صفعات شديدة على وجه الباب ، يصلنا صوت صراخه ، نهب من نومنا الذي فر من الرعب ..!!
يسوقنا جنود ، أجساد متحركة تقسم بألا يسكنها بشر ، يقذفونا إلى الشارع ..
نصطف وعائلتي ، الجنود مدججون بالأسلحة ، يقفون أمامنا ، أبي يحتضن يدي ، يضغط عليها ؛ ليعيد إلىّ عُمر ثباتي الصغير ، ببقايا ثباته الذي أراه يتبخر مع قطرات عرقه النافرة ..!!
يصل جندي تعلو كتفه نجوم لا تضيء ، بل تشتعل غلاً ..!!
تتراقص البندقية في يديه فرحة ؛ ستثبت لمن صنعها ، أنها لم تخلق هباء ، بل ستنفذ وصاياه ، ستخترق صدوراً خلقت للهوها وعبثها ..
يمر متكبراً مختالاً نشواناً ، يلهو ببندقيته التي أتقنت رقصات مفزعة ، تعلم أننا نتابع رقصها بشغف الخوف ، خشية من تهورها وفقدانها عقلها ..!!
بفوهتها يَحلُ التحام يدي ويد أبي ، يدفعني بها يقصيني بعيداً ، يضغط على رأسي بها ، تُحدث ثقباً وهمياً ، تتقيأ فيه بطولاتها الدموية المرعبة ..!!
أتقلص دافناً رأسي بين يدي وقدمي ..
عيناى تتراقص نظراتهما على أحبال نظرات الخوف من لحمي الباكي ، تقيدها نظرات الغل والتشفي منهم ..
أبي وأمي وأخوتي أقدامهم ترتعش - ينظرون ناحيتي - يوصوني بألا أخاف ، بعيون ينام فيها الخوف ؛ كأنه وجد موطنه ...
الجندي يسير بينهم متفاخراً ، كأنه طفل يعبث بدمىّ ، يختار بأيها يبدأ التهشيم ..!!
فجأة تستيقظ بندقيته ، تستعد لعبثها ، يرفعها ، انظر لها ؛ أستجديها ألا تفعل ...
يمد يده على الزناد ، أتابع إصبعه فوق الزناد ، الذي سكن هناك دهراً كاملاً ، بلمح البصر ..
طلقة تجعلني أنتفض من مكاني ، بعدما حَلق أبي طائرا بأجنحة الموت ، لحظة أخرى ، أخي ، أمي ، أختي ، طلقات غدر لا تعرف الرحمة أو الخجل ..
تدفن في قلوبهم كجسد مدنس بقبر طهور ..! تهوى الأجساد ، الدماء تتناثر هنا- هناك ..
رأيت الأرض تخرج لسانها تلعقها كأنها كانت ظامئة لطهر دمائهم ، تنبت أعشاب ثأر ، تقتص لهم ..!!
يسير هذا الدموىّ مختالاً بين أجسادهم الطاهرة ؛ يركلها بقدمه النجسة ، دموعي تسيل للداخل كبراكين حقد تقذف حممها بكل زوايا روحي ..!!
يسير باتجاهي نهر ثائر من دماء أبي ، بعدما أوصاه أبي باحتضاني بدلاً منه ، مختلطاً بثرى وطني الحزين المُكبل ، أمد يدي أغترف بقبضتي الثرى المخضب بدم أبي ، عجنته بيدي وضغطت عليه بقوة ؛ صنعت منه قنبلة ..
أبقيتها إلى ....!
من مجموعتي القصصية الجديدة
حتى الحروف تشيبُ ..!!
صابرين الصباغ