|
يا رفيقي! وأين أنت؟ فقد أعمت جفوني عواصف الأيامِ |
ورمتني بمهمهٍ، قاتمٍ، قفرٍ، تُغَشّيه داجياتُ الغمام.. |
خُذ بكفي، وغنني، يا رفيقي، فسبيل الحياة وعرٌ أمامي |
كلما سرتُ زلَ بي، فيه مهوى، تتضاغى به وحوش الحِمام |
شعَبتْهُ الدهور، وانطمسَ النُور، وقامت به بناتُ الظلام |
راقصاتٍ، يَخلُبنَ في حلَكِ الليل، ويلعبنَ بالقلوب الدوامي |
غنني، فالغِناءُ يدرأُ عنّا الساحِرَ الجنَ...، ساكن الآجام. |
قد تفكرتُ في الوجود، فأعياني، وأدبرتُ آيِساً لظلامي |
أنشُدُ الرَاحَةَ البعيدةَ، لكنْ خاب ظنّي وأخطأت أحلامي |
فمعي في جوانحي أبَدَ الدهر فؤادٌ إلى الحقيقة ظامي |
ما تراخى الزمانُ إلا وألقى في طواياه قَبْضةً من ضرام |
تتلظى، يد الحياة، وزادتْ معضلاتُ الدُهور والأعوام |
أظمأتْ مهجتي الحياةُ، فهل يوماً تبُلُ الحياةُ بعض أُوامي؟ |
يا رفيقي! ما أحسبُ المنبعَ المنشودَ إلا وراءَ ليلِ الرجام |
غنني، يا أخي، فالكونُ تَيهاءُ، بها قد تمزقت أقدامي |
غنني، علني أُنيمُ همومي، إنني قد ملِلت من تهيامي |
يا رفيقي! أمَا تفكرتَ في الناس، وما يحملون من آلام؟ |
فلقدْ حزّ في فؤاديَ ما يَلقَون من صولةِ الأسى الظّلام |
فإذا سرّني من الفجر نورُ ساءني ما يُسرُ قلبُ الظلام |
كم بقلب الظلام من أنةٍ تهفو بغُصات صبْيَةٍ أيتام |
ونشيجٍ مُضَرمٍ من فتاةٍ، أبهظتها قوارعُ الأيام |
ونُواحٍ يفيضُ من قلب أمٍ فُجِعت في وحيدِها البسام، |
فطمَ الموتُ طفلها، وهو نورٌ في دجاها، من قبل عهد الفِطام |
وأنينٍ من مُعدم، ذي سقام، عضهُ الدهر بالخطوب الجِسام |
ما أخال النُجوم إلا دموعاً، ذَرفتها محاجرُ الأعوام |
فلقد ضرَّم الشجونَ بنوها، فإذا بالشجون سيلٌ طام |
وإذا بالحياة في ملعب الدهر تدوس الرؤوسَ بالأقدام |
وإذا الكونُ فلذةٌ من جحيمٍ، تتغذّى بكل قلبٍ دام |
وهُمُ في جحيمهمْ يتناغَونَ بما في الوجود من أنغام! |
عجباً للنفوس، وهي بواكٍ، عجباً للقلوب، وهي دوام |
كيف تشدو وفي محاجرها الدمع، وتلهو ما بينَ سُودِ الموامي؟! |
يا رفيقي! لقد ضللتُ طريقي، وتخطت مَحَجتي أقدامي |
خُذ بكفي، فإنني تائهُ، أعمى، كثيرُ الضلال والأوهام |
وانفخ النايَ، فالحياة ظلامٌ، ما لمرتاده من الهول حام |
مِلءُ آفاقه فحيحُ الأفاعي، وعجيجُ الآثام والآلام |
فانفخ النايَ، إنه هِبةُ الأملاك للمستعيذ بالإهام |
واغذُذِ السيرَ، فالنهارُ بعيدُ، وسبيلُ الحياة جمُّ الظلام... |
|