المطر, في الواقع, أنا فقط لازلتُ أؤمنُ كما بادرتكَ القول أوّل مَرّة: "أخبرني! هَلْ أنتَ إنسان؟", كنتُ كـ طفلةٍ مُندهشة, تستفهمُ ضفيرتها عَنْ موسمِ الأشرطة المُلوَّنة وفراشةٍ تبللّت بـ قُزحٍ أحدب, أنهكته أقدام راقِصٍ يضحكُ على شفتيّ, لا لَمْ يكن هذا المُضحك, فما يجعلني الآن, أدفن وجهي في كَفّي – خجلاً, حينما لعنتكُ غاضبة قبل أنْ تنظر إليّ, وتُلقي القهقهة في مجرّةٍ, تسكنُ: فم سماءٍ تتثاءب, وتنطق بـ خُبث: "أغضبتُ أنثى هذه الليلة!", وبعدها كرهتكْ, أوتصدّق ذلك! كرهتُكَ وكرهتُكَ وكرهتُك!, كنتُ كُلّما أُحادثُ صديقتي, أخبرها عنك وأعضُّ شفتيّ حِنقاً, وبعدها حزمتَ خطواتكَ وابتلعكَ ثُقب الأوزون, فـ السماء لَمْ تُمطر ذلك الصيف, ونسيتك دون عناء, حتّى ذلك اليوم, تقدّمتَ الجميع وصحت أنّك الأوَّل, وَجدتُني أهرول إليكَ لـ أسألكَ أنْ تمنحني خيلاً وَ وتراً لا ينقطع!, فـ تراكضتْ الحوافر وعبرتنا قبيلة, شَدّدتَ الرسنْ وعقدتَ روحي بـ أضلعك فما انحنيتَ ولا انقطعتُ!, أخبرتني لحظتها: "أنتِ تعلمين كَمْ أُحبّكِ!" ولا أدري هَلْ عانقتكَ أو صفعتك؟ ما أعرفهُ أنني أُغرمتُ بـ منفاكَ وبُعدك, وعشقتُ غُربتك وشفاهاً تنطق بـ اسمي, ويداً تكتبُني, وحتى هذه اللحظة التي أكتبكَ فيها – مع عِلمي أنّك لَنْ تقرأني – أرغبُ أنْ تُدركَ لاحقاً, ربّما بعد أمدٍ قصير, أوْ أَجَلٍ لا أكون فيه – هنا – أنَّ ما مِنْ باقٍ سوى (الله), وَ (أُحبّكْ)!
الكاتبة: أمـــل السويدي
.....يـــتبع.....